حضور تركيا يتعاظم في سورية

31 ديسمبر 2024
الشرع وفيدان في دمشق، 22 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد سقوط نظام بشار الأسد، شهدت دمشق تحركات تركية بارزة، حيث زار مسؤولون أتراك العاصمة وأعلنوا استئناف العمل في السفارة التركية، مع تأكيد الرئيس أردوغان على دعم الشعب السوري وحماية وحدة الأراضي.

- تسعى تركيا لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا، مع خطط لدراسة البنية التحتية للطاقة وترسيم الحدود البحرية، مما أثار اعتراض اليونان. تركز التحركات على دعم الإدارة السورية الجديدة ورفع العقوبات الدولية.

- تثير التحركات التركية قلقًا عربيًا من توسع نفوذ أنقرة، مع زيارات عربية لدمشق للحد من النفوذ التركي. تعتمد تركيا على القوة الناعمة وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية، وسط مخاوف من ترسيم الحدود البحرية.

منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، برز اندفاع تركي واسع النطاق تجاه دمشق. وسجلت زيارات متلاحقة لكبار المسؤولين الأتراك، وسط تصريحات تؤكد دعم أنقرة الكامل للسلطة الجديدة في سورية أقرب ما تكون إلى تبنيها ورغبتها في أن يكون لها دور مؤثر في تشكيل العديد من هيئات السلطة الجديدة. وكان رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم قالن أول الواصلين إلى دمشق، ثم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان. كما أعلن فيدان في 14 من الشهر الحالي، استئناف العمل في سفارة بلاده في دمشق بعد توقف استمر نحو 12 عاماً. وسبقت زيارة قالن وفيدان دمشق وصول وزراء خارجية عرب في تأكيد على النفوذ الكبير الذي باتت تتمتع به أنقرة في سورية.

لكن وعلى الرغم من أن تركيا وقفت إلى جانب السوريين في ثورتهم منذ العام 2011، فإن ذلك لا يلغي وجود قلق لدى قطاع واسع من السوريين من اتساع النفوذ التركي في بلادهم على حساب المصالح السورية. كذلك هناك قلق عربي من توسع نفوذ تركيا في سورية بشكل يتخطى ذلك العربي، بما يؤثر على مصالحهم. وكرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطاب في أنقرة أخيراً، تأكيد دعم بلاده للشعب السوري، وأنه "عاجلاً أم آجلاً ستنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في سورية مستغلة الأوضاع، وستكون مجبرة على ذلك"، معتبراً أن "السبب وراء العدوان الإسرائيلي المتزايد هو التعتيم على الثورة في سورية وخنق آمال شعبها". وشدد أردوغان على أن تركيا لن تحيد عن حماية سلامة أراضي سورية ووحدتها تحت أي شرط كان. وأكد عزم بلاده على مواصلة تنفيذ عمليات عسكرية "دقيقة" ضد "الإرهابيين" في سورية، مطالباً تنظيم حزب العمال الكردستاني، وأذرعه بحل أنفسهم "أو ستتم تصفيتهم". وشدد على أن تركيا وقطر ستدعمان جهود سورية في تضميد جراحها والوقوف على قدميها من جديد، موضحاً أن "تركيا في حالة حوار وثيق مع قائد الثورة السورية أحمد الشرع"، ومشيراً، في هذا السياق، إلى زيارة قالن وفيدان إلى دمشق وتفعيل عمل السفارة التركية هناك بسرعة. كما أعلن أردوغان، في تصريح صحافي الأربعاء الماضي، أنه سيتم إعادة فتح القنصلية التركية في حلب، التي ظلت مغلقة بسبب الحرب السورية.

وفود اقتصادية تركية إلى دمشق

استبعد فراس رضوان أوغلو قيام تركيا باتباع سياسة الإقصاء في سورية

وأعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، في تصريح للصحافيين الأسبوع الماضي، أن وفداً من الوزارة سيتوجه إلى سورية قريباً للنظر في البنية التحتية للكهرباء والطاقة. ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء الثلاثاء الماضي عن وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، قوله إن بلاده تعتزم بدء مفاوضات مع سورية لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، معتبراً أن مثل هذه الصفقة ستسمح للبلدين "بزيادة منطقة نفوذهما" في استكشاف الطاقة. وأوضح أن أي اتفاق في المستقبل سيكون متوافقاً مع القانون الدولي.

وعارضت اليونان، في بيان أصدرته في 15 الشهر الحالي، اعتزام تركيا إبرام اتفاق بحري مع سورية، ووصفت الحكومة السورية بأنها "سلطة انتقالية" غير قادرة على توقيع اتفاقيات صحيحة من الناحية القانونية، بحسب ما أوردته صحيفة "إيكاتيميريني" اليونانية. وقالت مصادر دبلوماسية يونانية للصحيفة، إن "الوضع في سورية انتقالي، ولا يضفي الشرعية على مثل هذه الاتفاقيات"، مضيفة: "نراقب التطورات عن كثب، وإننا على اتصال دائم مع قبرص والدول المجاورة والاتحاد الأوروبي". وحذر مسؤولون يونانيون، بحسب وكالة أسوشييتد برس، من أن الاتفاق قد يقوض الحقوق السيادية لبلادهم، ويشكل سابقة تتحدى الحقوق البحرية لجزر مثل كريت وقبرص. يشار إلى أن اتفاقاً بحرياً تم توقيعه بين تركيا وليبيا في العام 2019، كان قد أدى إلى تصعيد التوترات بين تركيا واليونان، بشأن استكشاف الطاقة في البحر المتوسط.

ووقفت تركيا إلى جانب السوريين في ثورتهم ضد نظام الأسد منذ العام 2011، واستضافت ملايين اللاجئين السوريين على أراضيها، ووفرت غطاء سياسياً للمعارضة ودعماً عسكرياً للفصائل التي أسقطت النظام أخيراً في يوم عُدّ نهاية للنفوذ الإيراني وبدء انحسار النفوذ الروسي في سورية، وبداية النفوذ التركي. وكان الشمال السوري وحده مجال أنقرة الحيوي في سورية لعدة سنوات، إلا أن التغيير الذي حدث في الثامن من الشهر الحالي فتح الأبواب السورية الواسعة أمام نفوذ تركيا على مختلف الصعد وهو ما يطرح علامات استفهام حول حدوده. لكن أوساطاً دبلوماسية تركية، تواصلت معها "العربي الجديد"، وضعت الزيارات الرفيعة للمسؤولين الأتراك في سياق رسائل قوية موجهة للمنطقة والعالم بضرورة دعم الإدارة الجديدة ومنحها فرصة للقيام بمهامها والإسراع قدر الإمكان بتنفيذ الانتقال السياسي ما يساهم في رفع العقوبات الدولية وبدء مرحلة إعادة الإعمار. وبحسب الأوساط نفسها، فإن هناك قراراً سياسياً تركياً بتقديم كل أنواع الدعم للإدارة الجديدة على كافة المستويات. وأشارت إلى أن المؤسسات التركية تريد العمل في سورية وهو ما يستدعي إنهاء ملف العقوبات الاقتصادية.

قلق عربي من نفوذ تركيا في سورية

ورأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القلق العربي من النفوذ التركي في سورية ربما يظهر "في حال حاولت أنقرة اتباع سياسة الإقصاء للآخرين في سورية"، مضيفاً: أستبعد هذا الأمر لأنه لا يحقق مصالح تركيا. وأشار إلى أن أنقرة "تنسق مع دول عربية حول سورية"، مضيفاً: العرب ليسوا متساوين في المصالح في سورية. هناك دول عربية لها تأثير حقيقي مثل السعودية، بينما الجزائر على سبيل المثال ليس لها فعالية في الملف السوري. ستكون هناك تشاركية تركية عربية في سورية وهو ما صرّح به فيدان.

وجاءت دولة قطر في صدارة الدول العربية التي أكدت استمرار وقوفها إلى جانب السوريين، حيث زار وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي العاصمة السورية دمشق في 23 الشهر الحالي، والتقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع. وقال الخليفي إنه بحث مع الشرع خطوات المرحلة الانتقالية، مؤكداً أن موقف دولة قطر ثابت في الوقوف إلى جانب سورية وشعبها، وأن الشعب السوري سيد قراره ولن يتعرض للوصاية من أحد. وزار دمشق  وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ووفود ذات طابع أمني من السعودية والبحرين والعراق، في خطوة كما يبدو هدفها الوقوف على توجه السلطة الجديدة التي ستكون مطالبة عربياً بالحد من نفوذ تركيا في سورية قبل تحقيق انفتاح عربي واسع، وخاصة لجهة إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الكفيلة بتحسين وضع الاقتصاد السوري. واكتفى الجانب الإماراتي باتصال هاتفي من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان، مع وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية أسعد حسن الشيباني، بينما لا تزال مصر مترددة في فتح قنوات اتصال مع السلطة الجديدة في دمشق، وهو ما يعكس قلق القاهرة من التغيير العميق الذي حدث في سورية، ما يفسّر عدم رفع العلم السوري الجديد حتى الثلاثاء الماضي فوق السفارة السورية في العاصمة المصرية.

أحمد القربي: أنقرة ستعتمد على القوة الناعمة لترسيخ نفوذها في سورية

وأعرب السفير السوري السابق في السويد بسام العمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن هناك توجساً عربياً من أن تصبح سورية تابعة لتركيا، أو تخرج من دائرة العلاقات العربية لصالح دول أخرى. وأشار إلى أن هذا الأمر "مرتبط بتوجس بعض الدول العربية والغربية تجاه أي حكم إسلامي"، مضيفاً: لحسن الحظ هذه المرة لم يتمكن أحد من التدخل ضد الثوار السوريين الذين فاجأوا العالم بإنهاء حكم العصابة الأسدية. وتابع أن بعض الأطراف كانت تريد التحول من سلطة الأسد لحكم ضعيف مهلهل ومشتت كالعراق ولبنان، بذريعة الأقليات والطائفية. ورأى أن الجانب الأميركي لا يرغب بنجاح العهد الجديد اقتصادياً "والدليل أن واشنطن لم ترفع العقوبات التي فرضتها على سورية إبان (عهد) الأسد المخلوع"، مضيفاً: هذه العقوبات ستكون مانعاً أمام الاستثمارات التي تحتاجها سورية لبناء اقتصادها المنهار.

تركيا ستعتمد على القوة الناعمة في سورية

وفي السياق، رأى الباحث السياسي أحمد القربي أن كل الدول في العالم تسعى لمد نفوذها "سواء بالقوة الخشنة أو الناعمة"، مضيفاً أن الوجود التركي العسكري في سورية مؤقت، ومن ثم ستعتمد أنقرة على القوة الناعمة في ترسيخ نفوذها، وأعتقد أنه سيكون لتركيا دور كبير في إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية في سورية وتسليحها، وخاصة أن انقرة لعبت دوراً كبيراً في إسقاط نظام الأسد". وأشار القربي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن حدوداً مشتركة تجمع تركيا وسورية تصل إلى أكثر من 900 كيلومتر فضلاً عن الروابط الاجتماعية والدينية، مذكراً أنه في تركيا نحو 4 ملايين سوري أغلبهم تأثر بالثقافة التركية، ما يرجح تعزيز نفوذ تركيا في سورية. وتابع: في الجانب الاقتصادي، المرشح الأول لاستلام إعادة الإعمار في سورية هي الشركات التركية وهو أمر طبيعي بحكم القرب الجغرافي، فضلاً عن القدرة التي أثبتتها هذه الشركات في الإنشاءات وهو ما يعطي النفوذ التركي قيمة مضافة في سورية. وأعرب عن اعتقاده بأنه "لا يروق للكثيرين في المنطقة نهوض دولة قوية قادرة وقرارها بيد شعبها في سورية، لأنها ستكون نموذجاً يهدد بعض الدول في الإقليم، ومنها إسرائيل ودول عربية".

في المقابل، تبرز مخاوف لدى قطاع واسع من السوريين من اتساع نطاق النفوذ التركي في بلادهم، وخاصة أن أنقرة بدأت سريعاً الحديث عن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ما يعزز المخاوف من محاولات الأتراك ترسيخ نفوذهم على حساب المصالح السورية. ورأى المحلل السياسي مضر الدبس، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من المبكر جداً الحديث عن أي نوع من ترسيم الحدود"، مشيراً إلى أن "هذا الأمر يتعلق بالقرار السيادي الذي لم يتبلور في سورية"، مستغرباً الحديث التركي عن هذا الموضوع في الوقت الراهن. وقال: المسألة السياسية السورية، مصلحة استراتيجية لدول الجوار جميعها، وبهذا المعنى يتوقع السوريون من الأصدقاء، الذين لديهم مصلحة استراتيجية في بناء الدولة السورية الجديدة على أنقاض النظام البائد، أن يتيحوا لهم الوقت الكافي لإعادة بناء هذه السيادة، ومن ثم التفكير فعلاً في العلاقات التي تخدم المنطقة وشعوبها بمن فيهم الأتراك.

المساهمون