يكثّف قادة دول حلف شمال الأطلسي جهودهم الدبلوماسية لنزع فتيل أزمة أوكرانيا اليوم الأربعاء، بعدما اتّهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب بمحاولة جر بلاده إلى الحرب بينما ترك في الوقت ذاته الباب مفتوحاً أمام عقد مزيد من المحادثات.
جونسون وبوتين اتفقا على ضرورة إيجاد "حلّ سلمي"
وتوافق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وبوتين الأربعاء على ضرورة إيجاد "حلّ سلمي" للأزمة الأوكرانية، وفق ما أعلن داونينغ ستريت إثر مكالمة هاتفية بينهما.
وقال متحدّث باسم رئاسة الوزراء البريطانية، في بيان، إنّ جونسون وبوتين اتفقا على التزام "روح من الحوار" في ظلّ التوتّرات الراهنة بهدف "ايجاد حل سلمي".
وأضاف أنّ الزعيمين "اتّفقا على أنّه ليس من مصلحة أحد حصول تصعيد"، مشيراً إلى أنّ رئيس الوزراء البريطاني حذّر الرئيس الروسي من أنّ "أيّ توغّل روسي آخر في أوكرانيا سيشكّل خطأ مأسوياً في التقدير".
ولفت البيان إلى أنّ جونسون وبوتين شدّدا خلال محادثتهما على أهمية الحوار بين بلديهما حول موضوعات مثل التغيّر المناخي وأفغانستان والبرنامج النووي الإيراني. وأضاف أنّهما "اتفقا على تطبيق روح الحوار هذه في مواجهة التوتّرات الحالية من أجل إيجاد حلّ سلمي".
من جهتها، قالت موسكو إن بوتين ندّد في محادثته مع جونسون برفض حلف شمال الأطلسي تبديد المخاوف الأمنية الروسية.
وقال الكرملين، في بيان، إنّ بوتين تحدّث عن "عدم رغبة حلف شمال الأطلسي بالتعاطي في شكل ملائم مع المخاوف المشروعة لروسيا" في ما يتّصل بأمنها.
وفي وقت سابق من اليوم، سخرت روسيا من جونسون ووصفته بأنه "مشوش تماماً"، كما سخرت من السياسيين البريطانيين بسبب "غبائهم وجهلهم"، لتوجه مزيداً من الازدراء إلى الغرب بعد أن اتهم بوتين واشنطن بأنها تحاول إشعال حرب.
وشهدت الأسابيع الأخيرة جهوداً دبلوماسية حثيثة لمنع اجتياح روسي لأوكرانيا، بعدما حشدت موسكو عشرات آلاف الجنود عند حدود جارتها الموالية للغرب.
وحذّر القادة الغربيون من أن أي اعتداء سيقابل بـ"عواقب شديدة" تشمل عقوبات اقتصادية واسعة النطاق. وتنفي روسيا أي خطط لاجتياح جارتها، وتتهم الغرب بالفشل في احترام مخاوفها الأمنية عند حدودها.
وحدد مسؤولون روس مجموعة من المطالب لخفض التوتر، تشمل فرض حظر على انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي ونشر أنظمة صاروخية عند الحدود الروسية وسحب قوات الحلف الأطلسي في شرق أوروبا.
وفي أبرز تصريحات يدلي بها بشأن الأزمة منذ أسابيع، اتّهم بوتين الغرب الثلاثاء بتجاهل مطالب بلاده وأشار إلى أن واشنطن تستخدم أوكرانيا كأداة لجر موسكو إلى نزاع.
وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان: "أوكرانيا نفسها ليست إلا أداة لتحقيق هذا الهدف" المتمثّل بالسيطرة على روسيا.
وتابع: "يمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة. جرّنا إلى نزاع مسلّح من نوع ما وإجبار حلفائهم في أوروبا على فرض عقوبات قاسية ضدّنا تتحدّث عنها الولايات المتحدة، فضلاً عن وسائل أخرى".
زيارات إلى أوكرانيا
وأعرب بوتين عن أمله في أن "نجد حلاً في نهاية المطاف، رغم أن الأمر لن يكون بسيطاً". وأجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء، فيما أكد لافروف لاحقاً أن واشنطن اتفقت على عقد مزيد من المحادثات. وسلّمت الولايات المتحدة والحلف الأطلسي ردوداً خطية لموسكو على مطالبها، فيما أكد بوتين أنه يدرسها.
في الأثناء، يتوافد القادة الغربيون إلى أوكرانيا للقاء رئيسها فولوديمير زيلينسكي. وزار جونسون ورئيس الوزراء البولندي كييف الثلاثاء قبل روتي، فيما يتوقع أن يصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أوكرانيا الخميس.
وسيحاول أردوغان استثمار مكانة بلاده الاستراتيجية كعضو في الحلف الأطلسي وعلاقته الودية مع بوتين للمساعدة في حل الأزمة، رغم أن تركيا أثارت حفيظة موسكو ببيعها طائرات قتالية مسيّرة إلى أوكرانيا.
كما يتوقع أن يزور وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني أوكرانيا الأسبوع المقبل، إذ يخططان لزيارة الجبهة شرقاً حيث تخوض قوات كييف معارك ضد انفصاليين مدعومين من الكرملين. ولفت بوتين إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد يزور موسكو في الأيام المقبلة.
وتخوض أوكرانيا معارك ضد متمرّدين في منطقتين انفصاليتين منذ العام 2014، عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم. وقتل أكثر من 13 ألف شخص في المعارك، التي تمثّل آخر حرب كبيرة جارية في أوروبا.
ورحّبت كييف بالدعم الغربي ضد حشد روسيا قواتها، لكن مسؤولين دعوا إلى توخي الحذر، فيما حذّر زيلينسكي من خلق حالة "ذعر" عبر الحديث عن غزو محتمل في أي لحظة.
وثائق: أميركا مستعدة لمناقشة فرض قيود على نشر القوات والصواريخ مع روسيا
في شأن آخر، أظهرت وثائق سرية قالت صحيفة "إل بايس" الإسبانية، إنها ردود واشنطن وحلف شمال الأطلسي المكتوبة على مطالب روسيا الأمنية، أن واشنطن مستعدة لمناقشة التعهد بعدم نشر صواريخ يتم إطلاقها من الأرض أو قوات قتالية في أوكرانيا إذا وافقت روسيا على فعل الشيء نفسه.
ولم تذكر الصحيفة كيف حصلت على المستندات. وقالت الوثيقة الأميركية التي نشرت الصحيفة نسخة منها على موقعها الإلكتروني: "الولايات المتحدة مستعدة لمناقشة إجراءات متبادلة لدعم الشفافية والتزامات متبادلة من جانب الولايات المتحدة وروسيا بالامتناع عن نشر أنظمة صواريخ هجومية يتم إطلاقها من الأرض، وقوات دائمة بمهام قتالية في أراضي أوكرانيا".
وذكرت أيضاً أن الولايات المتحدة وباقي أعضاء حلف شمال الأطلسي على استعداد كذلك لمناقشة إجراءات متبادلة لتجنب الحوادث الخطرة في الجو أو البحر، وطمأنة موسكو بأنه لا توجد صواريخ توماهوك كروز متمركزة في رومانيا أو بولندا.
وامتنع حلف شمال الأطلسي والكرملين عن التعليق لوكالة "رويترز". وتتفق المواقف الواردة في الوثائق، التي سُلمت رسمياً لموسكو في 26 من يناير/كانون الثاني، مع التصريحات العلنية لواشنطن وشركائها في الماضي، خاصة في ما يتعلق بالشفافية العسكرية.
ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الدرع الصاروخية الأوروبية التابعة لحلف شمال الأطلسي في رومانيا، وموقعا مزمعا في بولندا، لن يستخدما لمواجهة الصواريخ الروسية في المستقبل، وإنما للتصدي لتهديدات من إيران والشرق الأوسط بوجه عام.
وعرضت الولايات المتحدة في الرد المكتوب الشفافية بشأن مواقع صواريخها في رومانيا وبولندا إذا فعلت موسكو الشيء نفسه بشأن موقعين في روسيا.
(رويترز، فرانس برس)