تسعى حركة "حماس" إلى إعادة علاقاتها مع إيران، بعد سنوات من القطيعة والجفاء، الذي سببه موقف الحركة من الثورة في سورية، ورفضها مساندة النظام، وخروج مكتبها السياسي من دمشق، وخلافها العلني مع الأطراف المتشابكة في الأزمة السورية.
ويزور وفد قيادي رفيع المستوى، يترأسه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، صالح العاروري، طهران. ومن المقرر أن يلتقي خلال الزيارة، التي تستمر عدة أيام، بمسؤولين رفيعي المستوى في طهران، في مسعى لترتيب العلاقة الجديدة بينهما. ويبدو أنّ "حماس" وإيران اتفقتا على وضع الخلافات السابقة جانباً، من أجل تعزيز العلاقة وعودتها إلى طبيعتها، بعد عامين من العودة التدريجية للعلاقة والتي كانت فاترة، وطفت على السطح بقوة مع انتخابات الحركة أخيراً، التي أفرزت قيادات جديدة لأعلى الهيئات القيادية في "حماس". ويُفهم من عودة العلاقة وفق هذا المحدد، أنّ التقارب الجديد بين "حماس" وطهران لن يتعدى الملف الفلسطيني، في ظل بحث الحركة عن داعمين لها، بعد خسارة تعويلها على السعودية بالتحديد، والتي ساندتها في كل مواقفها الأخيرة قبل الأزمة الخليجية التي جرى الزج بها في معتركها. ورغم ذلك، فإنّ التقارب بين الطرفين لا يعني ضم "حماس" إلى المحور المعادي للسعودية، فهي تحاول قدر المستطاع أقلمة علاقاتها وسط التناقضات الغريبة التي تحياها المنطقة العربية والإسلامية، ولا ترغب في أنّ تكون مع طرف ضد آخر، وفق ما يصرح به قادتها علانية.
وتعيش "حماس"، التي بنت قوة عسكرية قوية بدعم من إيران في السابق، أزمات مالية خانقة منذ قطع علاقتها بطهران قبل سنوات. والأزمة المالية والإنسانية هي أحد دوافعها في إتمام المصالحة وتخليها عن الحكم رغم فوزها بالانتخابات قبل عشر سنوات. وتسير الحركة الإسلامية هذه الأيام في علاقاتها الخارجية وسط حقل ألغام، إذ إنّ الأطراف التي دفعتها إلى إعادة العلاقة مع إيران، لن يعجبها عودة العلاقة الطبيعية بينهما، وهي ستتعرض لهجوم إعلامي كبير من المحور الذي خنقها سابقاً. ويؤكد القيادي في "حماس" وعضو كتلتها البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني، يحيى موسى، أنّ زيارة وفد الحركة لطهران تأتي في إطار حشد التأييد والدعم للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية مركزية للأمة العربية والإسلامية. ويوضح موسى، لـ"العربي الجديد"، أنّ إيران من الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى كون العلاقة معها لم تنقطع في أي مرحلة من المراحل، إذ واصلت طهران دعمها للمقاومة، والزيارات الأخيرة تأتي لتعزيز العلاقة بشكل أكبر معها. وعن الاتهامات التي توجه لحركته بسبب تقاربها مع طهران، يقول موسى إن "حماس حركة تحرر وطني فلسطيني، ومن ناحية مذهبية تنتمي إلى أهل السنة، ولا تقسم الناس بمذاهبهم ولا طوائفهم، وتنظر للجميع باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية كل المسلمين". ويشدد على أنّ حركته لا تقبل بأي حال من الأحوال الاصطفافات المذهبية أو لعبة المحاور الإقليمية، وتعمل على تقوية العلاقات مع الجميع، بشكل يدعم القضية الفلسطينية، وهي لن تكون مع طرف ضد آخر.
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، لـ"العربي الجديد"، إنّ زيارة "حماس" إلى إيران تؤكد سياسة الانفتاح التي تنتهجها الحركة على كل من يقدم مساعدة للشعب والقضية الفلسطينية، وهو تطبيق عملي لسياساتها في التواصل مع الجميع. والزيارة تأتي أيضاً لردم الهوة في العلاقة بين الطرفين في السنوات الماضية، وفق الصواف، الذي يشير إلى أنّ "حماس" تريد دعماً للقضية الفلسطينية، ودعماً للمقاومة، ودعماً للشعب الفلسطيني، وهذا هدفها من التعاون مع الجميع. ويوضح أنّ "حماس" أعلنت مراراً في أوقات مختلفة أن يدها ممدودة لكل من يمد يده للشعب الفلسطيني، وهي تنظر للمستقبل، ولا تلتفت إلى الماضي، معبراً عن اعتقاده أن هذه العلاقة الجديدة مع إيران تؤكد أن الخلافات يجب أن توضع جانباً، وأن العلاقة المقبلة يجب أنّ تُبنى على أسس متينة قائمة على أساس الدعم للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني. وعن الانتقادات من المحور المُحاصر لـ"حماس" بعد عودة علاقتها مع طهران، يشير الصواف إلى أنّ هؤلاء يريدون من الحركة أن تبقى حبيسة لما يخططون له، ويريدون منها أنّ تكون تحت عباءتهم، تتحرك وفق أهوائهم وتقف عندما يريدون، لكن "حماس" ليست كذلك. ويوضح أنّ "حماس" ترفض الدخول في تحالفات مع أحد على حساب أحد، لأنها تدرك أن القضية الفلسطينية بحاجة إلى الجميع، وأن التحالف مع أي طرف على حساب الآخر في هذه المرحلة يضر بالقضية الفلسطينية كثيراً.
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، حسام الدجني، أنّ هناك تحولات داخلية في حركة "حماس" بعد انتخاب القيادة الجديدة للحركة، ما ساهم بشكل أو بآخر بترميم العلاقة مع طهران. ويلفت الدجني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "حماس" شعرت بالفجوة التي كانت تغطيها ايران عندما ابتعدت عنها، على الصعيد المالي والعسكري والإعلامي، وأرادت أن تتموضع بعد أنّ تنكرت لها السعودية على وجه التحديد، وتنكرت لها أطراف أخرى. ويوضح أنّ موقف "حماس" من "عاصفة الحزم" ورسائل التناغم المتكررة للسعودية، لم تقابل بمواقف إيجابية من الرياض، ورغم ذلك فإنّ الحركة لن تخسر أحداً لتكسب آخر، معبراً عن اعتقاده بأنّ الحركة أعادت تقييم هذا الاتجاه، خصوصاً مع سياسة الانفتاح على الجميع التي أعلنها رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، مع تسلمه منصبه. ويشير الدجني إلى أنّ الموقف من إيران ومن ناحية المقاومة والدعم العلني هو من يساعد الحركة في ترميم قدراتها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، معتقداً انّ إيران و"حماس" اتفقتا على وضع الخلافات السابقة جانباً وتحاولان الآن تحييد أي خلافات جانبية. ويبينّ أستاذ العلوم السياسية في غزة أنّ توجه "حماس" الجديد ليس من السهل تحقيقه، وهي تحاول أن تتجنب الخسائر، وتُخضع جميع العلاقات لفقه المصلحة، والقضية الفلسطينية هي الأساس المحدد والثابت والمحدد لعلاقاتها الدولية.