حرب الأبراج... إسرائيل تضغط على المقاومة عبر التدمير

08 أكتوبر 2023
من عمليات الإطفاء بعد القصف الإسرائيلي، غزة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

منذ اللحظات الأولى لانطلاق جولة المواجهة الحالية بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي، تبنت قوات الاحتلال سياسة استهداف الأبراج السكنية الكبرى أو تلك التي تضم مكاتب وتجمعات إدارية إلى جانب قصف المنازل والتجمعات السكنية.

ويعيد ما يحصل حالياً إلى الأذهان السياسة التي اتبعتها المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية منذ عام 2006، والتي تقوم على ضرب البنية التحتية في القطاع وتحقيق أضرار جسيمة على مستوى الأبراج الكبرى والبنايات المرتفعة، وهو ما حصل في حروب أعوام 2009 و2012 و2014 و2018 و2019 و2021 و2022 و2023. 

وتستهدف إسرائيل من خلال هذه السياسة الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية بدرجة أساسية للتأثير على سير العمليات عسكرياً، وعلى تحكمها في طبيعة القصف أو تنفيذ العمليات داخل الأراضي المحتلة. وسبق للاحتلال الإسرائيلي أن دمّر عشرات الأبراج والمباني السكنية الكبرى في محاولة منه للضغط على حركة حماس التي تمسك بزمام الأمور تحديداً في القطاع، وإرغامها على القبول بوقف غير مشروط لإطلاق النار، وهو ما يضع المقاومة تحت الضغط في كثير من الأحيان.

إلا أن حرب عام 2021 شهدت سعي "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لـ"حماس"، لترسيخ معادلة جديدة قامت فيها على ضرب العمق المحتل عام 1948، وتحديداً تل أبيب، برشقات صاروخية كبرى تجاوزت فيها 100 إلى 300 صاروخ في الرشقة الواحدة. 

وتيرة مخلتفة وتكتيك جديد

وخلال هذا التكتيك، نجحت المقاومة إلى حد ما في الضغط على الاحتلال لوقف سياسة قصف الأبراج أو التقليل منها، إلا أن الجولة الجديدة بدأها الاحتلال بوتيرة مختلفة عن الجولات والحروب السابقة من خلال تعمد قصفها منذ بداية التصعيد. إذ في السابق، كان الاحتلال يحتفظ بورقة الأبراج المدنية أو تلك التي تضم مكاتب لمؤسسات إعلامية ودولية للحظات الذروة، من أجل استخدامها لجلب الوسطاء والضغط عليهم والتأثير على المقاومة الفلسطينية وعلى أدائها وعملها الميداني في ساحة المواجهة. إلا أن هذه المرة شهدت بداية المقاومة الفلسطينية للجولة الهجومية، وهو ما يعني إدراكاً مسبقاً منها بأن الاحتلال قد يُقدم على تدمير منشآت وبنى تحتية ومصارف تابعة لـ"حماس"، بالإضافة إلى الأبراج والتجمعات السكنية في محاولة لخلط الأوراق. 

مصطفى الصواف: ما يحصل يستهدف محاولة خلط الأوراق من قبل الاحتلال ضد المقاومة التي استعدت بشكلٍ مسبق لهذه المواجهة

في السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف إن لجوء الاحتلال إلى خيار قصف الأبراج والمنشآت المدنية والبنية التحتية يستهدف الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في القطاع والتأثير على أدائها الميداني خلال فترة المواجهة. ويؤكد الصواف، لـ"العربي الجديد"، أن ما يحصل حالياً يستهدف محاولة خلط الأوراق من قبل الاحتلال ضد المقاومة الفلسطينية، التي استعدت بشكلٍ مسبق لهذه المواجهة التي في الغالب ستكون مختلفة عن بقية المواجهات التي جرت على مدار السنوات الماضية. 

ويستبعد الكاتب والمحلل السياسي أن يؤثر السلوك الإسرائيلي على عمل المقاومة الميداني وعلى طبيعة المواجهة مع الاحتلال، على اعتبار أن ما يحصل من استهداف للأبراج والتجمعات المدنية هو سياسة إسرائيلية معتادة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، سبق أن تعاملت معها في الجولات الماضية. ويرجح الصواف أن تمتد هذه المواجهة لفترة أطول في ضوء الضربات النوعية التي وجهتها المقاومة الفلسطينية للاحتلال في محيط مناطق غلاف غزة، وحالة الصدمة التي تكبدتها المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية منذ بداية الجولة الحالية. 

مخيمر أبو سعدة: المقاومة ستتمسك بمعادلة قصف الأبراج مقابل ضرب المدن المحتلة عام 1948

إلى ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة أن اللجوء الإسرائيلي إلى استهداف الأبراج والمقار الحكومية والمقار الخاصة يستهدف تحقيق عنصر الضغط على الحاضنة الشعبية لقوى المقاومة الفلسطينية والتأثير على عملها.

ويقول أبو سعدة، لـ"العربي الجديد"، إن الضغط على المقاومة الفلسطينية هو أمر وارد من خلال القصف المتعمد للأبراج والسعي إلى تدمير أكبر عدد ممكن، إلا أن سيناريو لجوء الاحتلال إلى تدمير جميع أبراج غزة وتجمعاتها السكنية يبقى سيناريو غير وارد مرحلياً. ويعتقد أن عمليات تدمير التجمعات والبنية التحتية تشكل عنصر ضغط على الاحتلال الإسرائيلي كما تشكل عنصر ضغط على المقاومة، من خلال الصور التي تخرج للعالم عن استهداف التجمعات المدنية والتداعيات المترتبة على الصورة الإسرائيلية دولياً. 

ويوضح أستاذ العلوم السياسية أن المقاومة الفلسطينية ستواصل التمسك بالمعادلة التي رسختها خلال مواجهة 2021، والتي نجحت فيها بفرض معادلة "قصف الأبراج"، يقابلها ضرب المدن المحتلة عام 1948، وتحديداً تل أبيب التي تشكل العاصمة السياسية للاحتلال. 
وبعد تدمير "برج فلسطين" كأول الأبراج التي يتم تدميرها خلال الجولة الحالية، خرج المتحدث العسكري باسم "القسام" أبو عبيدة ليهدد الاحتلال في تل أبيب ويطلب من الإسرائيليين الوقوف "على قدم واحدة"، ليتبعها قصف صاروخي بنحو 150 صاروخاً تجاه المدينة المحتلة عام 1948. 

المساهمون