حرب غزة تفاقم متاعب بايدن الانتخابية والخارجية

20 نوفمبر 2023
رصيد بايدن في السياسة الخارجية هبط إلى حدود 33% (براندن سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، السبت، مقالة للرئيس جو بايدن يؤكد فيها عدم التراجع في المواجهة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحركة "حماس". كلامه موجه أساساً إلى الطرف الثاني. وفيه كرّر سرديته بخصوص الاجتياح الإسرائيلي، مع استبعاد وقف إطلاق النار، ووعد مكرّر، وطبعاً غير ملزم، بدولة فلسطينية.

وجاءت كلمته المكتوبة، والرئيس نادراً ما يكتب في الصحف، بدافعين: الأول، احتواء آثار أزمة حركت حساسيات وكوامن فئوية وعنصرية ودينية أميركية، وتسببت باحتكاكات وانتقامات مدفوعة بالكراهية، ومرشحة للتفاعل لو بقيت حرب غزة على سخونتها وفظائعها الإنسانية. الثاني، كان لاحتواء مردوداتها السلبية على وضعه الانتخابي. عادة دعم إسرائيل يخدم المرشح الرئاسي، أو أقله لا يؤذيه. لكن ليس مع بايدن، المعطوبة حملته الانتخابية أصلاً لأسباب عدة، يتقدمها كبر سنّه. والآن جاءت حرب غزة لتفاقم متاعبه المحلية والخارجية.

ففي استطلاع لشبكة "إن بي سي" كشفت عن نتائجه أمس الأحد، تبيّن أن رصيده في السياسة الخارجية هبط إلى حدود 33%، كما أظهر أن 56% من الأميركيين ضد الحرب، و38% يرون أن الدعم الأميركي لإسرائيل مبالغ فيه، وذلك بزيادة 12% عن الأسبوعين الماضيين، وبما خفّض المؤيدين لمستوى الدعم إلى 38%.

والمقلق أكثر لحملته الانتخابية أن 21% من الجيل الطالع من الديمقراطيين ابتعد عنه، من بينهم 70% أعربوا عن استيائهم من موقفه في الحرب، وبالتحديد رفضه وقف إطلاق النار، وتعامله مع مجزرة المدنيين في ما بدا وكأنه تغطية لجرائم حرب. وقد انعكس ذلك في إبداء التفهم الضمني لسقوط هذا العدد الهائل من الأبرياء، والاكتفاء بالقول إن الإدارة لم تتوقف عن مطالبة إسرائيل "بواجب حماية المدنيين"، مع التذكير بأن الأعمال العسكرية تتسبب عادة "بخسائر جانبية"، وهذه معزوفة كثيراً ما رددها السفير الإسرائيلي في واشنطن، والناطق العسكري الإسرائيلي الذي تستضيفه معظم محطات التلفزة بصورة دورية، لتدوير زوايا التسويغات المغلفة بغرض التماس الأسباب التخفيفية لآلة الموت الإسرائيلية.

كما انعكست التغطية في موضوع مستشفى الشفاء، الذي جعلت منه إسرائيل قضية كبيرة، وخرقاً فادحاً للقانون الدولي ولممنوعات الحروب المنصوص عليها في اتفاقية جنيف، وذلك من خلال الزعم بأن المكان كان مركز قيادة لـ"حماس". وقد تبنت الإدارة هذه الذريعة حتى قبل تقديم الإثباتات الدامغة، وقبلت بما سُمّي بالأدلة التي عرضتها إسرائيل، والتي "ليست كافية" بأي حال، وفق الخبير السابق في وكالة الاستخبارات المركزية روبرت بير.

كذلك كان موقف معظم وسائل الإعلام التي رسمت علامات استفهام كبيرة حول نفخ موضوع المستشفى، الذي ربما جرى تكبيره لتحويل الحديث ولو جزئياً عن فضيحة المدنيين التي أربكت واشنطن، وزادت من عزلتها، وفضحت خواء حديثها عن حقوق الإنسان.

وفي إطار هذا التحويل، لوحظ غياب سيرة الحرب أحياناً عن العناوين الرئيسية، وحتى عن الصفحة الأولى، مع أنها دخلت في مرحلة جديدة مهمة قد تشمل جنوب غزة، حسب التوقعات. كما غابت كلياً عن برامج أسبوعية مميزة مثل برنامج "واشنطن في أسبوع" على شبكة "إن بي آر" العامة والموثوقة عادة، ربما في محاولة للتعتيم قدر الإمكان، ولو أن ذلك متعذر بوجود وسائل التواصل التي تلعب دوراً رئيسياً في عملية الشحن والتعبئة، بل التحريض، في وقت دخلت فيه حرب غزة إلى قلب ساحة الجدل السياسي والانتخابي في أميركا.

واللافت أكثر من أي وقت سابق أن المسلّمات الإسرائيلية في أميركا لم تعد كما كانت فوق النقد، حيث صارت موضع اعتراض ورفض على الأقل لدى الفريق المناوئ للحرب، سواء الكلام عن "نفوذ اليهود" في الولايات المتحدة و"ازدواجية الولاء" لديهم، أو مقولة أن "إسرئيل دائماً على حق"، وأن انتقاد سياساتها يُعتبر "معاداة للسامية"، مع أن هناك نعرة متزايدة تعبيراتها ضد اليهود، وفي المقابل ضد المسلمين والعرب، والتوتر ينذر بالأدهى، خصوصاً في الجامعات التي عاد بعضها إلى التدريس الافتراضي مؤقتاً لمنع التجمعات، أو إلى منع النشاطات الطلابية داخل الحرم الجامعي، وحتى إشعار آخر. كما توسعت التهديدات وحالات التمييز في بعض قطاعات العمل وأوساط الأقليات في ولايات ومدن كبرى عدة.

يدرك الرئيس بايدن أن الحرب مقبلة على المزيد من الفظائع وربما التهجير، لكنه ليس في وارد وقفها، وهذا ما يفسر رفضه فكرة وقف إطلاق النار. أغراضها الجيوسياسية تتخطى الردّ على "الإرهاب" كما يسمونه، ومشكلته أنها محكومة بإثارة احتجاجات مكلفة انتخابياً وربما أمنياً، لكنه لا يملك حتى تحديد سقف لها. التقديرات تتحدث عن أسبوعين وبعضها عن شهرين أو ثلاثة. حتى الآن، احتمالات تطور المواجهة مفتوحة، وكذلك معركة انتخابات الرئاسة.