انطلقت، اليوم الأربعاء، الجولة الثانية من مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي، في مقرّ الأمم المتحدة في الناقورة جنوبي لبنان، بحضور الوسيط الأميركي السفير جون ديروشر، بعد محادثات أولى عُقدت بتاريخ 14 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وصفتها واشنطن بالبنّاءة.
وأُرجئت المفاوضات الثانية من الاثنين إلى اليوم الأربعاء، لأسباب تقنية مرتبطة بعدم إمكانية الوسيط الأميركي الحضور في الموعد المحدَّد سابقاً، بحسب ما أفاد مصدر في قيادة الجيش لـ"العربي الجديد". ويحضر عن الوفد اللبناني العميد الركن الطيار بسام ياسين، رئيساً، العقيد الركن البحري مازن بصبوص، عضو هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط والخبير نجيب مسيحي، أعضاءً.
ولم يطرأ أي تعديل في أسماء المفاوضين، على الرغم من الخلافات الداخلية التي طاولت التشكيلة، سواء لناحية طلب "حركة أمل" (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، و"حزب الله"، تغييرها بما ينسجم مع اتفاق الإطار الذي أعلنه بري مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أو اعتراض مجلس الوزراء برئاسة حسان دياب على اختيار الرئيس اللبناني ميشال عون للأعضاء، وذلك من بوابة الصلاحيات الدستورية، وإشارته إلى أنّ التفاوض والتكليف بالتفاوض يكونان بالاتفاق المشترك بين الرئاستين، وهو ما ردّ عليه المكتب الإعلامي في الرئاسة اللبنانية، مشدداً على أن رئيس الجمهورية هو الجهة المختصة الوحيدة بالمفاوضة، حتى إن عقد أو أبرم اتفاقاً، وجب عليه الاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء قبل الانتقال إلى مجلس الوزراء، ومن ثم مجلس النواب.
وطوى "الثنائي الشيعي" صفحة الخلافات حول تشكيلة الوفد اللبناني، مؤكداً عبر أوساطه أنّه لا يريد الدخول في مهاترات من أي نوع كانت، من شأنها أن تنعكس سلباً على موقع لبنان التفاوضي، وتهدّد وحدته المطلوبة اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى لمواجهة العدو الإسرائيلي، وبالتالي تهدّد الموقف اللبناني.
ويصرّ الجانب اللبناني على وضع المفاوضات في إطارها التقني غير المباشر، والمحدَّدة بترسيم الحدود البحرية، وهو ما شدد عليه الرئيس ميشال عون خلال لقائه الوفد المفاوض، مؤكداً أن البحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديداً، موصياً أعضاء الوفد بالتمسك بالحقوق المعترف بها دولياً والدفاع عنها، على أن تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من رأس الناقورة براً الذي نصّت عليه اتفاقية بوليه نيوكومب عام 1923 والممتد بحراً، استناداً إلى تقنية خط الوسط، من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، وفقاً لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي.
وقال رئيس الوفد اللبناني، بسام ياسين، بعد انتهاء الجولة الأولى: إنّنا "نتطلع إلى قيام الأطراف الأخرى بما يجب عليها من التزامات مبنية على تحقيق متطلبات القانون الدولي والحفاظ على سرية المداولات".
وأكد ياسين أنّ "اللقاء الأول أطلق صفارة قطار التفاوض التقني غير المباشر، وشكل خطوة أولى في مسيرة الألف ميل حول ترسيم الحدود الجنوبية، وانطلاقاً من مصلحة وطننا العليا نتطلع إلى أن تسير عجلة التفاوض بوتيرة تمكننا من إنجاز هذا الملف ضمن مهلة زمنية معقولة".
في سياق آخر، عُقد أمس الثلاثاء، اجتماع ثلاثي في رأس الناقورة، برئاسة قائد قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان – "اليونيفيل"، ورئيس البعثة اللواء ستيفانو ديل كول، وحضور وفد من ضباط الجيش اللبناني برئاسة منسق الحكومة اللبنانية لدى قوات الأمم المتحدة العميد الركن حسيب عبدو. وتناول الاجتماع الحوادث الأخيرة التي حصلت على طول الخط الأزرق. وأدان الجانب اللبناني الحرائق المستمرة والمفتعلة من قبل العدو الإسرائيلي على الحدود، وأعاد تأكيد التزامه القرارات الأممية، ولا سيّما القرار 1701 ومندرجاته كافة.
كذلك شدّد الجانب اللبناني على ضرورة انسحاب العدوّ الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة، ومنها: المناطق المتاخمة لشمال الخط الأزرق، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من منطقة الغجر، وبقعة B1 المحتلة. وأعاد التشديد على ضرورة إدراج البقعة B1 المحتلة في التقارير والقرارات الأممية القادمة أسوةً بباقي المناطق المحتلة المذكورة. وطالب الجانب اللبناني عبر "اليونيفيل"، بتسليمه خرائط التحصينات التي كان العدو الإسرائيلي قد أقامها إبان الاحتلال، وقد عثر الجيش اللبناني و"اليونيفيل" على إحداها بتاريخ 24 إبريل/ نيسان 2020 في خراج بلدة الغجر.
وكان وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس، قد تحدث الثلاثاء، عشية جولة المحادثات، عن أنّ في لبنان "أصواتاً إيجابية" تتحدث عن "سلام مع إسرائيل".
وقال، خلال زيارة لشمال الأراضي المحتلة: "أسمع أصواتاً إيجابية تأتي من لبنان وتتحدث حتى عن السلام مع إسرائيل، وتعمل معنا في قضايا مثل الحدود البحرية".
وأشرف غانتس خلال زيارته على تدريبات لإعداد جيش الاحتلال لهجوم محتمل من قبل "حزب الله" اللبناني، وفق "فرانس برس". وحذر غانتس من أنه "إذا قام حزب الله بعمل ضد إسرائيل، فسيدفع لبنان الثمن. نحن مستعدون لهذه اللحظة التي آمل ألا تأتي أبداً".
وأكدت ابنة الرئيس اللبناني كلودين عون، في مقابلة تلفزيونية، الاثنين، أن "لا مانع" من التفكير في التوصل إلى سلام مع إسرائيل "لكن بعد حلّ كل المشكلات"، مشيرة بشكل خاص إلى ترسيم الحدود وقضية اللاجئين الفلسطينيين والموارد الطبيعية من مياه ونفط وغاز. ورداً على السؤال: "عندما نحل المشكلات وننهي ترسيم الحدود، كلودين عون لا تمانع أن تبرم الدولة اتفاق سلام مع إسرائيل؟"، أجابت ابنة الرئيس اللبناني: "لماذا سأمانع؟هل المطلوب أن نبقى في حالة حرب يعني؟".