حرب أوكرانيا على أبواب عامها الرابع: الكلمة الأخيرة لترامب؟

31 ديسمبر 2024
جنديان أوكرانيان يقصفان القوات الروسية في كوبيانسك، 26 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التحديات الأوكرانية والنجاحات المحققة: في عام 2024، واجهت أوكرانيا تحديات كبيرة في الحرب مع روسيا، رغم بعض النجاحات مثل التوغل في مقاطعة كورسك. الدعم الغربي مستمر، لكن نقص الجنود يمثل مشكلة، مما دفع الولايات المتحدة للضغط على أوكرانيا لخفض سن التجنيد.

- الموقف الغربي والتغيرات السياسية: شهدت أوكرانيا ردود فعل باردة من الغرب تجاه "خطة النصر" لزيلينسكي. فوز ترامب أثر على الديناميكيات السياسية، مع إعادة بعض الدول الأوروبية فتح قنوات مع روسيا.

- المكاسب الروسية والتحديات المستقبلية: حققت روسيا مكاسب كبيرة، مهددة بانهيار الدفاعات الأوكرانية. تواجه روسيا تحديات داخلية، وتعول على مكاسب خلال رئاسة ترامب الثانية، مع انفتاح بعض الدول الأوروبية على الحوار.

ما هي حدود قدرة أوكرانيا على الصمود؟ وإلى متى يستطيع الغرب تقديم الدعم لها؟ سؤال تكرر كثيراً على امتداد عام 2024، قبل أن يصبح السؤال الأهم اليوم هو كيف سيتعاطى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مع ملف الحرب الروسية على أوكرانيا عندما يتولى السلطة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل. الإجابة العملية عن السؤال الثاني تحمل في طياتها الإجابة عن السؤال الأول. وفي حين يعلّق الأوكرانيون آمالهم على تحقيق إنجازات في الميدان، أو على الأقل الصمود، وصولاً إلى تسوية سياسية بشروط مؤاتية، لا توجد دلائل على أن الجانب الروسي مستعد للقبول بتقديم تنازلات جوهرية، حتى لو استمرت الحرب لفترة أطول، على الرغم مما يترتب عليها من تكلفة بشرية ومادية باهظة.

أوكرانيا بين نجاحات محققة وعدم اليقين

في نهاية العام 2023 اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده أصبحت أقوى، وتجاوزت الكثير من المصاعب. وأكد، في خطاب السنة الجديدة (2024)، أن العديد من النجاحات تحققت خلال العام الماضي، منها على سبيل المثال لا الحصر، على الصعيد الدبلوماسي بلورة "رؤية السلام الأوكرانية"، أو "خطة النصر" حسب التسمية التي اعتمدها زيلينسكي لاحقاً، وبدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي. وعلى الصعيد العسكري استمرار الدعم من الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، والحصول على منظومات دفاع جوي متطورة، وصواريخ بالستية بعيدة المدى، وتدريب طيارين أوكرانيين على طائرات "إف-16". لكن زيلينسكي حذّر من أنه لا يمكن أن يُعرف على وجه اليقين ما الذي سيحمله عام 2024 لأوكرانيا.

يشكّل نقص الجنود إحدى أكبر المشاكل التي تواجه أوكرانيا

وبالفعل سادت حالة عدم اليقين في حسابات كييف وحلفائها على امتداد عام 2024، على الرغم من بعض النجاحات التكتيكية المهمة التي حققتها القوات الأوكرانية، وأكبرها التوغل في مقاطعة كورسك الروسية، في أغسطس/آب الماضي، ما شكّل مفاجأة من العيار الثقيل لروسيا وحلفاء أوكرانيا على حد سواء، خلطت أوراق الحرب إلى حين. كما نفّذت أوكرانيا ضربات مكثفة في العمق الروسي بطائرات مسيّرة. وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي استجاب الرئيس الأميركي جو بايدن لطلبات زيلينسكي المتكررة، وأعطى أوكرانيا الإذن باستخدام الأسلحة الأميركية بعيدة المدى ضد أهداف داخل روسيا. إلا أن مصادر غربية أكدت أنه من غير المرجح أن يمنح القرار الأوكرانيين تفوقاً في الحرب، لعدة أسباب، من أهمها عدم وجود مخزون كبير منها لدى أوكرانيا والغرب. وبعد يومين فقط من الضوء الأخضر الأميركي أطلقت أوكرانيا صواريخ "أتاكمز" (ATACMS) ضد مستودع ذخيرة روسي في مقاطعة بريانسك، وهو ما اعتبره المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، وقتها، خطوة تريد من ورائها إدارة بايدن المنتهية ولايتها صب الزيت على النار وإثارة المزيد من التصعيد. وذهب مسؤولون روس آخرون إلى اعتبار الضوء الأخضر الأميركي والهجمات الأوكرانية شرارة قد تشعل فتيل حرب عالمية ثالثة.

وجاء الرد الروسي سريعاً على هذا التحول في مسار الحرب، باستخدام روسيا صاروخاً بالستياً حديثاً فرط صوتي من طراز "أوريشنيك"، ضد منشأة عسكرية أوكرانية في دينيبرو. وكان لافتاً تأكيد الرئيس فلاديمير بوتين أن هذا الهجوم جاء في سياق الرد على التصرفات العدوانية لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد روسيا، في إشارة إلى السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بالستية أميركية وبريطانية في استهداف الأراضي الروسية. وحمل تصريح بوتين رسالة تهديد ضمنية لدول الناتو، فصاروخ "أوريشنيك" يبلغ مداه بين 3000 و5500 كيلومتر، ما يمكنه من الوصول إلى أي نقطة في القارة الأوروبية، وأهداف في الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية.

وخلال الأشهر الأخيرة واصلت روسيا استهداف قطاع الطاقة في أوكرانيا. وقال زيلينسكي، في سبتمبر/أيلول الماضي، إن روسيا دمرت 80% من البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. ويؤكد خبراء أن إصلاح محطات توليد الكهرباء يمثِّل مشكلة كبيرة لأوكرانيا، لأن الأمر سيستغرق سنوات، ويؤثر على القدرات الصناعية للبلاد، وعلى حياة ملايين الأوكرانيين في فصل الشتاء القارس. وتعرضت عدة مدن في أوكرانيا، من بينها خاركيف ودنيبرو وخيرسون، للهجوم بصواريخ كروز وطائرات دون طيار صبيحة عيد الميلاد حسب التوقيت الغربي، في سياق استراتيجية توصف بأنها نجحت في استهداف البنى التحتية الأوكرانية.

الجنود متعبون ومتشائمون

وفقاً لزيلينسكي، قُتل ما بين 43 و80 ألف جندي أوكراني منذ بداية الحرب في 24 فبراير/شباط 2022، وأصيب 375 ألفاً. إلا أن غالبية الأوكرانيين يعتقدون أن عدد القتلى والجرحى أكبر بكثير، وهذا يتطابق مع ما تؤكده مصادر غربية. وتبدو الصورة على جبهات القتال مأساوية، على حد وصف تقارير صحافية في وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية. الجنود الأوكرانيون في الجبهة مرهقون ومتعبون ومتشائمون في كثير من الأحيان، وهم يضطرون إلى قضاء عيد الميلاد الثالث في الخنادق، وقد قُتل الكثير من رفاقهم أو جرحوا أو وقعوا في الأسر. وتضاعف عدد الفارين خلال الشهور الأخيرة. وأفادت وسائل إعلام غربية عن مصادر أوكرانية، أنه تم التحقيق مع 20 ألف جندي يشتبه بفرارهم من الخدمة خلال العام 2024، أي ستة أضعاف ما كان عليه العدد في 2022. وفي الوقت نفسه، يدق القادة العسكريون الأوكرانيون ناقوس الخطر بشأن المجندين الجدد الذين عليهم الذهاب إلى ساحة المعركة.

ويشكّل نقص الجنود إحدى أكبر المشاكل التي تواجه أوكرانيا. ومارست الولايات المتحدة منذ فترة طويلة ضغوطاً على زيلينسكي لخفض سن التعبئة من 25 إلى 18 عاماً. غير أن زيلينسكي لم يتجاوب بعد مع الضغوط، ولكنه قد يضطر إلى ذلك في مرحلة ما في حال تواصل الحرب.

رد غربي بارد على "خطة النصر" الأوكرانية

في زيارته إلى الولايات المتحدة، قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية، عمل زيلينسكي جاهداً على تسويق "خطة النصر" التي تتكون من خمس نقاط رئيسية مُعلنة: "دعوة أوكرانيا إلى ناتو، تعزيز الدفاع الأوكراني، ردع روسيا، تعزيز الإمكانات الاقتصادية الاستراتيجية لأوكرانيا، وتعزيز التحالف بين أوكرانيا وحلف ناتو بعد الحرب". إلا أن واشنطن لم تظهر حماساً للخطة، وخرج فقط من الزيارة بحزمة مساعدات إضافية بقيمة 7.9 مليارات دولار أميركي. ولم تكن النتائج التي حققها زيلينسكي بمشاركته في القمة الأوروبية، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أفضل من نتائج زيارته لواشنطن، فقد واجهت الخطة انتقادات بأنها تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة، وتلقي بالعبء الأكبر على حلفاء أوكرانيا، من دون أن تحدد ما الذي يجب أن تفعله أوكرانيا نفسها بالمقابل.

وبفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فُرض واقع سياسي جديد على أوكرانيا، سريعاً ما انعكس على مواقف العديد من البلدان الأوروبية، بإعادة فتح قنوات اتصال مع روسيا، وساهم في ذلك أيضاً انغماس تلك البلدان في مشاكلها الداخلية، مثل ألمانيا وفرنسا. وقال وزير الدفاع السلوفاكي روبرت كاليناك، في تصريح لقناة "تي إيه 3" التلفزيونية، أول من أمس الأحد، إن أوكرانيا قد تحتاج إلى التخلي عن جزء من أراضيها من أجل تحقيق السلام. وأضاف أنه من مصلحة سلوفاكيا أن ينتهي الصراع في أوكرانيا بسرعة، داعياً إلى إجراء مفاوضات ووقف إطلاق النار. وتابع: "ربما لا تدرك أوكرانيا أنها لن تكون أبداً بين ألمانيا وسويسرا، بل ستظل دائماً تشارك أطول حدودها مع روسيا".

أعلن لافروف أن روسيا تعارض نشر قوات حفظ سلام غربية في أوكرانيا في جزء من أي تسوية لإنهاء الصراع

وقال بيسكوف، رداً على سؤال من وكالة "سبوتنيك" الروسية، حول ما إذا كانت الظروف الحالية مهيأة لإنهاء الصراع في أوكرانيا أو أي من مراحله: "لا". وأضاف، معلقاً على سؤال حول رفض كييف لاقتراح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان للسلام: "الوضع هنا لا يتغير، نظام كييف لا يريد المفاوضات ويرفضها، وحتى الآن، لم يظهر أي رغبة في تغيير هذا الحظر، لذلك، فإن الوضع هنا ثابت".

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اعتبر في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك نشرت أول من أمس الأحد، أن المناقشات بين كييف والغرب، حول إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق للنار في أوكرانيا، ضرورية بالنسبة لكييف، من أجل الحصول على فترة راحة لبناء قدرات القوات المسلحة الأوكرانية. وقال: "إذا حكمنا من خلال ما نراه ونقرأه، فإن كييف والغرب بدأوا في مناقشة إمكانية التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار والهدنة، من أجل الحصول على فترة راحة، وخلالها زيادة الإمكانات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية، ومن ثم استئناف الجهود لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا. بالطبع، هذا طريق مسدود. طريق لا يفضي إلى أي شيء". وأشار إلى أن المقاربات الروسية لحل النزاع حول أوكرانيا، قد حددها بوتين، في وقت سابق. وتابع: "نحن مستعدون للمفاوضات، لكن يجب أن تهدف إلى القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية، وأن تأخذ بعين الاعتبار الوضع الحقيقي على الأرض". وقال: "نحن نتحدث على وجه الخصوص عن نزع سلاح أوكرانيا، وضمان عدم انحيازها وحيادها، وخلوها من الأسلحة النووية، والقضاء على التهديدات طويلة الأمد لأمن روسيا، القادمة من الاتجاه الغربي، بما في ذلك توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو). يجب على كييف أن تتحمل التزامات محددة لضمان حقوق وحريات ومصالح المواطنين الناطقين بالروسية، وبالطبع الاعتراف بالحقائق الإقليمية المنصوص عليها في دستور روسيا الاتحادية". وشدد لافروف، في مقابلة مع وكالة "تاس" نشرت أمس الاثنين، على أن روسيا تعارض نشر قوات حفظ سلام غربية في أوكرانيا في جزء من أي تسوية لإنهاء الصراع. وأكد أن موسكو تعارض هذه الفكرة وغيرها من الأفكار التي اقترحها ترامب. وقال: "بالطبع، نحن لا نرضى عن المقترحات التي أعرب عنها ممثلو الرئيس المنتخب لتأجيل عضوية أوكرانيا في الناتو لمدة 20 سنة وإرسال وحدة حفظ سلام إلى أوكرانيا من القوات البريطانية والأوروبية".

مكاسب روسية على الأرض

وفقاً لتقرير أصدره معهد أبحاث الحرب الأميركي (ISW)، منتصف نوفمبر الماضي، فقد سيطرت القوات الروسية على ما يقرب من ستة أضعاف مساحة الأراضي التي سيطرت عليها عام 2023، وباتت تسيطر الآن على إجمالي 110649 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية. وفي الفترة بين الأول من سبتمبر والثالث من نوفمبر 2024، استولى الجيش الروسي على أكثر من 1000 كيلومتر مربع، مما يشير إلى أنه كان يتقدم بسرعة متزايدة في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي يهدد بانهيار خطوط الدفاع الأوكرانية على الجبهة الشرقية.

ومنذ الصيف الماضي، ركز الروس بشكل أساسي على دونيتسك، ضمن مسعى للسيطرة على كل المنطقة قبل مفاوضات السلام المحتملة هذا الربيع عندما يتولى ترامب الرئاسة، حيث كانت غالبية التوقعات تصب في صالحه. إلا أن المكاسب الروسية على الأرض تبقى منقوصة، فما زالت القوات الأوكرانية تسيطر على حوالي نصف الأراضي التي احتلتها في مقاطعة كورسك الروسية في أغسطس الماضي، وفشلت روسيا في استعادتها على الرغم من استعانتها بقوات كورية شمالية. لكن بإجماع غالبية الخبراء العسكريين الاستراتيجيين الغربيين فإن فرص احتفاظ القوات الأوكرانية بمواقعها في مقاطعة كورسك تتضاءل، ومن المستبعد أن تستفيد منها كييف بوصفها ورقة وازنة في المفاوضات المحتملة مع روسيا وصولاً إلى تسوية سياسية للحرب.

وعلى الرغم من الأفضلية التي تتمتع بها القوات الروسية على جبهات القتال في شرق أوكرانيا، أظهر هجوم القوات الأوكرانية على مقاطعة كورسك ضعف قدرة الجيش الروسي على المناورة والتخطيط على المستوى الاستراتيجي. وعلى المستوى النفسي؛ أصبحت الحرب أكثر وضوحاً بالنسبة للمواطنين الروس، وأعرب العديد منهم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن خيبة أملهم لعدم مقدرة الجيش الروسي على حمايتهم من الهجوم الأوكراني.

يعول القادة الروس على مكاسب كبيرة في الملف الأوكراني في ظل الفترة الرئاسية الثانية لترامب

ودفعت روسيا، وما زالت تدفع، ثمناً بشرياً باهظاً في حربها على أوكرانيا، تتحفظ الحكومة الروسية على الإعلان عنه. وتختلف تقديرات الاستخبارات الغربية للخسائر الروسية، حيث يتحدث البعض عن وصول عدد القتلى إلى قرابة 200 ألف شخص، والمصابين إلى حوالي 400 ألف، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال" في سبتمبر الماضي. ولا تقل أوضاع الجنود الروس على الجبهات مأساوية عن أوضاع الجنود الأوكرانيين، فهم يعانون أيضاً من التعب والإرهاق ويغلب عليهم التشاؤم. كما تواجه روسيا مشاكل في تجنيد العدد الكافي من الجنود وإرسالهم إلى الجبهة. لكن لدى موسكو أفضلية مقارنة مع كييف لجهة عامل الديمغرافيا.

وفي ما يتعلق بالخسائر الاقتصادية، ووفقاً لمقال نشرته مجلة لوبوان الفرنسية، في ذكرى مرور 1000 يوم على الحرب، أنفقت روسيا ما يعادل 320 مليار دولار منذ بداية الحرب، أي نحو 320 مليون دولار يومياً. وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 9% منذ بداية العام حتى مطلع ديسمبر/كانون الأول الحالي، ما اضطر البنك المركزي الروسي إلى رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 21%. ويحذر خبراء من أنه في العام 2025 سيذهب ثلث إنفاق الدولة الروسية (32.5%) إلى موازنة الدفاع، في حين تقل احتياطيات الروس بسبب الإنفاق الجاري، وهذا من شأنه أن يضغط على صندوق الثروة الوطنية الروسي، ويمكن أن تنفد احتياطاته في خلال مدة تتراوح من 6 إلى 12 شهراً، إذا استمر استنزافها بنفس المعدل كما هو الحال الآن.

تحولات وأسابيع حاسمة

تشير ردود فعل موسكو على ترشيحات ترامب في إدارته المقبلة إلى أن القادة الروس يعولون على مكاسب كبيرة في الملف الأوكراني في ظل الفترة الرئاسية الثانية لترامب، فالعديد ممن رشحهم الرئيس المنتخب لتولي وظائف رئيسية غير متعاطفين مع أوكرانيا، ويميلون إلى تسوية مع روسيا أقرب إلى رؤية بوتين. وكان ترامب قد تعهد خلال حملته الانتخابية بوقف الحرب الأوكرانية في غضون 24 ساعة. وفُهم من تصريح لاحق لنائبه جي دي فانس أن الطريق إلى التسوية هي تنازل أوكرانيا عن الأراضي التي تحتلها روسيا. ومن أبرز الأسماء التي تعول عليها موسكو في ترشيحات ترامب، عضوة الكونغرس الديمقراطية السابقة تولسي غابارد لمنصب مديرة المخابرات الوطنية الأميركية، وكاش باتيل الذي يريده ترامب رئيساً لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آيه). لكن هناك أيضاً مرشحين قد يثيرون قلق موسكو مثل السيناتور ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية، ومايكل والتز المرشح لتولي مستشار الأمن القومي.

ويضاف إلى ما سبق انفتاح بلدان أوروبية على الحوار مع بوتين، حيث بادر المستشار الألماني أولاف شولتز إلى إجراء مكالمة هاتفية مع بوتين، في نوفمبر الماضي، لأول مرة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية. ومن المتوقع أن تفتح هذه المكالمة الباب أمام زعماء أوروبيين آخرين. بالمقابل، عكست تصريحات زيلينسكي لصحيفة لوبوان الفرنسية، في 18 ديسمبر الحالي، مشاعر إحباط تجاه السياسات التي من المرجح أن يعتمدها ترامب وإدارته، وكذلك الانفتاح الأوروبي على موسكو، في ظل مخاوف من تراجع توقّف الدعم العسكري الأميركي وتراجع أو عدم كفاية الدعم الأوروبي لأوكرانيا في الشهور المقبلة. زيلينسكي بدا يائساً في تصريحاته، واعترف بأن أوكرانيا لا تملك القوة ولا القدرة اللازمة لاستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا. وأضاف: "لم يتبق لنا سوى الاعتماد على الضغط الدبلوماسي من المجتمع الدولي لإجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات".

ومعلوم أن ترامب لمّح إلى أنه سيستمر بتقديم الدعم لأوكرانيا خلال المفاوضات لتعزيز موقفها، وما زال الأوروبيون عند قرارهم بمواصلة الدعم، ويبحثون في وسائل إضافية لتعزيز قدرات أوكرانيا، لكن المؤكد أن الدعم الأوروبي لن يكون كافياً لعدم امتلاكهم مخزونات كافية من الأسلحة وعدم وجود طاقات إنتاجية لتزويد أوكرانيا بما تحتاجه للانتصار أو حتى وقف التقدم الروسي. في المحصلة، لا شك أن الأسابيع القليلة المقبلة لن تقرر فقط مصير الحرب الأوكرانية، بل ستحدد مستقبل أوكرانيا، وستعيد إلى حد بعيد رسم علاقات الغرب مع روسيا مرحلياً. ومن الواضح أن الكلمة الأخيرة في تحديد بوصلة التحولات ستكون من نصيب ترامب.

المساهمون