- حركات فلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي ترفض التكليف، بينما تدافع حركة فتح عنه، مؤكدة على أجندة مصطفى الوطنية وضرورة الإصلاح.
- مصطفى، ذو خبرة اقتصادية واسعة، يواجه تحديات في قيادة الحكومة الجديدة وسط انتقادات لإدارته السابقة والشكوك حول شفافية استثماراته.
حسم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الكثير من الخلافات والضغوط حول هوية رئيس الحكومة الفلسطينية المقبلة، وقطع الطريق على مرشحين آخرين، بعدما كلّف الخميس مستشاره الاقتصادي محمد مصطفى بتشكيل حكومة تكنوقراط جاءت نتيجة لضغوط أميركية وعربية على ما يبدو، أكثر منها على توافق وطني فلسطيني.
وسيكون على عاتق الحكومة المقبلة التي قبِل محمد مصطفى (70 عاماً) رسمياً تشكيلها مساء الجمعة، مهام شبه مستحيلة، تبدأ بإعادة إعمار قطاع غزة، وتوحيد المؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة، والإصلاح، ومحاربة الفساد، والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية، وجميعها مهام من شبه المستحيل إنجازها في ظل الانقسام الفلسطيني والنظام السياسي الفلسطيني الحالي المتآكل، الذي رحّل كل أزماته العميقة ووضعها على كاهل حكومة محمد مصطفى التاسعة عشرة.
وقال مصدر فلسطيني مطلع لـ"العربي الجديد" إن "خطوة تكليف محمد مصطفى جاءت ضمن الخطوات المتلاحقة لإقناع الإدارة الأميركية والدول العربية المقربة منها بأن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يقوم بالإصلاح المطلوب منه في أركان السلطة الفلسطينية".
وتابع المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه: "بعض المحيطين بالرئيس أبو مازن يريدون إكمال هذا الطريق حتى النهاية، أي طريق تقديم الأدلة على حسن نوايا قيادة السلطة بالإصلاح، لكن هذه الحكومة ستكون وصفة غرق ليس أكثر، بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة، وقرصنة الاحتلال لعائدات الضرائب الفلسطينية، واستمرار الانقسام الفلسطيني، فضلاً عن عدم تقديم الولايات المتحدة أي مسار سياسي واضح لحل الدولتين".
وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية الفلسطينية، في بيان مشترك، عن رفضها تكليف محمد مصطفى تشكيل حكومة جديدة، مشددة على أن "الأولوية الوطنية القصوى الآن هي لمواجهة العدوان الصهيوني الهمجي وحرب الإبادة والتجويع التي يشنّها الاحتلال ضدَّ شعبنا في قطاع غزة".
في المقابل، ردت حركة فتح في بيان على ما ذكرته الحركات الفلسطينية، وقالت إنّ "محمد مصطفى، مسلّح بالأجندة الوطنية، لا بأجندات زائفة لم تجلب إلا الويلات لشعبنا ولم تحقق إنجازاً واحداً، هل تريد حماس أن نعين رئيس وزراء من إيران أو أن تعينه طهران لنا؟"، وفق البيان.
وشددت "فتح" على أنّه "من حق الرئيس محمود عباس وبموجب القانون الأساسي القيام بكل ما فيه مصلحة شعبنا"، موضحة أنّ تكليف مصطفى بتشكيل الحكومة، "يدخل في صلب مسؤوليات الرئيس السياسية والقانونية، وهذه أولويات الشعب، ويدرك ذلك كل عاقل غير مفصول عن شعبه وعن واقع المأساة الرهيبة التي يعيشها شعبنا بغزة".
انصياع عباس لمطالب الإصلاح الشكلية
ورغم انصياع محمود عباس لمطالب الإصلاح الشكلية، إلا أنه ما زال يصرّ على الإمساك بزمام الأمور، حيث أصرّ على اختيار مصطفى، فهو مستشاره الاقتصادي ورئيس صندوق الاستثمار الذي يدير أموال منظمة التحرير الفلسطينية، ويأتي بديلاً عن محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول ماليتها، وكلاهما يأتمران بأمر عباس ويعملان في منطقة نفوذه، لدرجة أن المسؤولين الأميركيين انتقدوا خلال اجتماعات عقدوها في رام الله قبل أسابيع خيار رئيس السلطة الفلسطينية قائلين له، وفق مصدر مطلع: "نريد إصلاحاً حقيقياً، محمد مصطفى يعمل موظفاً لديك".
لكن عباس تمسّك بمصطفى كخيار وحيد، وصمد أمام الانتقادات، فهو لم يختر الذهاب بعيداً في لعبة الإصلاحات لتخرج زمام الأمور من يده، ولن يعيد تجربته مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي عيّن عباس رئيساً للحكومة، بسبب الضغوطات الأميركية والدولية، فتنازع معه على الصلاحيات.
محمد مصطفى هو رئيس الحكومة المكلف الثاني الذي عمل في البنك الدولي بعد سلام فيّاض، ومن المعروف عنه عدم حبه للأضواء والإعلام والصحافة.
في العام 2005 كلَفه "أبو مازن" بمنصب مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الاقتصادية في ديوان الرئاسة الفلسطينية، وفي مطلع عام 2006 كلّفه أيضاً بمنصب الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الفلسطيني واستمر في هذا المنصب حتى عام 2013، ومنذ عام 2015 وحتى اليوم يشغل منصب رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني بتكليفٍ من محمود عباس.
قرب مصطفى الكبير من الرئيس عباس ودائرته رشحه ليكون في فبراير/ شباط 2022، عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسًا للدائرة الاقتصادية في منظمة التحرير الفلسطينية، بعد عقد المجلس المركزي الفلسطيني، الذي هو عضو فيه أيضًا، دورته الـ31 في رام الله. وفي يناير/ كانون الثاني 2024، تولى مصطفى منصب محافظ دولة فلسطين لدى صندوق النقد العربي.
ورغم مناصبه الرئيسية الأربعة الهامة في صندوق الاستثمار، ومنظمة التحرير، وديوان الرئاسة وصندوق النقد العربي، إلا أن مصطفى لا يعيش مع عائلته في الضفة الغربية المحتلة، ويتنقل بين رام الله والأردن حيث تستقر عائلته.
على النقيض من سابقه محمد اشتية الذي جاء من "فتح"، فإن مصطفى غير محسوب على أي فصيل سياسي، وهذا ليس مستغرباً، فطالما أحاط عباس نفسه بمستشارين ومقربين غير منتمين لأحزاب سياسية، أو ارتدوا على فصائلهم.
غير معروف في الشارع الفلسطيني
ورغم أن مصطفى يترأس واحداً من أهم الصناديق السيادية التي تقوم باستثمار أموال منظمة التحرير الفلسطينية، أي أموال الشعب الفلسطيني بحجم أصول منقولة وغير منقولة بلغت قيمتها عندما استلم الصندوق عام 2006 ملياراً وستمائة مليون دولار، ووصلت اليوم حسب موقع صندوق الاستثمار إلى نحو 960 مليون دولار، إلا أنه يكاد يكون غير معروف في الشارع الفلسطيني، ويتداول اسمه نخبة من أصحاب المال والأعمال فقط قبل تكليفه.
وهناك الكثير من الانتقادات التي تطاول إدارة الصندوق الذي تراجعت أرباحه وتآكلت أصوله بشكل مستمر في السنوات العشر الماضية، فرغم تجاوز أصوله ملياراً و200 مليون دولار، إلا أنّ أرباحه السنوية لا تتجاوز من 10 إلى 15 مليون دولار في السنة، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بحجم الأصول الكبيرة، الأمر الذي يبرره بعض الاقتصاديين بأن استثمارات الصندوق خاسرة في أغلبها.
في المقابل، يرد مقربون من الصندوق على ما سبق قائلين: "الأمر يعود إلى طبيعة الاستثمارات، حيث يدخل الصندوق في استثمارات مجدية تحتاج إلى بعض الوقت لتحقيق الأرباح، لكن سرعان ما يقوم ببيعها قبل تحقيق الأرباح المرجوّة، مثل ما حصل مع محطة الطاقة الشمسية في أريحا التي باعها الصندوق".
اقتصادي آخر مطلّع على استثمارات الصندوق قال لـ"العربي الجديد": "بعض استثمارات الصندوق تدخل في نطاق تقوية بعض القطاعات، وهذا الأمر له سلبياته التي تضعف الأصول، وإيجابيات مثل دعم الاقتصاد المقاوم أو اقتصاد الصمود، كدعم قطاع الزراعة في المناطق المصنفة (ج)، والتي لم تحقق أرباحاً".
لكن الغريب في الأمر أنه لا يوجد ما يثبت أن هذه الاستثمارات قد حققت منذ 2006 أي منذ تولي مصطفى الصندوق، نتائج على الأرض، في ظل استشراء الاستيطان، وتهجير الفلسطينيين المستمر، وعدم وجود أي ملامح لسيادة فلسطينية على مناطق "ج"، لذلك لا يمكن إثبات الأثر أو القيمة المضافة الوطنية لهذا الاستثمار على أرض الواقع.
ويصف أحد الاقتصاديين الأمر في حديث لـ"العربي الجديد" مفضلاً عدم ذكر اسمه، بالقول: "هناك تشوّه في محفظة الاستثمارات التي يملكها صندوق الاستثمار، الذي يدعي أنه يقود اقتصاداً مقاوماً، لكن النتيجة أدت لتآكل أصول محفظة الصندوق، دون أثر واضح على صمود الناس على الأرض".
وتابع: "أهم ما يُؤخذ على الصندوق هو عدم قدرته على حمل استثماراته السيادية 100%، كما هو الأمر في مطحنة الإسمنت في أريحا، والذي يُعتبر مشروعاً ذا بعد سيادي يجب أن تكون أغلبية الأسهم تابعة لجهة سيادية فلسطينية أي الصندوق، لكن الأخير يملك نصفها، فيما يملك النصف الآخر مستثمر يقول الصندوق إنه من فلسطينيي الداخل أي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948".
محمد مصطفى وقصة الرواتب الخيالية
إضافة لما سبق، فإن أحد أبرز استثمارات الصندوق يعتمد على شراء أراضي الدولة المسجلة باسم الخزينة العامة بأسعار زهيدة وفرزها وإعادة بيعها بأسعار عالية أو بناء مشاريع سكنية باهظة الثمن.
يأتي هذا في ظل الرواتب الخيالية للقائمين على الصندوق مقارنة بالوضع الاقتصادي وسلّم الرواتب الفلسطيني، فبحسب مصادر "العربي الجديد" يصل راتب مصطفى الذي لم يُفصح عنه في أي من بيانات الصندوق إلى نحو 40 ألف دولار مع النثريات شهرياً، أي ما يعادل أكثر من نصف مليون دولار سنوياً وفق تقديرات مراقبين، في حين يبلغ متوسط الرواتب في الضفة الغربية المحتلة 800 دولار.
ويُؤخذ أيضاً على مصطفى الذي يأتي "ضمان الوصول لمصادر المعلومة وحرية النشاط الإعلامي" ضمن كتاب تكليفه من الرئيس عباس، أن اجتماعات الهيئة العامة للصندوق تتم دون أي تغطية أو حضور صحافي.
وتنشر إدارة الصندوق تقريراً سنوياً متأخراً كل عام، فيه إجمالي الأرقام الرئيسية من موجودات وإيرادات ونفقات وصافي ربح، بينما الصحيح أن يتم نشر قيمة كل استثمار في المحفظة، معززاً بتقرير مالي لكل قطاع يستثمر فيه الصندوق من إيرادات واستثمارات وخسارة وربح وديون حتى يعلم المواطن إن كان هذا الاستثمار مجدياً أم لا وهذا ما لم يحدث، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول ما إذا كان هذا النهج غير الشفاف في نشر المعلومات سيصاحب مصطفى في عمله المقبل رئيساً للحكومة.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن انحدار هرم صافي الأرباح في السنوات العشر الأخيرة 2013 إلى 2022، لأكبر صندوق سيادي فلسطيني يثير سؤالاً حول أداء مصطفى الاقتصادي، وإمكانية نجاحه في قيادة حكومة الكفاءات المقبلة.