لم تنجح المحاولات الأخيرة لقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، للقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على الرغم من أن الأول سعى للقاء في أكثر من مرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، في وقت ظهر الصدر رافضاً لكلّ أشكال التعاطي مع إيران ووساطتها للملمة الأطراف الشيعية للاتفاق على تشكيل الحكومة المقبلة، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة واحتجاجات أنصار التيار الصدري في بغداد والدخول إلى مبنى البرلمان في المنطقة الخضراء، وسط العاصمة بغداد، عمق القطيعة بين الصدر وإيران، ولا سيما بعد تغريدة للمتحدث باسم الصدر صالح محمد العراقي، قال فيها: "سفرة سعيدة"، بالتزامن مع مغادرة قآاني لبغداد الأسبوع الماضي، فُهمت على أنها توديع ساخر له.
#سَفرة_سعيدة
— وزير القائد - صالح محمد العراقي (@salih_m_iraqi) July 27, 2022
😅😊😉
ولا يفوّت الصدر أي تغريدة أو تدوينة عبر منصاته المعروفة والرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا ويذكر فيها "التبعية"، ويقصد الفصائل المسلحة التابعة لإيران، فيما كان قد رفع شعاراً في حملته الانتخابية الأخيرة، "لا شرقية ولا غربية"، التي يقصد فيها حكومة لا تتبع إيران ولا تتبع الولايات المتحدة، كذلك بات أنصار الصدر لا يترددون في الهتاف ضد إيران في كل المحافل وعلى مواقع التواصل، إضافة إلى الاحتجاجات التي تجري في المنطقة الخضراء، وهي سابقة لم تكن معتادة للصدريين.
الصحافة الإيرانية تهاجم الصدر
وعلى الجانب الآخر، توجهت الصحافة الإيرانية لمهاجمة الصدر علناً، ما يؤكد عمق الفجوة والجفاء بين الطرفين، وقد حذرت معظم الصحف الإيرانية الموالية للنظام ما تسميه "خطر" مقتدى الصدر، على مستقبل العملية السياسية في العراق، فيما وصفت احتجاجات الصدريين بأنها "فتنة وأعمال شغب". وقد نشرت صحيفة كيهان المحافظة أخيراً، صورة لتجمّع أنصار الإطار التنسيقي القريب من إيران، واصفة إياه بأنه "استعراض القوة في مواجهة الفتنة في بغداد".
وبيّنت أنه "في وقت أثار فيه التيار الصدري أعمال شغب في العراق منذ أيام، تجمّع العراقيون الداعمون للوحدة والمقاومة في بغداد للوقوف ضد تيار يعمل مع إرادة أو من دونها لمصلحة أعداء الشعب العراقي".
وتواصل "العربي الجديد"، مع ثلاثة من أعضاء التيار الصدري، وقال أحدهم إن "التدخلات الإيرانية في العراق منذ عام 2011 أصبحت سلبية، ومنهكة للعراق، عبر دعمها ولادة العديد من المليشيات التي تحوّلت فيما بعد إلى كيانات سياسية متنفذة، وأمسكت بزمام الوزارات العراقية والهيئات المهمة، إلى أن وصل العراق إلى ما هو عليه".
وأضاف طالباً عدم ذكر اسمه، أن "الصدر لا يمانع أن تكون للعراق علاقات مع إيران، لكن في حدود المشتركات بين البلدين، إضافة إلى التعاون الأمني والاقتصادي، لكن إيران تحوَلت تدريجياً إلى بلد مهيمن على العراق بالكامل".
وذكر آخر موجود حالياً في مبنى البرلمان العراقي، أن "الهتافات ضد التدخلات الخارجية، لا تتوجه نحو إيران فقط، بل إلى أميركا وبعض دول الخليج التي تدعم الأحزاب الفاسدة"، مبيناً أن "إيران لا تؤثر بأمن العراق بواسطة المليشيات المسلحة، بل هي تتحكم بآلية تشكيل الحكومات، وقد وصل حد التدخلات إلى اختيار المسؤولين والوزراء قبل عام 2020 من قبل قادة في الحرس الثوري، لذلك فإن أحد أهداف الصدر، إنقاذ سيادة العراق من خطر التدخلات"، وفقاً لقوله.
لكن في المقابل، يشير علي فضل الله، وهو عضو حركة حقوق التابعة لجماعة "كتائب حزب الله"، أبرز المليشيات المرتبطة بإيران في العراق، إلى أن "هناك أفكاراً مغلوطة كثيرة يتم تمويلها عبر الإعلام وتعميمها في سبيل خلق فكرة زائفة، من بينها أن كل الفساد الإداري والمالي في العراق يعود إلى أحزاب وقوى الإطار التنسيقي، وكأن بقية الأحزاب ليست متورطة بالفساد والإخفاق في إدارة البلاد، كما أن هناك إرادة سياسية تهدف إلى ربط الإطار التنسيقي بإيران، وهو غير حقيقي، لأن الإطار عبارة عن تجمّع يضم كيانات وأحزاباً عراقية".
وبيّن لـ"العربي الجديد" أن "قطع العلاقات مع إيران لن يحدث مهما حصل، لأنها متجذرة مذهبياً وتاريخياً، حتى وإن كانت هناك كيانات سياسية تريد القطيعة مع طهران".
هل يرغب الصدر في قطع العلاقة مع إيران؟
من جهته، أشار المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت في كربلاء غالب الدعمي، إلى أن "العلاقة الصدرية مع إيران علاقة عراقية، والصدر لا يرغب في قطع العلاقات مع طهران، لكنه لا يريد لطهران أن تتغول في بغداد، وتسيطر على القرار السياسي"، موضحاً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الصدر حالياً يرفض ما ينتهجه الإطار التنسيقي من توافق على إدارة البلاد بذات الطرق والآليات الماضية، أي وفق المحاصصة، وأن مشروع الأغلبية يهدف إلى أن تتشكل الحكومة خارج نطاق الطائفية والتخادم مع الخارج، وهو في طريقه إلى تحقيق هذا الهدف بفضل ما يملك من تجمع بشري هائل وإرادة وطاعة جماهيرية".
بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي علي البيدر، أن "الحديث عن إنهاء أي طرف شيعي علاقته مع إيران، يمثل تهديداً لطهران بكل تأكيد، وأن الأخيرة تسعى إلى أن تُبقي خطوط تواصل، حتى وإن كانت ضعيفة مع الأطراف الدينية والسياسية داخل البيت الشيعي، وتحديداً التيار الصدري"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "طهران إن أفلست من التقرب من التيار الصدري عبر السياسة، فإنها ستلجأ إلى التأثير عبر المذهب والتشيّع على الصدر".
ولفت البيدر إلى أن "الصدريين يهتفون في احتجاجاتهم واعتصاماتهم بهتاف "إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة"، وهم لا يقصدون إيران كدولة، بل صوت وأتباع إيران داخل العراق، ولو كانت إيران هي المقصودة من احتجاجات الصدر، فإن الصدريين كانوا سيتجهون إلى السفارة الإيرانية القريبة أصلاً من المنطقة الخضراء، لكن الصدر يريد أيضاً أن تتعامل إيران مع العراق كدولة، وليست مساحة خالية من السيادة، وأن تنتهي حقبة الأوامر والتوجيهات والطاعة العمياء من قبل أطراف شيعية، وضمان احترام خصوصية العراق وعدم التعدي على أراضيه وقراره السياسي"، مشيراً إلى أن "إيران قد تعطي للصدر ما يريد لفترة، لكنها ستنقلب عليه بعد فترة، لأنه لن يلبي لها ما تريد".