حلّ البرلمان العراقي والانتخابات المبكرة: ماذا يريد كل طرف؟

20 اغسطس 2022
يواصل أنصار الصدر اعتصامهم في محيط البرلمان (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تُوافق أغلب قوى "الإطار التنسيقي" الحليف لإيران في العراق على سيناريو حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة لحل الأزمة الحالية التي ترتفع مخاطر المواجهة في الشارع معها كل يوم، لكنها تضع شروطاً مسبقة أمام تنفيذها، أبرزها تشكيل حكومة جديدة غير حكومة مصطفى الكاظمي، وتعديل قانون الانتخابات الحالي.

وتستند هذه القوى في شروطها إلى اعتبار الحكومة الحالية طرفاً غير محايد للإشراف على انتخابات جديدة، عدا عن كونها حكومة تصريف أعمال، إلى جانب اعتبار القانون الحالي للانتخابات أضرّ بها كثيراً، لاعتماده على الدوائر المتعددة، وهو ما شتت جمهورها في الجنوب لصالح جمهور التيار الصدري الواسع، وفقاً لها.

في المقابل، يتعامل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع شروط تحالف "الإطار" على أنها نوع من التحايل وقد تؤخر إجراء الانتخابات لأكثر من عامين، بما يسمح لـ"الإطار" الذي سيشكّل الحكومة، بالتفرد بها واستهداف المسؤولين في المؤسسات والوزارات المقربين منه أو التابعين للتيار الصدري، إلى جانب رفضه إجراء أي تغيير بقانون الانتخابات.

من جهتها، تراهن مبعوثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت وأطراف أخرى على حل وسط، وهو حكومة قصيرة الأمد عبر شخصية من خارج "الإطار التنسيقي" تتولى مرحلة انتقالية لا يكون فيها أي وجود لزعيم "دولة القانون" نوري المالكي أو القيادات البارزة في حزب "الدعوة"، وتتعهد بعدم إجراء أي تغييرات بمؤسسات الدولة ذات أبعاد سياسية.

لكن قوى "الإطار التنسيقي" تعتبر أن أي تنازل تقدّمه الآن للصدر سيكون بمثابة ترسيخ عرف سياسي جديد سيسري مستقبلاً في أي أزمة مماثلة، وهو استخدام ورقة الشارع لفرض الإرادات، بينما يرى الصدر وفقاً لمقربين منه، أن تنازله عن مطالبه الحالية سيكون تأثيره سلبياً على شعبيته بين جمهوره وأيضاً سيمكّن منه خصومه السياسيين.

حل البرلمان العراقي والانتخابات المبكرة

في السياق، قال عضو التيار الصدري عصام حسين لـ"العربي الجديد"، إن "آلية حل البرلمان وضعها الصدر أمام القضاء العراقي الذي يتماهى للأسف مع توجهات بعض القوى السياسية".

وبالنسبة للانتخابات المبكرة، لفت حسين إلى أنها "كانت المطلب الذي كان الإطار التنسيقي ينادي به عقب إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في نهاية العام الماضي"، لكنه شدّد على أن "هذا لا يعني أن احتجاجات الصدريين والقوى المدنية والوطنية تسعى لفرض إرادة سياسية أو مطالب ننتظر تحقيقها، بل هناك رغبة جماهيرية عامة لتحسين كل العملية السياسية وإبعاد القوى التي لا يريدها الشعب العراقي".

وأضاف حسين أن "الصدر لا يستخدم الشارع وجماهيره من أجل مصالح سياسية، لا سيما أنه كان قد تحدث في وقت سابق عن أنه لم يقرر إلى حد الآن ما إذا كان التيار الصدري سيشارك في الانتخابات المقبلة أو لا، ما يعني أن الصدر يبحث عن مشروع لبناء الدولة".

واعتبر أن "الإطار التنسيقي يسعى عبر مبادراته إلى دفع الصدر إلى قرار إلغاء الاحتجاجات الحالية، لكن أجوبة الصدر جميعها لم يظهر فيها أي تعاطف مع القوى السياسية التي تسعى إلى حرف مسار المطالب الشعبية للعراقيين".


عصام حسين: القضاء العراقي يتماهى مع توجهات بعض القوى السياسية

وأشار حسين إلى أن "حكومة الكاظمي رعت أخيراً قمة مصغّرة للأحزاب العراقية، هدفها إقناع الصدر بأن هناك قبولاً بإجراء الانتخابات الجديدة، لكن معظم هذه القوى تنتظر الوقت المناسب لعودة الصدريين إلى منازلهم من أجل استئناف عمل البرلمان، وتشكيل حكومة انتقالية تقودها قوى الإطار، والصدر يعرف هذه الحيل".

واعتبر أن "الاحتجاجات الصدرية هي الفرصة الأخيرة لتغيير مجرى العملية السياسية وما سارت عليه منذ الاحتلال الأميركي، وأن ضياع هذه الفرصة لتثبيت مطالب الشعب قد يؤدي إلى استمرار القوى السياسية في معادلة المحاصصة الطائفية والحزبية".

من جهته، أشار عضو "الإطار التنسيقي" النائب عارف الحمامي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الصدر "يرفض لغاية الآن أي حوار بشأن التوصل إلى طريقة تتفق عليها جميع الأطراف السياسية لتنفيذ عملية حل البرلمان، وهو يريد أن يكون هناك قرار قضائي من المحكمة الاتحادية".

ورأى أن "هذا الأمر تنزعج منه بعض الأطراف السياسية في الإطار، لأن القانون العراقي ينصّ على أن حل البرلمان يكون عبر أعضاء مجلس النواب أنفسهم، في حين أن تعديل قانون الانتخابات من أجل خوض عملية اقتراع جديدة، يُعدّ من عقبات إجراء الانتخابات المبكرة المقبلة".

وكشف الحمامي أن "التيار الصدري لا يمانع بقاء حكومة الكاظمي إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة، لكن تحالف الإطار يمانع بشدة بقاء هذه الحكومة، بل إننا نعتبرها أساس كل المشاكل الحالية".

وفي ظل هذا الوضع، تتضاعف مخاوف دخول الأزمة السياسية في العراق نقطة اللاعودة، خصوصاً مع دخول زعماء وقيادات مليشيات حليفة لإيران على الخط والبدء بإصدار مواقف مناوئة للصدر ومؤيدة لقوى "الإطار التنسيقي"، مثل زعيم مليشيا "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي، و"كتائب حزب الله" العراقية، و"عصائب أهل الحق"، وفقاً لعضو التيار المدني أحمد حقي، الذي اعتبر أن تلك التصريحات والمواقف تستفز الصدر أكثر من أي موقف سياسي آخر.

ولفت حقي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن تصاعد مواقف قادة "لواء اليوم الموعود" و"سرايا السلام" والتلويح بإعادة "جيش المهدي" من قبل التيار الصدري، كان واضحاً، وهو عسكرة للأزمة السياسية قد تدفع بمزيد من التأزيم وصولاً إلى نقطة لا يمكن فيها السيطرة على الأوضاع أمنياً.

وأكد حقي أن سبب عدم تدخّل المرجع علي السيستاني في الأزمة نابع من "خشية إقحامه مرة أخرى في حالة الفشل والتردي الخدمي والأمني التي يمر بها العراقيون، على اعتبار أنها مباركة للاتفاق السياسي الذي ستنتج عنه الحكومة الجديدة".

خلافات عراقية أبعد من التفاصيل

من جهته، بيّن عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي أن "مشاكل البيت السياسي الشيعي (الأحزاب الشيعية) باتت كبيرة، وهناك خلافات ليست اعتيادية بين قوى الإطار والتيار الصدري الذين اختاروا اللجوء إلى الشارع للتعبير عن توجهاتهم السياسية، وهو أمر إذا ما استمر، فقد يقود إلى انسدادات واختناقات أكثر وأكبر".

وأكد في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأحزاب الكردية لا تمانع إجراء انتخابات مبكرة بعد حل البرلمان، لكن شرط أن تكون وفق طرق دستورية واضحة، أولها أن ينسحب المتظاهرون من المنطقة الخضراء، من أجل عودة عمل البرلمان"، مضيفاً "كما أننا لا نريد أن تكون العملية السياسية عرضة للحظات الغضب السياسية وتوجيه الجماهير نحو مقرات حكومية مهمة، في حين أن حكومة الكاظمي لا بد أن ترحل، وتشكيل حكومة انتقالية".


صالح فقي: الأحزاب الكردية لا تمانع إجراء انتخابات مبكرة بعد حل البرلمان

من جهتها، اعتبرت رئيسة كتلة حراك "الجيل الجديد" في مجلس النواب سروة عبد الواحد أنه إذا تمّت إعادة الانتخابات مرة أخرى، ستحظى بإقبال واسع من قبل الناس، مبينة أن ذلك لعلمهم بقيمة الأصوات.

وذكرت عبد الواحد في تصريحات للصحافيين، أول من أمس الخميس، أنه "ليست لدينا أي مشكلة مع حل البرلمان، لكن هناك آليات دستورية وقانونية لهذا الإجراء يجب أن تتبع"، ودعت إلى "تشكيل حكومة انتقالية تكون حكومة مصغرة تأخذ على عاتقها إجراء الانتخابات القادمة".

ويُعد "الجيل الجديد" من الأحزاب الكردية المتحالفة مع حركة "امتداد" التابعة لمحتجي مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، جنوبي البلاد.

بدوره، رأى الباحث عبد الله الركابي أن "التيار الصدري لن يتراجع عن مطالبه بإجراء تعديلات شاملة في العملية السياسية، وأن الصدر يشعر بأنه ورّط العراقيين في أكثر من حكومة بمسؤولين غير أكفاء، ويبدو أنه عازم على إجراء إصلاحات بمساعدة جماهيره المطيعة".

وأوضح الركابي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الإطار التنسيقي والأحزاب المتحالفة مع الفصائل المسلحة وافقت على معظم شروط الصدر، لكنها تبحث عن تفاصيل تخدم مشاريعها ونتائجها في الانتخابات المقبلة، لكن الصدر لم يستجب لها مطلقاً، ويبدو أنه سيتعامل بقسوة مع هذه الأحزاب، خصوصاً إذا ماطلت المحكمة الاتحادية في قضية البت بملف حل البرلمان".

وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد أعلنت أخيراً إرجاء البت بالدعوى المتعلقة بحلّ البرلمان إلى نهاية الشهر الحالي، في خطوة اعتبرت محاولة لمنح الحلول السياسية مزيداً من الوقت، فيما يستمر اعتصام أنصار الصدر داخل المنطقة الخضراء، والذي بدأ في 30 يوليو/ تموز الماضي، يقابله اعتصام أنصار "الإطار التنسيقي" عند بوابة المنطقة الخضراء، فيما يتوعد الطرفان بتظاهرات حاشدة خلال الأيام القريبة المقبلة.