لفت انتشار شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مركز ومكثف، نظر أجهزة أمن حركة "حماس" التي لا تزال تسيطر على قطاع غزّة. وبعد تتبع وتدقيق، استطاعت الأجهزة الأمنية الغزّية تعقب بعض مطلقيها إلى أن اكتشفت أنّ الأمر ليس مجرد شائعات، بل مخطط كامل لإسقاط الحركة وتحريض المواطنين ضدّها.
اقرأ أيضاً: الاحتلال يزيد "استثماره" الاستخباراتي
واستغل أصحاب المصلحة في نشر الشائعات توتراً أمنياً محدوداً بين "حماس" وجماعات متشدّدة متعاطفة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في القطاع، لبث عشرات الشائعات التي تهدف لإحداث بلبلة داخلية وقلاقل وتزيد من حالة الاحتقان الموجودة، وبشكل مدروس كما بدا.
ويقول مسؤولون أمنيون وحركيون في "حماس" لـ"العربي الجديد"، إنّ أجهزة أمن الحركة وغزة استطاعت إحباط مخطط إسرائيلي يستهدف بث الفوضى في القطاع عبر بث شائعات تحرض المواطنين على الحركة وعلى الخروج ضدها، إلى جانب زيادة الضغط الإعلامي عليها.
وفي التفاصيل، فإنّ المخطط الذي كان يديره جهاز "الشاباك" الإسرائيلي عبر أدوات بعضها فلسطيني من غزة، والأكثر منهم من الداخل الفلسطيني المحتل، كان يستهدف تشكيل حالة رأي عام غاضب، وتحريض المواطنين الغزيين ضدّ الحركة، إلى جانب تحميلها مسؤولية الأزمات التي يعيشها القطاع وسكانه منذ سنوات.
وتوصلت "حماس"، بحسب مصادر "العربي الجديد"، إلى أسماء صفحات وأشخاص حقيقيين يقومون بصياغة شائعات مركزة ومكثفة ومدروسة، وبثها عبر موقع "فيسبوك" على وجه الخصوص، بعدما توصل جهاز "الشاباك" إلى أنّ أكثر من ثلثي شباب غزّة يستخدمون هذا الموقع وليس "تويتر".
واستغل القائمون على الحملة الجديدة، حدوث خلل في قبضة "حماس" الأمنية على القطاع في الأشهر الماضية والتي جاءت انعكاساً لأزمتها المالية. وأغرى هذا الخلل والتراجع "الشاباك" لاستخدام الشائعة في حربه على الحركة، والتي كادت تودي في مضاعفات لولا التنبه لها.
وتذكر المصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ "حماس" قد "نجحت في اعتقال عدد من المتورطين في التخطيط للفوضى في غزة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لكنها تكافح للقضاء تماماً على المحاولة الإسرائيلية الجديدة".
بدوره، يقول الخبير الأمني إسلام شهوان لـ"العربي الجديد"، إنّ بث الشائعة أسلوب قديم، استخدمته الاستخبارات الإسرائيلية في العام 2009 في القطاع، وأثّر بشكل ما في إحداث حالة من البلبلة وعدم الاستقرار، وكان عماد العمل شائعات مركزة ومكثفة ومدروسة.
ويشير شهوان، إلى أنّ هناك قناعة لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية بأنّ مواقع التواصل الاجتماعي عليها إقبال كبير من الشباب الفلسطيني، فمن يدخل صفحات موقع "فيسبوك" مثلاً يجد أنّ هناك حرباً طاحنة، جراء حرب الشائعات التي تنقل للمواطنين على أنها مُسلمة ويسألون عن تفاصيلها.
ويكشف شهوان، أنه مع ما شهده الميدان في الساحة الأمنية في غزة من توتر في الفترة الأخيرة، كان هناك عمل متزامن ومدروس ومخطط له عبر إنشاء مواقع وصفحات مكثفة لبث الشائعات في غزة، كان يدير بعضها فلسطينيون من الداخل المحتل نجح الاحتلال في تجنيدهم.
ويلفت إلى أنّ الاستخبارات الاسرائيلية عكفت على تجنيد عدد من العملاء المرتبطين فيها من الداخل، وهؤلاء ينتمون للبيئة العربية في الداخل المحتل من فتيات وشبان، وقد تم تجنيدهم للحديث المباشر مع الفلسطينيين في غزة، وهدفهم الإشاعة والمعلومات والإسقاط.
ويشير شهوان إلى أنّ الأجهزة الأمنية بغزة رصدت هذه الظاهرة وكشفت أسماء حقيقية لأصحابها من فلسطينيي الداخل، بعدما لوحظ في الآونة الأخيرة، قيام بعض الشبان والفتيات من الداخل بالحديث عن شباب غزة وواقع غزة والدخول في دردشات الهدف منها الحصول على معلومات في السياق الاجتماعي العام.
غير أنّ شهوان يلفت إلى أنّ حالة الفضول والترثرة لدى بعض الشباب الغزي تكون عاملاً مساعداً وبشكل أكبر لنشر الشائعات وبثّها.
ويقول شهوان إنّ الاستخبارات الاسرائيلية تغذي حالة الاحتقان بين أمن غزة والمتشدّدين في القطاع، متحدثاً عن ثلاث شائعات تم بثها أخيراً، وكان لها صدى كبير في وسائل التواصل الاجتماعي ولم يكن لها أي صدقية على أرض الواقع، وهي تحذير بالابتعاد عن المواقع الأمنية والحديث عن إطلاق نار على الشرطة في وسط القطاع، واختطاف ضابط أمني كبير من قبل متشددين.
ويؤكدّ شهوان أنّ الجهد المضاد لحرب الشائعات ضعيف جداً، مقارنة مع قوة وضخامة الحملة وجديتها، خصوصاً في ظل الظروف الميدانية التي تشجع وتساعد على إثارة مثل هذه القضايا، ويشير إلى ثلاثة مستويات لمواجهة حرب الشائعات، أولها الردّ في بعض القضايا التي تثير حالة الرأي العام، فهناك قصور في الردّ على كثير من الشائعات من قبل الأمن.
أما المستوى الثاني، وفق شهوان، فهو الصمت، فهناك قضايا بحاجة إلى الصمت وليس الرد عليها. والمستوى الثالث الإزاحة أو التحويل، عبر إدارة دفة الشائعة في ما يخدم المصلحة العامة وتحويرها وتحويلها إلى غير الهدف الذي بثها وعممها.