ورغم أنّ الاتفاق ينتظر التطبيق، وظهور نتائجه على أرض الواقع، إلا أنّ التخبط سيد المواقف داخلياً، فالطرفان لديهما مشكلة في تسويقه لعناصرهما، بعد سنوات من العداء الواضح بينهما. ولدى "حماس" مشكلة أكبر من دحلان في هذا الجانب، إذ إنها تحمل رجل الإمارات الأمني المسؤولية عن المساعدة في إسقاط الرئيس المصري، محمد مرسي، ومحاربة "الربيع العربي"، وحركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، والتحريض عليها سراً وعلانية، وخصوصاً أن الرجل صاحب باع في التعاون الأمني مع الاحتلال بحكم مسؤولياته الرسمية السابقة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية. ومع الاتفاق، الذي وضعت بنوده في مصر، يبدو أنّ القاهرة مقبلة على أزمة مع السلطة الفلسطينية، في ظل حالة التنافر بين الجانبين. وبدا واضحاً من بعض تصريحات قيادات السلطة الفلسطينية في رام الله، خلال الأيام الأخيرة، عدم وجود ارتياح من قبلهم حيال ما يحكى عن اتفاق وتفاهمات بين دحلان وحركة "حماس". وبالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، فإنّ ما جرى في القاهرة، إنّ تم تطبيقه عملياً على أرض الواقع، يعني أنّ فرص استمرار الانقسام السياسي والاجتماعي ستطول، وأنّ الانقسام أعطي مقومات جديدة للصمود في وجه كل محاولات محاصرته وانهائه من أطراف متعددة.
وتقول مصادر في "حماس"، لـ"العربي الجديد" تعليقاً على "التقارب" بينها وبين دحلان، وهو ابن قطاع غزة، إنّ الثقة لا تزال مفقودة ومشكوكا فيها، لكن الواقع السياسي يدفع نحو إيجاد بدائل وطرق للتخفيف عن غزة، في ظل خنقها من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وتشير إلى أنّ الاتفاق مع تيار دحلان لا يعني "نسيان ماضي المسؤول الأمني ورجاله"، رافضة الخوض في مزيد من التفاصيل، ومطالبة بانتظار النتائج على الأرض. وفي السياق، يقر الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، بوجود فرصة حقيقية للتقارب بين "حماس" وتيار دحلان، لكن ذلك مرتبط بالمصالح التي ستحكم العلاقة بين الجانبين، إذ لم يعد هناك بدائل أمام الحركة التي تدير شؤون القطاع إلا بمحاولة التفاهم مع تيار دحلان في ظل التحريض من رام الله لدى تل أبيب، واستمرار الحصار الإسرائيلي والمصري الذي يكاد يكون أقسى من ذلك المفروض من دولة الاحتلال. ويقول إن دحلان، وتياره، لا يرى فرصة للعودة إلى المشهد الفلسطيني بشكل حقيقي إلا عبر بوابة حركة "حماس"، في الوقت الذي ترى فيه الأخيرة أنها مرغمة على ذلك من أجل التخفيف من حدة الأوضاع المعيشية المتردية في القطاع المحاصر.
ويعتبر محيسن أن "حماس" تتجه إلى دحلان وهي مرغمة على ذلك، مشيراً إلى أنها ستدفع ثمن تقاربها مع دحلان له وللسلطات المصرية. ويوضح أنّ الثمن الذي ستدفعه الحركة لدحلان هو السماح لتياره بالعمل بحرية على الساحة الغزية من دون أي قيود تفرض عليه، كما كان يحدث في السابق، إذ كانت "حماس" تسمح له بالعمل في إطار محدد وضمن ضوابط محددة في إطار الخصومة مع عباس، وللتلويح بهذه الورقة بوجه الرئيس الفلسطيني. ويعتبر أنّ الخشية الكبرى أن يؤدي هذا التقارب إلى تشكيل حالة من الحرب الأهلية، عبر ظهور جماعات مسلحة تتبع تيار دحلان، فيما لو استمرت حالة التقارب بشكل أكبر مع "حماس"، وهي أحد المخاطر التي تنظر لها الحركة. ويلفت إلى أنّ الجلسات التي جرت في العاصمة المصرية القاهرة مع تيار دحلان، كانت في إطار ملفات محددة، غير أنه يوضح أنّ السمة الأبرز في هذه اللقاءات هي وجود قرار من أعلى القيادات في "حماس" بعدم الجلوس مع دحلان في الوقت الراهن.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، مع محيسن، في وجود مساحات رمادية في المشهد السياسي، تحكمها المصلحة العليا للشعب الفلسطيني والتي تحدد طبيعة ومحددات العلاقة بين تيار دحلان و"حماس" التي تدير شؤون قطاع غزة. ويقول الصواف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ النقاشات والتباحث بين الأطراف يأتي في ظل تشديد عباس الخناق على القطاع، ومشاركته للاحتلال في خنق غزة عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات المتتابعة، الأمر الذي تريد "حماس" أن تتخلص منه. ويرى أن الأمور لم تصل حتى اللحظة إلى اتفاق حقيقي ستجري ترجمته على الأرض، بقدر كونها مجرد نقاشات جرت بين الجانبين، التزمت فيها الحركة الصمت خشية منح آمال للغزيين لا تجري ترجمتها على الأرض كما كان يحدث في السابق. ويؤكد الصواف أن "حماس"، وعبر استمرار حالة الصمت تجاه ما جرى في القاهرة، تريد أن تترك المجال للأفعال، وكي يرى أهالي القطاع، المحاصر إسرائيلياً، نتيجة هذه التفاهمات، أو النقاشات، التي جرت مع تيار دحلان على أرض الواقع. ويلفت إلى أن دحلان لم يعد له دور حقيقي في المشهد السياسي الفلسطيني، كونه بات يعمل كوكيل لأجهزة استخبارات في المنطقة العربية، وينفذ لها أجنداتها الخاصة، منذ أن غادر الأراضي الفلسطينية، وهو ما قد يقصر أي تقارب على أمور مجتمعية وتمكين لتياره فقط.