تطالب أوكرانيا دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومن بينها ألمانيا، بالمزيد من شحنات الأسلحة لدعمها في الحرب التي تشنّها القوات الروسية على أراضيها، وتحثّ على وجه الخصوص، على تسليمها الأسلحة الثقيلة، وخصوصاً المدرعات والمدافع؛ لكن يبدو حتى الآن أن هذه المطالبات ظلّت تحمل إجابات غير واضحة، وتأكيدات أن على أوكرانيا الانتظار، وفق ما صرح به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام البرلمان الفنلندي.
وفي هذا الإطار، تفيد وزارة الدفاع الألمانية بأن خيارات جيشها لتزويد كييف بالأسلحة استنفدت. فعلى الرغم من كلام المستشار الألماني أولاف شولتز أخيراً في البرلمان الألماني حول أن أوكرانيا ستحصل على الأسلحة من ألمانيا، وأن ذلك ممكن وفق القرارات التي يتخذها الحلفاء، وفي ضوء قدرات الجيش الألماني، بينت وزيرة الدفاع كريستينا لامبريشت اليوم السبت، في حديث مع صحيفة "أوغسبورغ ألغماينه"، أنه لا تكاد توجد أي إمكانية لتزويد أوكرانيا مباشرة بالأسلحة والعتاد من مخزون الجيش، لأن الأخير يجب أن يضمن الدفاع الوطني.
وفي الإطار، أشار تقرير صادر عن بوابة "بيونير" أخيراً، إلى أنه وعلى عكس التأكيدات من الحكومة الاتحادية، فإن شحنات الأسلحة الألمانية إلى أوكرانيا تحرز تقدماً طفيفاً، ولا توجد أسلحة ثقيلة في قائمة التسليم، وذلك نقلاً عن وثيقة تمّت الإشارة إليها على أنها سرية. وبحسب "بيونير"، لا توجد توصيلات منتظمة للأسلحة، وأن قائمة التسليم تشمل 500 من صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات، و2053 صاروخ أرض جو قديمة العهد من نوع "ستريلا"، بالإضافة إلى ذخائر وألغام مضادة للدبابات، والملايين من الطلقات من عيارات مختلفة، فضلاً عن مستشفى ميداني ومستلزمات طبية وغيرها.
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "دي فيلت"، أنه وعلى الرغم من استعداد "الناتو" لتسليم كييف أنواعاً من الأسلحة الثقيلة، لكن في نهاية المطاف، وعلى الرغم من أن الحلف هو منصة التنسيق غير الرسمية لتسليم الأسلحة، إلا أنه يجب أن يتم التنفيذ بشكل ثنائي من قبل الدول الأعضاء، ومن بينها ألمانيا، التي تناقش تسليم دبابات قديمة العهد، فائدتها في المعركة محل شك. وبحسب موقع "ماركور"، فإن مئة من ناقلات الجند التي طلبتها أوكرانيا هي من نوع "ماردير"، وهي عربة مشاة قتالية يبلغ طولها 7 أمتار تقريباً وتتسع لسبعة جنود، وتحمل مدفعاً رشاشاً من عيار 20 مليمتراً، وتتميز بمرونتها، ويمكن أن تعبر المسطحات المائية مثل الأنهار على عمق 1,5 أمتار، وتتسلق المنحدرات مع ميل يصل إلى 60 درجة.
وفي خضم ذلك، أبرزت الصحيفة عينها، أن حرب أوكرانيا دخلت مرحلة جديدة، وكل التوقعات تشير إلى نوع مختلف من الأداء الحربي، إذ لم تعد الصواريخ الخفيفة، والقذائف الصاروخية والمضادة للدبابات والطائرات، التي استطاعت من خلالها القوات الأوكرانية إلحاق خسائر مؤلمة بالروس في معركة كييف، كافية، وبات الوضع يحتاج لأنظمة وسلاح ثقيل، ويتعلق الأمر بالدبابات والعربات المدرعة والمدفعية المضادة للطائرات بعيدة المدى، بالإضافة إلى الأنظمة الجوية للترصد، وربما الطائرات المقاتلة وبدون طيار، والصواريخ المضادة للسفن. كل ذلك، وسط الحديث عن خطر الحصار المميت للوحدات القتالية الأوكرانية القوية في دونباس، بواسطة حركة كماشة روسية من الشمال الشرقي والجنوب، والذي بات يتخذ ملامح أكثر وضوحاً أكثر من أي وقت مضى، وفق ما أشارت إليه "نويه تسوريشر تسايتونغ"، رغم شعور الغرب بالارتياح لانسحاب الجيش الروسي الغازي من شمال أوكرانيا، وكون كييف لم تعد مهددة بشكل مباشر.
وفي هذا السياق، ومع ازدياد الدعوات لتسريع تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، قال زعيم الحزب "الاجتماعي المسيحي" في بافاريا ماركوس زودر خلال اجتماع لحزبه، إن البيروقراطية في وزارة الدفاع تمنع سرعة التسليم، وهذا أمر محرج لألمانيا ولا يمكن أن يستمر على هذا النحو. بدوره، أشار وزير الاقتصاد روبرت هابيك إلى أنه يرى المشكلات في وزارة الدفاع بقيادة "الاشتراكي الديمقراطي"، مبرزاً أن ألمانيا دخلت في التزام بتسليم الأسلحة، وهذا يجب ألا يتوقف.
في المقابل، تجد لامبرشيت أن عمليات التسليم المستقبلية يجب أن تتم مباشرة عبر مصانع الأسلحة، أي أن المسؤولية حينها ستقع على وزارة الاقتصاد لأن الأمر يتعلق بصادرات الأسلحة. ومن المعلوم، أن الرقابة الألمانية على تصدير الأسلحة تختلف بين أسلحة الحرب، مثل الدبابات والطائرات المقاتلة أو البنادق الهجومية الأوتوماتيكية بالكامل، والأسلحة الأخرى التي تشمل المسدسات، والرادارات، وأجهزة الاتصالات، أو بعض المتفجرات.
وفي خضم ذلك، بيّنت صحيفة "هاندلسبلات" أن المكتب الاتحادي للرقابة على الصادرات (بافا)، التابع لوزارة الاقتصاد الاتحادية، هو الذي يقرّر تصدير الأسلحة الأخرى، وله سلطة تقديرية. ومن ناحية ثانية، فإن أسلحة الحرب لا يجوز تصديرها إلا بعد آلية من مرحلتين: الأولى، يجب أن يتوفر ترخيص بموجب قانون مراقبة أسلحة الحرب الذي أصدرته الحكومة الفيدرالية، أما الثانية فكما هو الحال بالنسبة للأسلحة الأخرى، يجب التقدم بطلب للحصول على رخصة تصدير بموجب قانون التجارة الخارجية.
وكل ذلك، مؤشر لغياب الإلحاح والتصميم، رغم أن الخطر يهدد أوروبا بأكملها، والتسليح ينقذ المزيد من الأرواح في أوكرانيا التي ما زالت عرضة للهجمات الصاروخية، والتي كان آخرها أمس الجمعة، باستهداف محطة القطارات في كراماتورسك، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 50 من المدنيين العزل وإصابة عشرات آخرين، وهذا ما يستدعي تنفيذ القرارات والوعود على وجه السرعة.