حرب المخدرات على الحدود الأردنية السورية.. أبعاد سياسية وعسكرية

23 ديسمبر 2023
الجيش الأردني يحبط تهريب كميات من الأسلحة (Getty)
+ الخط -

تخوض القوات الأردنية اشتباكات يومية على الحدود الأردنية السورية مع مجموعات منظمة من المهربين، أسفرت خلال الأيام القليلة الماضية عن مقتل ضابط أردني وإصابة ثلاثة جنود، إضافة إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المهربين، والقبض على 9 منهم، مع إحباط تهريب كميات من المخدرات والأسلحة. 

وأعلنت قيادة الجيش الأردني، يوم أمس الجمعة، عن مقتل أحد المتسللين وأسر ثلاثة آخرين في مخيم بصحراء الرويشد في الشمال الأردني، معتبرة أن ما يجري يعد تغييراً خطيراً في الواقع العسكري، له أبعاد سياسية وعسكرية قادمة، خاصة مع تزايد محاولات دخول أراضي المملكة بالقوة، رغم الانتشار الكبير للجيش على الحدود الأردنية السورية وفي مناطق الاشتباك. 

ولفتت إلى أن عمليات التهريب على الحدود الأردنية السورية لم تعد تشمل المخدرات وبعض الأسلحة الفردية فقط، بل تعدتها إلى أسلحة متوسطة ومتفجرات.

وبعد الاعترافات التي حصل عليها الجانب الأردني من المهربين الأسرى في الحدود السورية الأردنية، شن طيران حربي يُعتقد أنه أردني غارات جوية على مواقع لمهربين داخل الأراضي السورية في بلدات صلخد وأم شامة ومحيط بلدة ذيبين في محافظة السويداء، وفي بلدة المناعية بمحافظة درعا أسفرت جميعها عن مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين دون أن تحقق أهدافها المنشودة، كما ذكر الأهالي في المحافظتين.  

وقال أحد أبناء عشائر البدو، طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، إن الأجهزة الأمنية في الجنوب تسهل عمل عصابات التهريب ولا يمكنها التدخل معهم إلا كشريك في الربح والفرض بعض الإتاوات على الحواجز والطرق المؤدية إلى الحدود، لأن الأوامر بالتعاون معهم تأتي من المستوى الأعلى.

محاولات كثيفة للتهريب في الحدود الأردنية السورية

أما عن كثافة محاولات التهريب في الحدود الأردنية السورية خلال هذه الفترة، فيقول المصدر إن المهربين يستغلون الطقس الضبابي وساعات الصباح الباكر ويقصدون الاشتباك مع القوات الأردنية في بعض المواقع من أجل إلهائها عن مواقع أخرى، ثم يعتمدون على المجابهة بالعشرات والتضحية ببعض الأفراد مقابل أن يجتاز آخرون الحدود. 

من جهة أخرى، بيّن المصدر ذاته أن العشرات من المهربين هم من العشائر النازحة من مناطق شمال شرق سورية ومعظمهم يُقيم في مخيمات ومزارع في مناطق السويداء ودرعا وخاصة في منطقة اللجاة حيث يسيطر حزب الله اللبناني والأمن العسكري التابع للنظام السوري، وأن معظمهم يعانون من الفقر والجوع ويسهل استغلالهم في هذه الأعمال خاصة الشباب منهم. 

ويرزح السوريون عموماً تحت وطأة واقع معيشي صعب فرضته عليهم سنوات طويلة من الحرب التي هجرت وشردت الملايين، وهدمت الأحياء السكنية ما انعكس بشكل قاس على الواقع الاقتصادي والمعيشي فأنتجت مؤسسات ومجتمعاً متهالكاً، تحكمه نظم الفساد الإداري والاجتماعي. 

وتختلف الدراسات الإحصائية حول معدلات الفقر، وعدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر لتتراوح بين 70 إلى 90 بالمئة بحسب بعض الدراسات من مراكز دولية.

هذا الواقع فرض على الكثيرين الانخراط في الأنشطة غير المشروعة من تجارة المخدرات والأسلحة والمهربات عموماً وحتى الأعضاء البشرية، بعدما أصبح العمل بها مسألة مألوفة في العديد من المناطق وتحت إشراف مليشيات وعصابات تتحكم بأمن البلاد وتشجع هذه الأنشطة. 

وقال أحد التجار من أبناء السويداء، عمل في هذا المجال سابقاً لـ"العربي الجديد": "لا يمكن إحصاء أعداد المتورطين في تجارة المخدرات، فكل مُدمن هو تاجر في مكان ما وعليه أن يؤمن تكلفة احتياجاته من النوع الذي يتعاطى، إضافة إلى المعيشة، وجميع المتعاطين متورطون بشكل أو بآخر بالتجارة، أما التجار الكبار فهم موجودون في أماكن معروفة لدى السلطات الأمنية وهي تحميهم لأنها تقاسمهم الأرباح من جهة، ويحققون أهدافها في تفكيك المجتمع من جهة أخرى". 

وحول طبيعة عمل سابق، أوضح: "كانت مهامي ضمن مجموعة تستلم المخدرات من مناطق اللجاة الواقعة في الريف الشمالي القريب حيث عشائر للبدو، وتسليمها في بلدات السويداء في الريف الجنوبي، وفي أكثر من مزرعة للماشية والأغنام، وأحياناً في مُغر قبل محاولات تهريبها عبر الحدود الأردنية".

اللافت إن تجمعات العشائر تستقبل غياب أحد أفرادها بشكل عادي، وهي على معرفة تامة بمصيره، وأين هو، وهذا ناتج عن (قلة الحيلة)، كما ذكر أحد أبناء العشائر في مدينة شهبا التي فقدت العديد من أبنائها سابقاً نتيجة الاشتباكات على الحدود. 

المصدر نفسه قال لـ"العربي الجديد" إن هناك عشائر كاملة باتت تشتغل بالمخدرات، خاصة الموجودة على الحدود، مثل قرية الشعاب التي يسيطر عليها عائلة الرمثان، والتي قصفت قبل أشهر من قبل الطيران الحربي الأردني لأول مرة وقضت على واحد من أهم تجار المخدرات في الجنوب مع أفراد عائلته بشكل كامل. وهناك أيضا مزارع مترامية الأطراف بات سكانها جزء من اللعبة.

ويقتصر دور بعض أبناء المحافظة من الطائفة الدرزية على دور الوسيط وحماية الأحمال، حيث يعمل عدد من الأشخاص القاطنين في القرى على الحدود باستقبال الأحمال ومبيته لعدة ساعات مقابل أجور عالية، فيما يتمتع آخرون بحماية ودعم كبيرين من قبل فرع الأمن العسكري وحزب الله مثل فصيل ناصر السعدي الذي أخطأه سلاح الطيران الأردني قبل أيام.

ويقول شهاب الصبرا، من أبناء عشائر بدو الجنوب لـ"العربي الجديد"، إنه منذ بداية الثورة السورية حصل تهجير ممنهج لأبناء عشائر البدو من معظم بلدات محافظة السويداء وذلك بإشراف ومتابعة من الاجهزة الأمنية والفصائل الموالية لها وقطن هؤلاء في الخيام وفي أماكن سكنية في مناطق اللجاة الواقعة بين محافظتي درعا والسويداء وانتمى العديد منهم إلى الفصائل والميليشيات المسلحة هدف تأمين الحماية والأمن لأسرهم وأنفسهم ومن أجل مردود مادي للمعيشة في مناطق وعرة تفتقر لمقومات العمل والحياة الكريمة.

ومن خلال هذا الاصطفاف مع الفصائل المسيطرة على المنطقة واستغلالا للعلاقات مع المتبقين من أبناء العشائر في السويداء، عمل العديد من هؤلاء بكل أنواع التجارة المسموحة والممنوعة اعتباراً من الخبز والدواء وصولا إلى المحروقات بأنواعها والخطف والفدية وتجارة الأسلحة والمخدرات، وأصبح البعض منهم نتيجة هذا الظرف وهذا العمل من محترفي عمليات التهريب، ويجري الاستعانة بهم من جانب ضباط النظام وحزب الله. وكانت أهم مناطق التهريب بعد اكتفاء السوق المحلي هي الحدود الأردنية ومنها إلى دول السعودية والخليج العربي.

أما هذه الشبكات والتجار الصغار فلا يصلها سوى بعض المال دون أن تعي المخططات التي تنشدها الجهات الممولة خلف هذه الأعمال، وهذا ما اتضح في المحاولات الأخيرة وفي الكميات الكبيرة للمصادرات.

وكان المهربون قد وجدوا في هذا العمل الربح الوفير والأمان في التحرك ضمن مناطق الجنوب، بحيث لم يسجل مصادرة شحنة من المصدر إلى الحدود في أي وقت سابق إلا إذا وقع الخلاف بين الجهات العاملة على نقلها وتهريبها. 

ويضيف الصبرا أن معظم تجار المخدرات والأسلحة الكبار تربطهم شراكة كاملة مع السلطات ولا يُمكن مقايضتهم مع الجانب الأردني، إلا إذا فُضح أمرهم وتم استبدالهم والتضحية بهم.

المساهمون