- الدعم الأمريكي والدولي لإسرائيل، خاصة في تطوير الدفاعات ضد الصواريخ والمسيرات الإيرانية، يلعب دورًا محوريًا في تعزيز أمن إسرائيل.
- الضغوط الداخلية والخارجية على نتنياهو تزيد من تعقيد القرار بشأن الرد على إيران، مع الحاجة لتجنب تصعيد قد يؤدي لحرب إقليمية.
الرد الإسرائيلي قد يدفع نحو حرب إقليمية شاملة
تضارب مصالح واضح يواجهه نتنياهو مع تعقّد المشهد عقب الرد الإيراني
رغبة أميركية في احتواء الأوضاع وتفادي الانزلاق إلى حرب شاملة
على الرغم من تناقل تصريحات مسؤولين إسرائيليين بأن رد دولة الاحتلال على الهجوم الإيراني "آتٍ لا محالة وسيكون قوياً"، إلا أن الحسابات الإسرائيلية، منها العسكرية والسياسية والإقليمية، وأخرى متعلّقة بمطالب الولايات المتّحدة الأميركية، وحتى بحسابات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الشخصية، قد تدفع دولة الاحتلال إلى التأني ودراسة الرد المحتمل.
وأثبتت الليلة الماضية، بحسب العديد من المحللين الإسرائيليين، حاجة إسرائيل الكبيرة للولايات المتحدة، التي دعمتها في تطوير منظومتها الدفاعية، فضلاً عن دورها في إسقاط الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، والتشديد على "التزامها أمن إسرائيل"، فيما تنظر تل أبيب إلى الصورة الأوسع بمشاركة جهات دولية وإقليمية في الدفاع عنها، الأمر الذي قد يدخل في حسابات الرد المحتمل.
وأعادت اللية الماضية إلى الأذهان الصواريخ العراقية إبان حرب الخليج 1991، لكن بينما تمكنت تلك الصواريخ من إصابة عدة أهداف ومواقع إسرائيلية، فقد أسقطت إسرائيل وحلفاؤها هذه المرة أكثر من 99% من الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، وفق الإعلان الإسرائيلي، ما دفعها إلى التباهي بهذا "الإنجاز" الدفاعي الكبير. ومن شأن ذات "الإنجازات" وعوامل أخرى تعقيد الحسابات الإسرائيلية بشأن الأولويات.
لحظة نادرة
في صحيفة هآرتس، كتب المحلل العسكري عاموس هارئيل، أن الهجوم الإيراني الواسع على إسرائيل من خلال المسيّرات والصواريخ "انتهى فجر الأحد بضرر محدود جداً، وذلك بسبب القدرات العملياتية الكبيرة لسلاح الجو الإسرائيلي بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول صديقة أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا". واعتبر أن إسرائيل "تمتّعت بلحظة نادرة من الدعم الدولي الجارف، في حين يمارس الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطاً كبيرة على نتنياهو من أجل الامتناع عن توجيه ضربة جوية في إيران".
هارئيل: إسرائيل تمتعت بلحظة نادرة من الدعم الدولي الجارف
ولفت هارئيل إلى أن الرد الإسرائيلي قد يدخل حزب الله اللبناني في حرب واسعة، تقرّب مختلف الجهات إلى حرب إقليمية شاملة. وأضاف أن الكثير من المؤشرات دلّت على أن إيران ستردّ من أراضيها هذه المرة، وضمن ذلك تصريحاتها العلنية، مشيراً في ذات الوقت إلى أن الإدارة الأميركية بتنسيق مع إسرائيل عملت على إقامة نظام دفاعي مضاد للصواريخ والطائرات المسيّرة، بالتعاون مع دول أوروبية ودول عربية، نُشرت في المنطقة، فيما قدّمت إسرائيل قدرات متطورة جداً للكشف عن هذه المسيَّرات واعتراضها من خلال المنظومات الدفاعية متعددة الطبقات. واعتبر المحلل العسكري أن ما حققته إسرائيل "كان إنجازاً كبيراً بالتعاون مع أصدقائها، وأن هناك خيبة أمل لدى طهران من النتائج العملياتية".
ما الذي يريده نتنياهو؟
يعتقد هارئيل أن إسرائيل ستجد صعوبة في الانتقال إلى جدول أعمالها العادي، بعد محاولة مكثفة إلى هذا الحد بمهاجمتها، مشيراً إلى أن بايدن يدفع نتنياهو إلى الاكتفاء بـ"الانتصار الذي حققه" من خلال النجاح الدفاعي الكبير. وافترض الكاتب أن "بايدن يشتبه في أن نتنياهو يحاول جرّه إلى ضرب إيران، وفي ذلك تحقيق حلمه الممتد منذ سنوات، بأن يقضي الأميركيون بدلاً من الإسرائيليين على المشروع النووي الإيراني، لكن يبدو أن الرئيس الأميركي سيبذل مجهوداً كبيراً لتفادي سيناريو من هذا النوع".
ويرى المحلل العسكري أنه "رغم وجود مبررات لدى إسرائيل لمهاجمة إيران، عليها أن تأخذ بالاعتبار النتائج المترتبة عن ذلك، وأن هجوماً إسرائيلياً مكثفاً على الأراضي الإيرانية يمكن أن يطلق يدي حزب الله"، مشيراً إلى المخاطر على إسرائيل من جهة لبنان بسبب ترسانة السلاح الكبيرة التي لدى الحزب، والتي يمكن أن تشل المنطقة الشمالية وتصل إلى مناطق أبعد.
وفيما يعتقد مسؤولون في المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت) أن رد إيران فرصة من أجل حرب إقليمية واسعة، إلا أن مسؤولين آخرين في المؤسسة الأمنية أكثر حذراً، فيما يبقى السؤال الأساسي برأي الكاتب هو: "ما الذي يريده نتنياهو؟".
تضارب مصالح
من جانبه، اعتبر الصحافي والمعلّق بن كسبيت، في صحيفة "معاريف"، أن الهجوم الإيراني عزز تضارب المصالح لدى نتنياهو، مضيفاً أن "مصلحة الأخير في إطالة أمد الحرب (في غزة) بقدر المستطاع تصطدم الآن مع باقة من المصالح الاستراتيجية الأخرى"، وأكد أن الليلة الماضية "هي مزيج بالنسبة إلى إسرائيل بين الهزيمة والنصر، والرعب والفخر، والظلام والنور"، معتبراً أن إسرائيل تلقّت "إهانة علنية ثقيلة وغير مسبوقة"، حيث كان هناك ردع إسرائيلي منع إيران من مهاجمة إسرائيل مباشرة (طوال سنوات ماضية)، إلا أن ذلك تداعى الآن، إضافة إلى جهود الردع الدولي المشترك في الأيام الأخيرة، مضيفاً أن "الإيرانيين تخلّوا عن الخوف، وباتت إيران تواجه إسرائيل على نحو واضح وليس من خلال وكلائها".
لكن، من جانب آخر، يرى بن كسبيت أن إسرائيل تمكنت من "صد وإحباط الهجوم الواسع وإبداء قدرات رائعة وتعاون مع عدة دول". وأشار إلى أن بايدن "حاول إنزال نتنياهو عن شجرة الرد السريع والصعب، ويبدو أنه نجح على الأقل حتى الآن، وبقيت محاولة تخيّل ما الذي يدور في رأس نتنياهو وآلة بثّ السموم الخاصة به، في حين أن حقيقة إعادة فتح مطار بن غوريون (في تل أبيب) صباح اليوم ترمز إلى أن احتمال الرد الإسرائيلي الفوري، الذي دعا إليه جميع المقربين من نتنياهو أمس، ليس مرتفعاً". كذلك ذكر بأنه لا تزال أمام نتنياهو مهمة اجتياح رفح، وهو الذي صرّح بوجود موعد لذلك، و"عليه فإن الحاجة لتلقين الإيرانيين درساً صعباً وجباية ثمن كبير منهم يواجه الآن واقعاً معقداً".
وتساءل الكاتب عمّا إن كان بإمكان نتنياهو الآن أن يعصي مطالب بايدن، الذي أكد متانة التزامه "أمن إسرائيل"، كما تساءل "إن كان نتنياهو مستعداً الآن للمخاطرة ورفع الرهان إلى مستوى حرب شاملة في الشرق الأوسط، لن يخرج أي طرف منها دون أضرار بالغة في الوقت الراهن". وكرر الكاتب وجود تضارب مصالح واضح يواجهه نتنياهو الآن، تعزز بعد الرد الإيراني، وأن "مصلحته في إطالة أمد الحرب بقدر المستطاع يصطدم الآن بمصالح استراتيجية أخرى، دون الحديث بعد عن السيف المسلّط عليه من قبل الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ومحاولتهما دفعه إلى رد قوي وفوري".
وخلص إلى أن نتنياهو عالق بحسابات من أنواع مختلفة، بعضها سياسية وشخصية، ومن الصعب توقّع كيف سيخرج نفسه منها، مضيفاً أن الليلة الماضية "شملت فرصة تاريخية لن تتكرر، والسؤال إن كان نتنياهو سيدرك أخيراً أن التطبيع مع السعودية واستكمال التحالف الإقليمي أهم من الانشغال بدور السلطة الفلسطينية في "اليوم التالي" في قطاع غزة، وإن كان سيختار أخيراً مصلحة دولة إسرائيل ويغلّبها على مصالحه السياسية والشخصية"، وفق تقديره.
تغيير المعادلة
وفي موقف مغاير، كتب المعلّق الإسرائيلي بن درور يميني، في "يديعوت أحرونوت"، أنه "آن الأوان لتغيير المعادلة"، معتبراً أن إيران تشكل تهديداً على إسرائيل وتسعى لتدميرها. ويرى أن إيران تطوّق إسرائيل من الجنوب من خلال الحوثيين، ومن الشمال من خلال حزب الله، ومن الشرق من خلال تهريب الأسلحة إلى الفلسطينيين، وأن حماس لم تكن لتنفّذ عمليتها "طوفان الأقصى" دون دعم إيراني، بحسب قوله.
وأشار إلى أن حزب الله سبّب في الأشهر الأخيرة أضراراً بالمليارات لإسرائيل، كذلك "حوّل عشرات آلاف الإسرائيليين إلى لاجئين"، واعتبر أنه "يجب عدم الانتظار حتى تصبح إيران نووية، ويجب توجيه ضربه لها، وربما حان الوقت لتغيير المعادلة"، و"بدل أن تكون إسرائيل خائفة فإن إيران هي التي يجب أن تكون كذلك".
وأكد المعلّق الإسرائيلي أنه "آن الأوان للتوضيح أنه حتى لو كان من الصعب توجيه ضربة للمرافق النووية، يمكن إسقاط ضربة صعبة على الاقتصاد الإيراني من خلال استهداف حقول النفط الإيرانية على سبيل المثال"، معتبراً أن "التهديد الذي لم تتعامل معه إسرائيل قبل عقد من الزمان، يصبح أصعب وأكثر خطورة".