حكومة التنازلات

23 أكتوبر 2022
خرجت تظاهرات ضد "تحرير الشام" في الشمال السوري (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت التطورات الأخيرة في مناطق سيطرة "الجيش الوطني" المعارض، شمالي سورية، والتي تديرها الحكومة السورية المؤقتة، أن تلك الحكومة لم تكن بلا فعالية فحسب، وإنما مجرد هيكل كرتوني لا يقوى حتى على اتخاذ موقف. فهذه الحكومة قبلت بالعمل تحت إشراف "حكومة الإنقاذ" التابعة لزعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني، من دون أن يصدر عنها أدنى اعتراض على هذا الإشراف.

وعلى الرغم من أن الدور الشكلي الذي تقوم به الحكومة المؤقتة في مناطق سيطرة "الجيش الوطني" معروف، وأنها لا تمتلك الإمكانيات التي تستطيع من خلالها القيام بدورها كسلطة تنفيذية في المنطقة، وعلى الرغم من المبررات الموضوعية لعدم قدرتها على التحكّم بمعظم الوزارات الشكلية التي تديرها، إلا أن تلك الحكومة الشكلية محسوبةٌ جهةً تمثيليةً لقوى الثورة والمعارضة، وسلطةً تنفيذيةً تتبع للهيئة السياسية الممثلة لقوى الثورة والمعارضة. وبالتالي، فإن المطلوب منها على الأقل المحافظة على ثوابت الثورة وعدم التخلي عنها، ولو بالمواقف الكلامية.

إلا أن الحكومة المؤقتة لم تُصدر أي موقف يعارض دخول الهيئة إلى المناطق التي تديرها هي، بل وقفت على الحياد، معتبرة اقتتال الهيئة (المصنفة تنظيماً إرهابياً) مع فصائل المعارضة، التي تتبع لها، اقتتالاً داخلياً. ولم تكتف الحكومة المؤقتة بالوقوف على الحياد، فبعد فرض الهيئة اتفاق إذعان على فصائل المعارضة وعلى الحكومة المؤقتة، والذي اشترطت فيه أن يكون عمل الأخيرة تحت إشراف "حكومة الإنقاذ"، أصدرت الحكومة المؤقتة بياناً أوضحت فيه أنها لا تزال موجودة وتمارس عملها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، ما يعني قبولها ضمنياً بالاتفاق الذي فرضته الهيئة على المنطقة، وبالتالي قبولها بوصاية الجولاني على عملها.

كما أن الأسوأ في تنازلات الحكومة المؤقتة هو قبولها بعودة الفصيل الذي كان سبباً في الاقتتال وعودة الفصائل التي كانت طرفاً في معظم النزاعات البينية والأكثر انتهاكاً لحقوق المدنيين، للتحكّم بمنطقة عفرين. هذا الأمر يحوّل الحكومة المؤقتة إلى جسم أسوأ من مجرد جهة غير قادرة على إدارة المنطقة، وأداة تعمل بالتوجيهات التي غالباً لا تصب في مصلحة المدنيين الذين تدير شؤونهم.

هذه التطورات تنذر بعودة الانتهاكات بحق المدنيين أكثر من ذي قبل، وبالتالي عودة الاحتجاجات والفوضى الأمنية إلى المنطقة، التي يبدو أن هناك إصراراً على التحكّم بها من قبل فصائل تقوم بفرض الإتاوات وترهيب المواطنين، وأن غطاءها حكومة مؤقتة شكلية وقابلة لتقديم تنازلات حتى على حساب ثوابت الثورة السورية.

المساهمون