يشهد إقليم كردستان العراق حراكاً سياسياً، تشارك فيه حكومة وبرلمان الإقليم وقوى كردية فاعلة، لتشريع دستور خاص للإقليم، الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، ويضمن منح المحافظات الكردية الثلاث، أربيل، والسليمانية، ودهوك، وضعاً خاصاً كإقليم واسع الصلاحيات.
وأكد مسؤولون في أربيل أن الهدف من وضع دستور خاص بالإقليم يأتي لإنهاء الخلافات داخل القوى الفاعلة، وتشريع عرف أو نهج ثابت في ما يتعلق بالرئاسة ورئاسة الحكومة وباقي المناصب بدون احتكار، فضلاً عن وضع أطر قانونية للكثير من الأجهزة والمؤسسات وعدم تركها عرضة للاجتهادات الشخصية أو القضائية، وهي مسألة تعاني منها محافظات الإقليم منذ السنوات الأولى للاحتلال الأميركي للعراق.
شنكالي: هناك رغبة لإعداد دستور محكم، تكون فيه السيادة للقانون والمؤسسات ومواطني الإقليم
ولا يتطلب إقرار الدستور الداخلي الجديد لإقليم كردستان موافقة السلطات في بغداد، إذ يعتمد على إقراره في برلمان الإقليم ومن ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي، للحصول على نسبة 51 في المائة من أصوات المستفتين. إلا أنه في حال تضمن فقرات أو بنودا تتعارض مع الدستور العام للعراق، النافذ منذ العام 2005، فإن للمحكمة الدستورية العليا حق نقضه واعتباره باطلاً، وهو ما يجعل من مسألة عرض تفاصيله على بغداد والتوافق عليها أمراً مرجحاً، تجنباً لأي مشاكل مستقبلية، خصوصاً أن أربيل تسعى لتصفير مشاكلها مع بغداد، والمضي باتفاقات أبرزها النفط والغاز والحدود الإدارية للإقليم والمنافذ الحدودية مع تركيا وإيران وقضية مرتبات البيشمركة.
وقال الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، محمد الحاج محمود، في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي، إن ممثلين عن جميع الأحزاب الكردية سيشاركون في إعداد مسودة دستور الإقليم، مشيراً إلى أنه ناقش هذه القضية مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني في محافظة السليمانية أخيراً. وأشار إلى أنه سيتم اتخاذ قرار بشأن مشروع الدستور بعد عقد اجتماع قريب للقوى الكردية، متحدثاً عن أن "أغلب فقرات الدستور أنجزت، مع وجود ملاحظات يجري النقاش بشأنها".
وكان البارزاني زار، الأربعاء الماضي، مقر المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل. وأوضح بيان لرئاسة الإقليم أن البارزاني أجرى حوارات مع قادة الحزب بشأن دستور الإقليم، والتهيئة للانتخابات، وقضايا أخرى. وقبل ذلك التقى رئيس إقليم كردستان، في السليمانية، قيادات من حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني، والتغيير، حيث تمت مناقشة قضايا مشتركة، بينها إعداد مسودة الدستور. وكانت هيئة الرئاسة في برلمان إقليم كردستان حددت منتصف مايو/ أيار الحالي موعداً لتلقي ملاحظات القوى الكردية بشأن مسودة الدستور. وأوضحت سكرتير البرلمان منى قهوجي، الشهر الماضي، أن الأطراف الكردية سبق أن اتفقت على أكثر من 70 مادة في دستور الإقليم، إلا أن الإجراءات توقفت بسبب تداعيات جائحة كورونا.
وقال القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، ماجد شنكالي، إن البارزاني بحث مع القوى الكردية عدداً من القضايا، بينها مشروع دستور الإقليم. وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "كتابة الدستور تمثل أمراً مهماً جداً لبناء المؤسسات في الإقليم". ولفت إلى أن "إقليم كردستان تأخر في كتابة دستوره. وهناك رغبة لإعداد دستور محكم، تكون فيه السيادة للقانون والمؤسسات ومواطني الإقليم". وأضاف "الهدف من الدستور هو بناء إقليم متطور، وهناك من النضج الذي وصل إليه إقليم كردستان ما يمكنه من كتابة دستور خاص به"، معتبراً أنه "لا يوجد أي تعارض بين دستور الإقليم والدستور العراقي الاتحادي".
حذر علي مانع من أن أي تعارض مع الدستور العراقي الاتحادي سيؤدي إلى عدم الاستقرار
وشدد عضو في الاتحاد الوطني الكردستاني، في حديث مع "العربي الجديد"، على ضرورة أن يكون الحوار بشأن دستور إقليم كردستان واسعاً، ليشمل قوى السلطة والمعارضة، موضحاً أن الحوارات مع القوى الكردية المعارضة ستكون شاقة، إلا أنه لا بد منها، لأن الدستور ينبغي أن يمثل جميع الأطراف. ولفت إلى أن القوى الكردية ناقشت عدداً من الأبواب الرئيسية التي يراد تضمينها في مسودة الدستور، كالحقوق والحريات والديمقراطية والانتخابات ومخصصات محافظات الإقليم والتداخل بين صلاحياتها، مبيناً أن المرحلة المقبلة ستتضمن الانتقال نحو تركيز الأفكار وكتابتها بهدف التوصل إلى صيغ متفق عليها لفقرات الدستور.
واعتبر النائب عن تحالف "عراقيون" علي مانع أن "الدستور الذي يقصده مسؤولو الإقليم وقواه السياسية يهدف لتنظيم العملية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، واللجوء إليه من قبل الأطراف الموجودة في الإقليم، كمصدر تحاكم لا أكثر". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن النقاشات بين هذه القوى مستمرة، بالتزامن مع حوارات بين بغداد وأربيل لحل الكثير من المشاكل التي غالباً ما تكون عقبة على طريق تحسين العلاقة بين المركز والإقليم. لكنه دعا، في الوقت ذاته، إلى "عدم تضمين دستور إقليم كردستان فقرات يمكن أن تتناقض مع الدستور العراقي الاتحادي، إذ إن أي تعارض سيؤدي إلى عدم الاستقرار".
وكان برلمان إقليم كردستان العراق صادق، في العام 2009، على مسودة دستور، إلا أنه لم يتم استكمال إجراءات الموافقة عليه بشكل نهائي. وفي 2015 تم تشكيل لجنة ضمت 21 عضواً، سميت "لجنة كتابة دستور إقليم كردستان"، لكنها لم تتمكن هي الأخرى من إكماله. وتمنح المادة 120 من الدستور العراقي الإقليم حق وضع دستور خاص به، يحدد هيكل السلطات فيه وصلاحياتها، وآليات ممارستها، على ألا يتعارض مع دستور الدولة العراقية الصادر في العام 2005.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حسان العيداني، فإن الدستور العراقي ضمن للأقاليم حق تشكيل دساتير خاصة بها، شرط عدم تعارضها مع الدستور الاتحادي. وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن فقرات دستور الإقليم يجب أن تخضع للتدقيق قبل اعتمادها لضمان عدم تناقضها مع ما نص عليه الدستور العراقي. ولفت إلى أن "إقليم كردستان يمثل كياناً يضم مؤسسات، وله اختصاصات، وتجري فيه عملية انتخابية دورية. كل ذلك يمكن أن يسير بشكل أفضل في حال وجد دستور يضمن العمل ضمن الاختصاصات الممنوحة لإقليم كردستان"، معتبراً أن "الخطوة لا يمكن تصنيفها على أنها خطوة مماثلة لاستفتاء الانفصال الذي نظمه الإقليم نهاية 2017، ويمكن التعامل معها في إطار قانوني تنظيمي لا أكثر".