حراك صيني يتجاوز الحياد إزاء الحرب على غزة

15 أكتوبر 2023
جنود إسرائيليون على حدود قطاع غزة، اليوم الأحد (يوري كورتيز/فرانس برس)
+ الخط -

مع تصاعد حدة الهجمات والمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، تتبلور سياسة صينية غير مسبوقة تجاه الأحداث تتجاوز حدود الحياد الذي ميّز موقف بكين على مدار العقود الماضية، وذلك على جميع المستويات، سواء الحراك الدبلوماسي وتصريحات المسؤولين الصينيين، أو على مستوى التعاطي الإعلامي مع الحرب، أو على مستوى التفاعل الشعبي مع الأحداث.

الموقف الصيني القوي

على المستوى الرسمي، جاء الموقف الصيني قوياً هذه المرة على لسان وزير الخارجية وانغ يي، الذي قال في اتصال هاتفي مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، أمس السبت، إن تصرفات إسرائيل تتجاوز حدود الدفاع عن النفس، داعياً إلى تجنب العقاب الجماعي لسكان غزة. وأضاف أن بلاده تعارض وتدين جميع الأعمال التي تضر بالمدنيين، لأنها تنتهك الضمير الإنساني والمبادئ الأساسية للقانون الدولي. 

وتزامنت هذه التصريحات مع استعداد المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط جاي جون، للقيام بجولة إلى المنطقة الأسبوع المقبل لإجراء محادثات مع الجهات والأطراف المعنية لبحث سبل وقف إطلاق النار.

المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط: إن احتمال توسع رقعة الصراع وامتداده أمر مثير للقلق

وأفادت محطة "سي سي تي في" التلفزيونية الصينية الرسمية، اليوم الأحد، أن المبعوث الصيني "سيزور الشرق الأوسط الأسبوع المقبل للتنسيق مع الأطراف المختلفة من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وحماية المدنيين وتخفيف حدة الوضع والدفع باتجاه محادثات السلام".

وقال جاي في مقابلة مع "سي سي تي في"، إن "احتمال توسع رقعة (الصراع) وامتداده إلى الخارج أمر مثير للقلق"، وفق القناة التلفزيونية.

والتقى جاي، أول من أمس الجمعة، ممثلي الجامعة العربية في الصين. وشدّد على أن بكين تدعم المجموعة الإقليمية "لتؤدي دوراً مهماً في القضية الفلسطينية"، بحسب بيان لوزارة الخارجية. وأضاف البيان أن جاي أبلغ المجموعة بأن بكين "ستبذل جهوداً حثيثة لإعادة عملية السلام في الشرق الأوسط إلى مسارها".

وكان جاي قد أكد في تصريحات سابقة، أن اللجوء إلى العنف لن يؤدي إلا إلى حلقة مفرغة من الانتقام، مما يخلق المزيد من العقبات أمام التوصل إلى حل سياسي. ودعا إلى وقف إطلاق النار والعنف على الفور، وتهدئة الوضع، لتمهيد الطريق أمام الحلول السياسية.

أيضاً على المستوى الرسمي، نشرت وسائل إعلام حكومية، أمس السبت، صوراً التقطتها الأقمار الاصطناعية الصينية (القمر الاصطناعي العلمي الصيني للتنمية المستدامة)، تظهر قطاع غزة في ظلام دامس بعد انقطاع التيار الكهربائي. وأفردت الصحف الرسمية مساحة كبيرة للحديث عن تداعيات انقطاع التيار الكهربائي وتسببه في تفاقم الأزمة الإنسانية. 

تقارير عربية
التحديثات الحية

 

 

 

 

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي الصور، وأبدوا تعاطفاً كبيراً مع الفلسطينيين في غزة. وقد انعكس هذا التعاطف في تفاعل الصينيين مع الأحداث، مع انتشار مقاطع فيديو صغيرة مترجمة إلى اللغة الصينية تبرز حجم الدمار في غزة، فضلاً عن انتشار مقاطع فيديو للسفير الفلسطيني لدى بريطانيا حسام زملط، وهو يرد بحنكة على محاوريه خلال استضافته في القنوات الأجنبية، ولاقت ردوده إشادات واسعة خصوصاً فيما يتعلق بسياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها وسائل الإعلام الأجنبية. 

أيضاً كان لافتاً الدفاع عن الفلسطينيين على منصات السفارة الإسرائيلية في مواقع التواصل الصينية، مثل حساب السفارة على موقع "ويبو" (يتابع حساب السفارة 2.4 مليون صيني) الذي لجأ لاحقاً إلى إغلاق خاصية التعليق لتجنب المزيد من التعليقات التي تدحض الرواية الإسرائيلية.

الصين دولة مسؤولة

في تعليقه على الحراك الصيني غير المسبوق تجاه القضية الفلسطينية، قال الباحث الصيني في العلاقات الدولية وانغ تشي بينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الصين تتصرف وتعمل انطلاقاً من موقعها باعتبارها دولة مسؤولة وعضواً دائماً في مجلس الأمن.

وأضاف أن القوة العسكرية الغاشمة لا يمكن أن تزيف الوعي والحقائق التي يتابعها العالم على شاشات التلفزة وتنقل على الهواء مباشرة، لذلك كان لا بد للصين أن تأخذ هذه الخطوة لوضع حد للمأساة الإنسانية عبر وقف إطلاق النار وفتح ممرات عاجلة لإدخال المساعدات وتأمين الاحتياجات الأساسية. واعتبر وانغ أن ذلك أولوية بالنسبة لبكين في ظل استمرار الهجمات العسكرية واستخدام القوة المفرطة ضد الأطفال والمدنيين في قطاع غزة.

من جهته، اعتبر أستاذ الدراسات السياسية في معهد "قوانغ دونغ"، لين تشين، أن الموقف الصيني متقدم على العديد من الدول، فضلاً عن أنه مقترن بحراك دبلوماسي على أعلى المستويات، وحدد أهدافا واضحة.

ليو مينغ: الصين ترى أن الفرصة سانحة في الشرق الأوسط لطرح نفسها كوسيط بديل للولايات المتحدة

 

وأضاف لين في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك حاجة ملحة لمراجعة مبادرات السلام التي قدمتها بكين من أجل حل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن تفاقم الأزمة والوصول إلى هذه المرحلة الدموية، هو مؤشر على فشل فادح للسياسات الأميركية في المنطقة التي لم تلق بالاً لحقوق الفلسطينيين المشروعة وحلمهم في بناء دولتهم المستقلة.

فرصة سانحة

في المقابل، أبدى الباحث في العلاقات الدولية في معهد "وان تشاي" للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ، ليو مينغ، اعتقاده أن إرسال واشنطن حاملة طائرات إلى سواحل الشرق الأوسط كان مستفزاً بالنسبة لبكين وموسكو على حد سواء، لأنه عكس استعراضاً مفرطاً للقوة ضد مجموعات مقاتلة صغيرة، فضلاً عن أن الترسانة العسكرية الإسرائيلية تعتبر الأقوى في المنطقة وليست بحاجة إلى أي إمدادات. 

وأضاف ليو في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصين ترى أن الفرصة سانحة في الشرق الأوسط لطرح نفسها كوسيط بديل للولايات المتحدة في إدارة ملف القضية الفلسطينية، وأن ذلك يتجلى في حراكها الدبلوماسي على الساحة الدولية في هذه الأوقات الحرجة والظروف الحساسة.

وأشار إلى أن المتابع لوسائل الإعلام الحكومية في الصين، يلاحظ كيف بدأت بكين في إعادة نشر مبادراتها ذات الصلة والحديث عن أهميتها في حل النزاع، وتحميل المسؤولية في تدهور الأوضاع بالشرق الأوسط للإدارة الأميركية.

بدورها، كتبت صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية الصينية في افتتاحيتها، اليوم الأحد، بعنوان: "بينما تؤجج الولايات المتحدة نيران الحرب، تصدّر الصين السلام والتنمية من خلال مبادرة الحزام والطريق"، أن "عودة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى الظهور، يثبت أن العالم لا يزال يمر بمرحلة انتقالية، وأنه لم يتجاوز بعد فترة الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)".

واعتبرت أن "الرماد الذي خلفته الحرب الباردة (1947 ـ 1991) يشتعل من جديد". وأضافت أن معظم دول العالم، تحديداً الدول النامية، تحتاج إلى الاستقرار والتنمية، وإلى قوى أكثر صلابة لدعم السلام، في إشارة إلى الصين.

المساهمون