عملية الفندق.. تحدٍ أمني وموقف سياسي موحد لفصائل المقاومة الفلسطينية

09 يناير 2025
من عملية إطلاق نار في ترقوميا، 1 سبتمبر 2024 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت قرية الفندق شرق قلقيلية عملية إطلاق نار مفاجئة أسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، مما يعكس تصعيدًا في العمل الفلسطيني المقاوم وتبني كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى للعملية.
- تعكس العملية التنسيق بين الفصائل الفلسطينية المختلفة وتؤكد على مبدأ المقاومة المشترك، وتبرز قدرتها على تنفيذ عمليات معقدة خارج نطاق جنين، مما يشكل ضغطًا سياسيًا على إسرائيل.
- رغم التحديات الأمنية، تشير العملية إلى قدرة المقاومة على تجاوز المعيقات الأمنية، ويعزز التبني المشترك التعاون بين الفصائل، رغم استشهاد العقل المدبر للعملية.

جاءت عملية الفندق في توقيت حساس ومكان استراتيجي غير متوقع

فاجأت عملية إطلاق النار في قرية الفندق شرق قلقيلية شمالي الضفة الغربية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بعدما أسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، بينهم شرطي، إذ جاءت عملية الفندق في توقيت حساس ومكان استراتيجي غير متوقع، وهو ما يعكس تصعيداً في العمل الفلسطيني المقاوم، خاصّة وأنها تزامنت مع حملات عسكرية إسرائيلية مكثفة في شمال الضفة الغربية، عدا عن كونها توحي بمستوى عالٍ من التخطيط والتنظيم بشكل يتجاوز القبضة الأمنية الإسرائيلية.

ووقعت عملية الفندق في السادس من الشهر الجاري، وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة ثمانية آخرين، بينما تمكّن المنفّذون الثلاثة من الفرار من موقع الحادثة. اللافت في هذا السياق كان إعلان كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، تبني العملية بالاشتراك مع سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكرية المنحلّة لحركة فتح بقرار من الرئيس محمود عباس.

عملية الفندق وأبعاد سياسية وميدانية

ويعتقد كتاب ومحللون، خلال أحاديث مع "العربي الجديد"، أن "العملية اتسمت بالتنسيق والتخطيط والتنفيذ، حيث إن مثل هذه العمليات بحاجة لإعداد مسبق، وعملية الفندق لا تحمل أبعاداً ميدانية فقط، وإنما لها أبعاد سياسية ومكانية وزمانية، وحين أتيحت الفرصة تم تنفيذ العملية". وتحمل عملية الفندق رسائل عديدة، أبرزها أن "مبدأ المقاومة بمشاركة جميع أطياف الشعب الفلسطيني موجود طالما هناك احتلال، بغض النظر عن الانتماء التنظيمي، وأن المقاومة ليست مقتصرة على فصيل معين، إلا من أراد فصل نفسه عن هذا الخيار، كما أن العملية تشكّل رداً على تزامن المخططات الإسرائيلية للضفة، والتي بدأت بوادرها في العملية العسكرية للاحتلال التي ينفّذها ضد مخيمات طولكرم". 

ويلفت محللون إلى أن "الظروف المتعلقة بكيفية ومتى تتم العمليات تُترك للمقاومين في الميدان ليقرروا وينفذوا أي عمل مقاوم بناءً على إمكانياتهم وقدراتهم، دون انتظار توجيه محدد من أي جهة، لأنهم أصحاب الميدان والعمل، وينطلقون في قراراتهم من مبادئ المقاومة المذكورة". ويشيرون إلى أن التنسيق الميداني في العملية "يعكس تنسيقاً سياسياً، رغم أن التنسيق العسكري يكون ضيقاً جداً، ومرتبطاً بالميدان والعلاقات الشخصية والتنظيمية بالدرجة الأولى بين المنفذين، أما التنسيق السياسي فهو أشمل وأوسع".

ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية بجنين أيمن يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن "عملية الفندق أو عملية قلقيلية شكّلت نقطة اختراق نوعية على عدة مستويات، أبرزها أنها عملية مشتركة فصائلياً، وأنها جاءت نتيجة تخطيط دقيق، إذ إن منفذيها من جنين وبلدة قباطية، مع تقارير تفيد بأن أحدهم من طولكرم وآخر من نابلس، ما يعني قطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى موقع العملية". ويضيف: "اختيار الموقع لم يكن عبثياً، بل لأنه يقع في منطقة هادئة من حيث العمليات الميدانية، ما يشير إلى قرار بتوسيع نطاق هذه العمليات خارج المناطق التقليدية".

وفي السياق ذاته، يرى يوسف أن العملية "جاءت في ظل تصاعد المواجهات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وكتيبة جنين، مما يرسل رسالة واضحة بأن الفصائل ما تزال قادرة على تنفيذ عمليات معقدة وميدانية خارج نطاق جنين". ويعلّق المتحدث ذاته: "هذه العملية لا تقتصر على البعد الميداني فقط، بل تحمل دروساً تنظيمية، وتأتي ضمن أهداف سياسية تتعلق بالتصعيد في غزة، بما يشكًل عاملًا ضاغطاً سياسياً على إسرائيل لدفعها نحو التوصل إلى صفقة مع المقاومة في غزة، وبالتالي تشكّل العملية رافعة تفاوضية للمفاوض الفلسطيني بأحداث غزة". 

وفي تعليقه على أن عملية الفندق قد تشكّل مبرراً إسرائيلياً لمخططات استيطانية، يقول يوسف إن "الحكومة الإسرائيلية الحالية استيطانية بامتياز"، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير "يشكلون مثلثاً يدفع باتجاه التوسع الاستيطاني دون الحاجة إلى مبررات". 

أما الباحث السياسي، ساري عرابي، فيرى أن توقيت العمليات غير مرتبط برغبة المقاومة في إيصال رسائل سياسية محددة من خلال الزمان والمكان، بقدر ما أنه مرتبط بظروف أمنية ولوجستية أتيحت للمقاومين. ويشير عرابي إلى أن الرسائل السياسية من العملية تصل للاحتلال بطبيعة الحال بسبب انتهاكاته، وعبر رغبة المقاومة في تأكيد قدرتها على تجاوز كافة المعيقات الأمنية التي يفرضها الاحتلال في الضفة.

ويقول عرابي، في حديث مع "العربي الجديد": "تشير العملية إلى أن العمل المقاوم في الضفة ليس خياراً خاصاً بفصيل معين، بل هو خيار جامع تتبناه معظم الفصائل الفلسطينية. كما يعزز هذا التعاون القدرة على مواجهة الظروف الأمنية المعقدة في الضفة، وربما يوفر حماية أكبر أمام أي دعاية تستهدف فصيلًا بعينه، من خلال التأكيد على أن هذا الخيار يمثل الفصائل الفلسطينية كافة".

في المقابل، تواجه العملية ظروفًا معقّدة، بخلاف ما كان عليه الوضع خلال الانتفاضة الثانية أو قبلها، حيث طوّر الاحتلال بعد الانتفاضة بنية أمنية ضخمة في الضفة، تمكنه غالباً من اكتشاف المقاومين وتحديد هوياتهم فوراً، وبالتالي استشهادهم أو اعتقالهم أو ملاحقتهم خلال وقت وجيز. والدليل على ذلك استشهاد العقل المدبر لعملية قلقيلية، جعفر دبابسة، كما أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس مباشرة بعد تنفيذ العملية، مما يشير إلى تطور أدوات السيطرة والمراقبة التي يفرضها الاحتلال في الضفة، مثل الكاميرات والحواجز، وقدرته على مراقبة الفلسطينيين وشل حركتهم بشكل عام، بحسب ما يقول عرابي. ويحاكي التبنّي المشترك للعملية "نمط عمل قائماً مسبقاً من خلال التشكيلات المسلحة التي ظهرت في عدة مناطق بشمال الضفة، مثل مجموعة "عرين الأسود" في نابلس، التي انتمى إليها أفراد من فصائل مختلفة". 

ويلفت عرابي إلى أن "القول بأن العمليات توفر ذريعة للاحتلال للتوسع الاستيطاني، ينفيه ما جرى طيلة السنوات السابقة، حيث أحرق المستوطنون الطفل محمد أبو خضير في عام 2014، وحرقوا عائلة دوابشة في عام 2015، في أوقات لم تشهد تصاعداً كبيراً في العمليات المقاومة، حتى قبل حرب السابع من أكتوبر، وقبل تصاعد العمليات في الضفة، كان المستوطنون يستبيحون ويجتاحون العديد من الأحياء والمحلات الفلسطينية، ويعتدون على الممتلكات بالحرق والاعتداء".