حروب سرية
مواقع الأخبار في عدد من الدول الغربية، بما فيها ألمانيا وبريطانيا ودول إسكندنافيا، باتت تهتم إلى حد بعيد بما يقوله الكاتب الألماني المتخصص في الشأن الروسي، بوريس رايتشوستر، عن الخطر الروسي في بناء جيش وحروب سرية في مدن الغرب الكبرى. وإن كان لألمانيا النصيب الأكبر في تركيز بوتين، إلا أن دولاً أخرى، كالبلطيق، لها أيضاً نصيب من عمليات بوتين السرية.
ووفقاً لهذه التسريبات عن "جيش موسكو السري" في الغرب، وتحديداً في ألمانيا، فإن الخطورة تكمن في كون هؤلاء الرجال الذين يجري زرعهم كخلايا نائمة، هم من رجال شرطة وجنود سابقين، بالإضافة إلى وحدات سابقة من قوات مكافحة الإرهاب.
يعترف متخصصون في الشأن الروسي الأمني في دول الشمال، لـ"العربي الجديد"، بأن "الأمر جدي ومعروف للأجهزة الأمنية والمستوى السياسي. فبينما تتركز الأنظار على سورية وأوكرانيا، ثمة تحركات تمتد من دول البلطيق، مخترقةً دول شرق وغرب أوروبا". وعن الهدف من هذه البنية التي يعمل الكرملين عليها، يؤمن هؤلاء بما كشفه بوريس رايتشوستر، بأنه "يسبقها حرب بروباغندا عنيفة يستعين فيها بوتين برجال "كي جي بي" سابقين. فعلى الرغم من تلقي العملاء لتدريبات عسكرية إلا أنهم أيضاً يهدفون إلى عملية تخريب الاستقرار الأوروبي من خلال إشاعة أخبار غير صادقة وكاذبة من ألفها إلى يائها، مثل تعرض طفلة من أصل روسي لعملية اغتصاب في ألمانيا بعد الكشف عما جرى في كولون الألمانية".
يقول الخبير الأمني كارستن مولر، من "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، لصحيفة دنماركية: "الروس مصابون برهاب كامل من تهديد غربي، ولهذا ينظرون بشكل جدي إلى تعارض مصالحهم مع الغرب". إلى جانب مولر، يذهب أيضاً كلاوس ماثياسن من "أكاديمية الدفاع" إلى التصديق على ما يجري بالقول "مسألة زرع خلايا نائمة حالة تعود إلى أيام الحرب الباردة".
جيش من متطرفي اليمين واليسار
ربما يكون مفاجئاً للبعض أن روسيا، التي تتهم قادة حركة الاستقلال الأوكرانية بالفاشية، تجد في قوى التطرف اليمينية واليسارية على حد سواء أحد أهم الحلفاء في الغرب. وتكشف مصادر لـ"العربي الجديد" أن "بوتين، وبالتحديد موالون له في صربيا ودول غربية من اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، يشكّلون أهم خزان بشري في تلك العملية المستمرة منذ سنوات طويلة".
الأمر يعزز مصداقيته تصريح آخر لكلاوس ماثياسن من "أكاديمية الدفاع"، الذي يعتبر أنه "في هذه الأوقات لا بد من الانتباه إلى أن الحرب الإلكترونية الدعائية تستخدم وسائل عسكرية ودبلوماسية واقتصادية وسياسية ومن خلال تقنيات المعلومات". ويقوم جهاز الاستخبارات الروسي (GRU) بدور كبير في تجنيد أشخاص من اليمين واليسار، والتركيز أحياناً على متحدثي الروسية. كما يعقد بوتين لقاءات واجتماعات مع ما يسمى "الأقلية الروسية الألمانية في سان بطرسبورغ".
طيلة العام الماضي، وحتى الأشهر الثلاثة الماضية من العام 2016، كان يجري التركيز والتحذير مما تقدم عليه موسكو من محاولات التأثير على الاستقرار الغربي وتماسك العمل المشترك. تحذيرات ربطت أحياناً بين توجهات بوتين في تعميق علاقاته بما يسمى "مجموعات ذئاب الليل" الصربية المتطرفة، وغيرها من العصابات المنتشرة في ألمانيا وأخرى من الدول الأوروبية. وقامت صحيفة "بيلد" الألمانية بتفصيل تلك المجموعات التي يجري تجنيدها وبعلم مباشر من بوتين، وهي من أقصى اليمين واليسار.
وتقول صحافية دنماركية يسارية، رفضت ذكر اسمها، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الأمر أعمق مما ذكره بوريس رايتشوستر وساسة وأمنيون غربيون، فدول اسكندنافيا وألمانيا، على دراية بتهديدات كبيرة تُوجَّه بطريقة غير دبلوماسية وغير لائقة من قبل موسكو، ونحن نعارضها ولا نقبل بهذه الطريقة التي تنتمي لعالم العصابات ولفترة الحرب الباردة".
فيما يرى آخرون أن الخطر الأكبر، عدا عن ذلك الذي عرفت موسكو اللعب عليه في مسألة تدفق اللاجئين، هو عملية تخريب دؤوبة يجري تجريبها والتدريب عليها، "ففي حالة اندلاع أي نزاع ساخن بين الغرب وروسيا، سيحرك بوتين عبر أذرعه تلك الشبكات". ويشبّه آخرون "جيش بوتين السري في الغرب" بما كان يُطلق عليهم أثناء الحروب "المخرّبون خلف خطوط العدو".
"حروب بوتين السرية" بالنسبة للبعض فيها تضخيم كبير لقوة وقدرة موسكو على "التأثير النفسي على حياة الغربيين"، بينما يشير آخرون، ومنهم خبراء، إلى أن "الإحباط الروسي يمكن أن يندفع إلى أكثر من ذلك في عالم تتخبط فيه سياسات أوروبا الغربية وانقساماتها التي يستفيد منها الروس". بعض الأطراف لا تشكك كثيراً بما جاء حول تلك المجموعات السرية التي تدرّبها موسكو على كل أشكال الحروب، لكنها في الوقت نفسه تقول إنه "من الصعب على موسكو أن تضاهي ما يقوم الغربيون، وإلا لما كان هناك كشف لشبكات كثيرة من قبل أجهزة الاستخبارات المتعددة وتعاونها أكثر من تعاون الشرطة العادية". لكن، ليس هناك من شك بأن قلقاً يسري في المجتمعات الأوروبية، وغيرها في دول جنوب القارة المجاورة لأوروبا، من "عمليات موسكو القذرة"، كما تقول صحافية متابعة لخطط موسكو منذ العام 2011 على الأقل.