لم يشهد القسم الخاضع لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من ريف دير الزور الشرقي، في أقصى الشرق السوري، أي هدوء منذ مطلع عام 2019 بعد انهيار تنظيم "داعش" وانتهاء وجوده في هذا الريف، الذي يشهد هذه الأيام تظاهرات في عدة بلدات وقرى احتجاجاً على تردي الحالة المعيشية، على الرغم من كونه يضم كبريات حقول النفط والغاز في سورية، وعلى وجود كوادر حزب "العمال الكردستاني" في المنطقة.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن العشرات من أبناء عشيرة الشعيطات تظاهروا في بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، والخاضع لسيطرة "قسد"، مطالبين بإقالة الفاسدين في مجلس دير الزور المدني ومجالس الشعب، وتحسين الظروف المعيشية للمنطقة. كما طالب المتظاهرون بدعم القطاع الخدمي والصحي وتأمين المحروقات ومحاسبة الفاسدين في كوادر "قسد".
رجحت مصادر محلية اتساع رقعة التظاهرات في حال عدم الاستجابة لمطالب المحتجين
من جهتها، ذكرت مصادر محلية أن سقف المطالب الشعبية في ريف دير الزور ارتفع إلى حد المطالبة بخروج كوادر حزب "العمال الكردستاني"، والتي تتولى مفاصل مهمة في "الإدارة الذاتية"، و"قوات سورية الديمقراطية" من ريف دير الزور. ورجحت اتساع رقعة التظاهرات في حال عدم الاستجابة لهذه المطالب من قبل هذه القوات، التي تهيمن عليها الوحدات الكردية. ولم تقتصر التظاهرات على أماكن تواجد الشعيطات، إذ خرجت تظاهرة في قرية جزرة البوحميد في ريف دير الزور الغربي، وأخرى في قرية الجرذي الشرقي بريف دير الزور، طالب المتظاهرون فيهما بمحاسبة الفاسدين وخروج حزب "العمال" من سورية. ونشرت شبكات محلية مقاطع فيديو أوضح فيها متظاهرون أن الاحتجاجات "سلمية"، مطالبين بتوفير وقود للتدفئة.
على صعيد متصل، ذكرت شبكة "فرات بوست" المحلية أن "رئيس لجنة الرقابة والتفتيش العامة في مجلس دير الزور المدني"، قدم استقالته من اللجنة، بسبب تفشي الفساد وعدم القيام بأي إجراء بحق المتورطين بالفساد. وكان ريف دير الشرقي شمال نهر الفرات، شهد منتصف العام الحالي تحركاً شعبياً كاد أن يخرج عن السيطرة، على خلفية اتهام "قسد" بالقيام بإجراءات تعسفية بحق المدنيين، في سياق عملية عسكرية تستهدف أوكاراً لتنظيم "داعش" في هذا الريف. وفي أغسطس/آب الماضي أشعلت محاولة اغتيال أبرز شيوخ العشائر في ريف دير الزور، وهو إبراهيم خليل عبود الجدعان الهفل، شيخ قبيلة العقيدات أكبر القبائل العربية في هذا الريف، فتيل احتجاجات في عدة مدن وبلدات في ريف دير الزور، في ظل اتهامات لـ"قسد" بالتقاعس الأمني الذي تسبب بمقتل وجهاء وشيوخ عشائر.
وتسيطر "قسد" منذ مطلع 2019 على كامل ريف دير الزور الشرقي شمال النهر، والذي يضم عدة بلدات كبيرة، منها البصيرة وهجين، وبلدات عشيرة الشعيطات، وهي الحمام والغرانيج والكشكية. ويضم هذا الريف كبريات حقول آبار النفط والغاز في سورية، وفي مقدمتها "العمر"، وهو أكبر الحقول النفطية في سورية، ويقع على بعد 15 كيلومتراً شرق بلدة البصيرة بريف دير الزور. وإضافة إلى "العمر"، يضم ريف دير الزور الشرقي حقول التنك، والورد، والتيم، والجفرة، وكونيكو (يضم أكبر معمل لمعالجة الغاز في سورية)، وكلها تقع تحت سيطرة "قسد".
يعاني سكان ريف دير الزور الشرقي من ظروف معيشية صعبة على الرغم من غناه بالموارد البترولية والزراعية
وعلى الرغم من غنى هذا الريف بالموارد البترولية والزراعية، يعاني سكانه من ظروف معيشية صعبة، تعزوها مصادر محلية إلى تفشي الفساد في أجهزة "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، وعدم اكتراث هذه الإدارة بمعاناة المدنيين. وهذه هي المرة الأولى التي ترتفع فيها الأصوات احتجاجاً على وجود كوادر لحزب "العمال الكردستاني" في شرقي سورية، ما من شأنه تحويل مسار مطالب المنطقة من معيشية، تتعلق بتحسين شروط الحياة، إلى سياسية تمس مستقبل هذا الريف.
ولا تضم محافظة دير الزور، سواء القسم الواقع تحت سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية جنوب النهر الذي يطلق عليه تسمية "الشامية"، أو القسم الخاضع لسيطرة "قسد" والمسمّى بـ"الجزيرة"، أي وجود سكاني كردي، وهو ما يدفع سكان المنطقة إلى المطالبة بخروج كوادر كردية جاءت من خارج سورية. ويشكل وجود كوادر "العمال الكردستاني" في صفوف "قسد" معضلة كبيرة تحول دون تحقيق استقرار في الشمال الشرقي من سورية.
وأشار مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قسد" تواجه تحديات عدة، منها التلويح بعملية تركية ثانية في شرقي الفرات، والضغط الشعبي الكبير في المنطقة. وبيّن أن هناك جملة أسباب تؤدي إلى تزايد الاحتجاج الشعبي "منها التردي الأمني وسوء الظروف المعيشية، والفساد"، مضيفاً: هناك حالة رفض لوجود "قسد" في ريف دير الزور الشرقي. وأعرب عن اعتقاده بأن "قوات سورية الديمقراطية ستضطر إلى إجراء مراجعات، ربما تؤدي إلى تنازلات من قبل هذه القوات بسبب عدم وضوح الرؤية لدى الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لـ"قسد"، فضلاً عن وجود ضغط روسي كبير على هذه القوات، متوقعاً تصاعد حركة الاحتجاجات، ما يؤدي إلى بلورة سياسة جديدة لـ"قسد" في مجمل منطقة شرقي نهر الفرات.
ولطالما عانى ريف دير الزور الشرقي من إهمال الحكومات المتعاقبة في سورية منذ عام 1970، حيث استولى حافظ الأسد على السلطة، وأورثها لابنه بشار الأسد في العام 2000. ومنذ 2011، الذي بدأت في ربيعه الثورة السورية، تعرض هذا الريف، مع عموم المنطقة الشرقية من سورية، لجملة تحولات كبرى خلال فترة زمنية قصيرة. وانتقلت السيطرة من النظام السوري أواخر العام 2012 إلى فصائل "الجيش السوري الحر"، ثم إلى تنظيم "داعش" في 2014، والذي خرج أواخر عام 2017 من ريف دير الزور جنوب نهر الفرات فدخلته مليشيات إيرانية، ثم انتهى في شمال النهر، فسيطرت عليه "قسد". ومع تتابع التطورات اضطر عدد كبير من أبناء ريف دير الزور إلى النزوح داخل سورية، أو الهجرة إلى تركيا وبلدان أوروبية، بحيث تقلص عدد السكان إلى الحدود الدنيا.