باتت البادية السورية ميدان معارك مفتوحاً بين خلايا نشطة من تنظيم "داعش"، وبين قوات النظام السوري التي تتكبد خسائر تُوصف بـ"الجسيمة"، وفق المعطيات المتوافرة، فيما يتدخل الطيران الروسي من أجل إيقاف مدّ التنظيم الذي يتحرك ضمن مساحة مترامية الأطراف تساعده طبيعتها على توجيه ضربات متتالية لقوات النظام التي تفتقر للدعم والإسناد.
وبيّنت مصادر محلية أنّ بادية الرقة، وخصوصاً في محيط منطقة الرصافة (على بعد ثلاثين كيلومتراً من مدينة الرقة)، تشهد منذ أيام اشتباكات عدة بين خلايا تنظيم "داعش" وقوات النظام، وأشارت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الطيران الروسي يتدخل من أجل إيقاف مسلحي التنظيم، مؤكدةً مقتل العشرات من قوات النظام خلال الأيام القليلة الفائتة. وأوضحت المصادر أنّ قوات النظام في المنطقة المذكورة تفتقد "حتى الطعام"، لافتةً إلى أنّ "عناصر هذه القوات يجبرون ما تبقّى من سكان في القرى التي تقع في ريف الرقة الجنوبي الغربي على تزويدهم بالمؤن".
مقتل العشرات من قوات النظام خلال الأيام القليلة الفائتة جراء الاشتباكات
وتسيطر قوات النظام على جانب من بادية الرقة يبدأ من شرقي منطقة أثريا وينتهي إلى الجنوب من قرية الهورة، بينما تبدأ منطقة سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من التخوم الشمالية للبادية، حيث نشرت في الآونة الأخيرة أسلاكاً شائكة فصلت مناطقها عن مناطق سيطرة النظام.
من جانبها، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الأحد، عما وصفته بـ"المصدر الميداني"، زعمه أنّ قوات النظام و"القوات الرديفة العاملة في البادية السورية، تصدت خلال اليومين الماضيين لهجمات إرهابية ضارية عدة من فلول تنظيم داعش الإرهابي على نقاطها العسكرية المثبتة بمثلث بادية حماة-الرقة-حلب". كما زعم المصدر أنّ قوات النظام "تعاملت مع تلك المجموعات الإرهابية بالأسلحة المناسبة، بمؤازرة الطيران الحربي السوري والروسي المشترك"، مدّعياً القضاء على العشرات من عناصر "داعش" ببادية الرصافة الجنوبية بمحافظة الرقة، وبادية حماة الشرقية وريف حلب الجنوبي الشرقي. وأكد المصدر نفسه "مقتل عدة عناصر من الجيش والقوات الرديفة في الاشتباكات".
وينتشر على طول البادية السورية التي تعادل نحو نصف مساحة سورية (أي نحو 80 ألف كيلومتر مربع)، عدد غير معلوم من مسلحي تنظيم "داعش"، يتحركون بدءاً من ريف حماة الشمالي، مروراً بمنطقة السخنة في قلب البادية، وصولاً إلى أطراف مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي. وترجح مصادر مطلعة وجود عدة آلاف من فلول التنظيم في البادية، يتخذون من جبال وهضاب، خصوصاً في محيط مدينة تدمر، مقرات ومراكز انطلاق لهم، لتنفيذ عمليات مباغتة ضدّ قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها.
"الوطن": قوات النظام تصدت خلال اليومين الماضيين لهجمات إرهابية عدة من فلول تنظيم داعش
وظلّ تنظيم "داعش" مسيطراً على القسم الأكبر من البادية السورية طيلة أعوام، قبل أن يبدأ رحلة تراجع في عام 2017 أمام قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي تسيطر على القسم الأكبر من ريف دير الزور، بدءاً من مدينة الميادين غرباً، إلى مدينة البوكمال شرقاً، وتتعرض بين وقت وآخر لهجمات من خلايا التنظيم. ويستفيد "داعش" من الاتصال الجغرافي بين البادية السورية وبين غربي العراق، وهو ما يمنحه القدرة على المناورة، إضافة إلى تأمين خطوط إمداد لمسلحيه. وكان التنظيم خسر مطلع عام 2019 آخر معاقله في الشرقي السوري وهي بلدة الباغوز، ليس بعيداً عن الحدود السورية العراقية، لصالح قوات "قسد". وبعد فترة كمون في البادية السورية، عاود التنظيم خلال العام الحالي لشنّ الهجمات، ولكنه لا يسعى إلى السيطرة على مدن أو بلدات كي لا يتحوّل إلى هدف سهل للطيران الروسي أو طيران التحالف الدولي.
وفي تطور ميداني يؤكد قدرة "داعش" على شنّ هجمات واسعة النطاق، باغت مساء الجمعة عناصر من التنظيم قوات النظام المتمركزة في حقل "التيم" النفطي من جهة بلدة موحسن في ريف دير الزور، وهو ما أدى إلى مقتل 15 عنصراً من هذه القوات وإصابة 23 آخرين، وفق شبكة "فرات بوست" الإعلامية المحلية. وأشار مراسل الشبكة في المنطقة، إلى أنّ "التنظيم حاول في هجومه الوصول إلى الحقل النفطي، إلا أنه فشل في ذلك نتيجة الاشتباكات العنيفة مع قوات النظام وتدخل الطائرات الروسية". من جهته، أكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مقتل نحو 50 من قوات النظام وتنظيم "داعش" في معارك البادية السورية الدائرة منذ عدة أيام، مشيراً إلى أنّ الطيران الروسي يشن ضربات متواصلة على خلايا التنظيم.