حقوقيون وناشطون يقيّمون عامين من عمر الانقلاب في تونس: انغلاق سياسي وتراجع كبير في الحريات
وصف حقوقيون وناشطون حصيلة سنتين من عمر الانقلاب في تونس بـ"الكارثية"، مؤكدين حدوث تراجع واضح على مستوى الحقوق والحريات، فضلاً عن حالة انغلاق سياسي.
وأكّد المسؤول عن الإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد مرور سنتين من أحداث 25 يوليو 2021، فإن الوضع السياسي والحقوقي والاجتماعي يسير في مسار سيئ بعيداً عن الشعارات التي رفعها الشعب التونسي في ثورة الحرية، وهناك حالة انغلاق سياسي".
وأكّد بن عمر أن "جلّ المؤشرات تشير إلى انحدار الوضع"، وأنهم رصدوا في المنتدى "في ظرف سنتين نحو 14731 تحركا اجتماعيا، وفي نفس الفترة هاجر نحو 51 ألف تونسي ضمن الهجرة السرية، دون احتساب من تم منعهم، إلى جانب تزايد الفوارق الاجتماعية وارتفاع الفقر، وتراجع جل الخدمات العمومية والصحية، وغياب المواد الأساسية".
وأوضح المتحدث ذاته أن "هناك حالة من الانغلاق على مستوى الحقوق والحريات مع الملاحقات الأمنية لكل من ينتقد مسار 25 يوليو، وهذا لم يستثن لا سياسيين ولا نقابيين ولا أمنيين ولا نشطاء حركات شبابية"، مؤكداً أن "عشرات النشطاء عرضة للقمع والإحالة على القضاء على خلفية مطالب اجتماعية مشروعة".
وأوضح بن عمر أن "هذا الوضع هو نتيجة الأزمة التي تمر بها الدولة والتنظيمات السياسية، ولكن تختلف المسؤوليات"، مبيناً أنهم كقوى مدنية "في موقع مقاومة ودفاع عن الحقوق، والمطلوب استرجاع هذه الحقوق، وهذا لن ينجح إلا بتضافر جهود القوى الشبابية والاجتماعية، والالتقاء حول نقاط مشتركة، منها الدفاع عن الديمقراطية والعمل على إصلاحات دستورية خلال المرحلة القادمة، وإلغاء القوانين الزجرية".
أزمة متعددة الأبعاد
من جانبه، قال مدير مكتب "محامون بلا حدود" في تونس، رامي الخويلي، لـ"العربي الجديد"، إن "منظمات المجتمع المدني بصدد التقييم المشترك للوضع الحقوقي والاجتماعي والاقتصادي في تونس، حيث يوجد اتفاق من أغلب الفاعلين السياسيين ومكونات المجتمع المدني على الأزمة التي نعيشها، وهي أزمة متعددة الأبعاد والأوجه"، مؤكّداً أن "الوضع الاجتماعي منحدر وفي تراجع كبير، والوضع الاقتصادي دقيق، والعديد من المعارضين اليوم في السجون لمجرد تعبيرهم عن آرائهم".
وأوضح الخويلي أن "جلّ القوانين تم سنها بمراسيم من قبل رئيس الجمهورية، ونتائجها واضحة على أرض الواقع. فإلى جانب تراجع الحقوق والحريات، طُرحت أزمة الهجرة في ظل خطاب عنصري من أعلى هرم في السلطة، وولّد أزمة غير مسبوقة، والعديد من المهاجرين اليوم في وضعية حرجة".
وأضاف: "الحل يكمن في تجميع الطيف الديمقراطي بكل مكوناته، وكل فرد يؤمن بتونس حرة ديمقراطية يدار فيها الاختلاف بالنقاش وليس بالعنف مدعو لطرح بديل، فقد كان هناك اختلاف في تقييم المرحلة، ولكن هناك اليوم بعد مضي سنتين من الانقلاب قناعة تامة بأن الوضع لا يمكن أن يستمر".
من جهتها، قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "خلال عامين من الانقلاب، سُجلت تراجعات كبيرة على مستوى حقوق النساء وحضورهن في مواقع القرار، ونحن نذكّر بأن هناك أضعف نسبة وجود برلماني للمرأة في هذا البرلمان الجديد، وهناك تراجع عن آلية التناصف، ولم يعد متاحا طرح النقاش بشأن تحقيق مكاسب جديدة للمرأة".
وبينت الزغلامي أنه "لا بد من برنامج مجتمعي حداثي يستوعب حقوق النساء ويمنحهن مزيداً من المكتسبات، لأن الحركة النسوية والحقوقية والديمقراطية ناضلت طيلة سنوات من أجل تحقيق عدة مكتسبات، ولكن من 2019 (أي منذ تاريخ صعود قيس سعيد للحكم)، لم تسجل أي مكاسب جديدة، لا في الحقوق ولا في الحريات، ولا بد من مخرج لذلك، لأن الأوضاع لا يمكن أن تستمر على هذا الشكل".
وأضافت المتحدثة أن "السؤال المطروح اليوم هو تونس إلى أين؟ ونحن لم نعد بحاجة لتشخيص الأوضاع، ولا بد من إجابات والتحشيد للتأثير في المشهد السياسي"، مشيرة إلى أن "النضال يجب أن يكون للدفاع عن الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية".
وأوضحت أنهم "كمجتمع مدني نعمل بالتنسيق مع عدة منظمات أخرى، كالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، لوضع خارطة طريق تضع تصورا لتونس الجمهورية والعدالة الاجتماعية والمساواة". وأضافت "اليوم السلطة السياسية تحتقر المجتمع المدني، ولكن نذكّر الرئيس قيس سعيد بأنه كان احتمى بهذه المنظمات في 26 يوليو 2021 لأنه يعرف قيمتها، ودورها المؤثر".
النضال السلمي
ويرى أستاذ علم الاجتماع والناشط بالمجتمع المدني، ماهر حنين، أن هناك "شبه اتفاق على أن جل الوعود المعلنة منذ 25 يوليو 2021 لم يتحقق منها أي شيء، بل هناك تراجع كبير للحقوق"، مبيناً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هناك "حالة اضطراب كبيرة في صفوف جل القوى، والمناخ العام سلبي".
وتابع حنين أنه "رغم كل الصعوبات والتراجع الحاصل عن عدة مكاسب، فإن المجتمع المدني يريد أن يقف وقفة شجاعة لتقييم الوضع والعودة إلى المسار الصحيح وإلى الحقوق والحريات، وإلى الشرعية الانتخابية".
وأضاف أستاذ علم الاجتماع التونسي: "حتى إن لم تسمع السلطة صوت المجتمع المدني، فإن الضغط سيتواصل إلى أن تسمع، فلا حل سوى التعايش السلمي بعيداً عن أي حرب كلامية، والنضال السلمي هو الخيار الوحيد للدفاع عن الحقوق وقيم الثورة، ومن المنتظر بعد انتهاء العطلة الصيفية والانتهاء من الاجتماعات والمشاورات بين عدة فاعلين أن يتم تقديم تصورات ومقترحات جديدة للتحركات الميدانية وقراءة موازين القوى".