جولة باتيلي الأفريقية: محاولة أممية غير مضمونة لإخراج المرتزقة من ليبيا

06 ابريل 2023
قوات لحفتر في سبها، فبراير 2019 (فرانس برس)
+ الخط -

اختتم المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، الثلاثاء الماضي، جولة أفريقية شملت السودان وتشاد والنيجر، وناقش خلالها مع مسؤولي هذه الدول سبل تسريع مغادرة المرتزقة الأفارقة الأراضي الليبية، وسط تساؤلات عما إذا كان بدأ العد التنازلي لإنهاء ملف الوجود الأجنبي العسكري في هذا البلد.

والتقى باتيلي، الخميس الماضي في العاصمة السودانية الخرطوم، رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، ووزير الشؤون الخارجية علي الصادق علي الذي أبلغ باتيلي أنه يمكن الاعتماد على الخرطوم في دعم خطوات الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا. من جهته، أكد باتيلي على ضرورة تضافر جهود الدول المجاورة لليبيا مثل السودان وتشاد والنيجر في ما يتعلق بإجلاء الحركات المسلحة الأجنبية والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية.

كما التقى باتيلي الرئيس الانتقالي في تشاد محمد ديبي، في نجامينا، السبت الماضي، والذي أبلغ المبعوث الأممي برغبة سلطته في انخراط أكبر في الجهود الأممية الرامية إلى إرساء السلام والاستقرار في ليبيا، خصوصاً من خلال "لجنة التواصل التشادية التي تنسق عملية انسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا بما لا يؤثر سلباً على دول الجوار".

وفي نيامي، أطلع باتيلي رئيس النيجر، محمد بازوم، الإثنين الماضي، على "جهود تسريع انسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا"، بعدما التقى وزير الدفاع النيجري، لقاسوم إنداتو، واستعرض معه "آليات التنسيق لدعم عمل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بهدف تسهيل الانسحاب المُنسق للمرتزقة والمقاتلين النيجريين من ليبيا"، وفق تغريدة لباتيلي على حسابه على "تويتر".

وأكد بيان صادر عن البعثة الأممية في ليبيا، أمس الأربعاء، أن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا عبد الله باتيلي اختتم أول من أمس الثلاثاء زيارة رسمية قادته للمرة الأولى منذ توليه منصبه إلى دول الجوار جنوب ليبيا، السودان وتشاد والنيجر. وقالت البعثة إن باتيلي ناقش مع كبار المسؤولين في هذه الدول سبل إرساء السلام والاستقرار في ليبيا، بما في ذلك من خلال سحب المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، والرفع من كفاءة التنسيق بين البلدان المعنية بهذا الملف.

وفي تغريدة له "تويتر"، قال باتيلي أمس أيضاً إنه التقى اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، مساء الثلاثاء في بنغازي، مضيفاً أن اللقاء ركّز على كيفية تسريع الجهود لإجراء الانتخابات دون مزيد من التأخير. وأضاف أنه جرى خلال اللقاء الاتفاق "على عدم ادخار أي جهد لتعزيز الأمل والمصالحة بين الليبيين، بمن في ذلك قادة اللجنة العسكرية المشتركة 5+ 5 وقادة الوحدات العسكرية والأمنية من جميع أنحاء ليبيا، لتحقيق السلام والاستقرار".

ملف مرتزقة ليبيا... تقدم طفيف

وكان باتيلي قد أكد في تغريدة، قبيل بدء جولته الأفريقية، أنها تأتي "في إطار تفويض بعثة الأمم المتحدة لإعادة السلام والاستقرار إلى البلاد، لا سيما من خلال دعم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وتسريع انسحاب المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا"، مشدداً على "الحاجة إلى العمل مع الشركاء لمواجهة هذا التحدي دون التأثير سلباً على دول الجوار الليبي أو على المنطقة".

الصيد عبد الحفيظ: بقاء المرتزقة يتطلب دفع الأموال باستمرار

وجاءت جولة باتيلي بعد نجاحه في نقل ملف المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا، خطوات إلى الأمام، من خلال رعايته تنظيم لقاءات بين أعضاء لجنة (5 + 5) العسكرية الليبية وممثلين عن دول السودان وتشاد والنيجر، انبثق عن آخرها، الذي عقد في القاهرة مطلع فبراير/شباط الماضي، تشكيل لجان تواصل بين اللجنة وممثلي هذه الدول. كما تمّ الإعلان في آخر لقاء، عن اتفاق الطرفين على اعتماد "آلية متكاملة للتنسيق المشترك بشأن جمع وتبادل البيانات حول المرتزقة والمقاتلين الأجانب"، وفقاً لبيان صدر عن البعثة الأممية.

وتتشكل خريطة الوجود الأجنبي في ليبيا، من قوى رئيسية، في مقدمتها قوات تركية تتواجد في غرب البلاد بشكل معلن بناء على اتفاقات موقعة بين الجانب التركي والسلطات الحكومية في طرابلس. كما يتمركز في البلاد مقاتلون تابعون لشركة "فاغنر" الروسية وآخرون تابعون لحركات التمرد السودانية والتشادية. وتقاتل هذه القوات، إلى جانب مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتتوزع في مواقع عسكرية وحيوية في شرق وجنوب البلاد.

ولا يعرف على وجه التحديد أعداد هذه القوى العسكرية، فبينما لم يعلن الجانب التركي عن حجم وجوده الحقيقي، أشارت تقديرات أميركية سابقة إلى وجود قرابة ألفي مقاتل روسي من "فاغنر" في ليبيا. لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قالت أخيراً إنه لم يبق من هؤلاء، سوى 300 مقاتل، بسبب انسحاب أكثرهم للمشاركة في القتال الدائر في أوكرانيا.

وكذلك الحال بالنسبة لمقاتلي حركات التمرد السودانية والتشادية. فبينما أشارت تقديرات سابقة إلى بلوغ عددهم 3 آلاف مقاتل، إلا أن دخول السودان في تحولات سياسية جديدة يشارك فيها زعماء حركات التمرد التي كان مقاتلوها يشاركون في حروب حفتر، دفع مراقبين للتكهن بإمكانية تناقص أعدادهم في ليبيا. وبالتزامن وردت تقارير أخرى تحدثت عن تراجع أعداد المقاتلين التشاديين أيضاً في هذا البلد، استناداً إلى بيان أصدره "اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية" التشادي، في يناير/كانون الثاني الماضي، أكد فيه بدء انسحاب مقاتليه "من مدينة سبها بالجنوب الليبي باتجاه الأراضي التشادية الحبيبة".

مناخ دولي متبدل

ويعود الغموض المحيط بمواقع وأعداد المقاتلين المرتزقة في ليبيا، إلى تبدل المناخ العام في هذا البلد، بحسب الأكاديمي والخبير الأمني الصيد عبد الحفيظ، فـ"الهزيمة التي لحقت بحفتر وقواته جنوب طرابلس دفعت الأوضاع إلى التنافس السياسي و(إحياء) زخم الانتخابات"، بحسب قوله. ورأى أن هذا الأمر "دفع بأطراف الصراع لأن تقلّل من اعتمادها على هؤلاء المرتزقة، خصوصاً أن بقاءها يتطلب دفع الأموال باستمرار، فكل طرف أبقى فقط من حلفائه الأجانب على ما يمكن الاعتماد عليه في دفع المخاوف من الطرف الآخر".

ولفت عبد الحفيظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تبدل الأوضاع في البلاد رافقه تغير دولي كبير جعل القوى الأجنبية مرتبطة بالتطورات الخارجية، وبدأت معها محاولات تخلص كل طرف ليبي من علاقته بأولئك المرتزقة حتى لا يصنف ضمن الاصطفافات الدولية الكبرى". واعتبر أن تراجع أعداد المقاتلين الأجانب رفقة التغيرات الدولية أصبح عاملاً مساعداً لتخلص ليبيا من الوجود الأجنبي.

ورأى عبد الحفيظ أن ما دفع باتيلي لزيارة دول الجوار الأفريقي، إدراكه لسهولة التفاوض مع سلطات تلك الدول من أجل قبولها بعودة مقاتليها من ليبيا وفق أي اتفاقات قد تنتهج نهج اتفاق الدوحة بين الفصائل التشادية. وبرأيه، فإن "الظروف التي تعيشها روسيا قد تضطرها إلى السعي لخفض حدة خصومتها مع الغرب لتجاوز إمكانية التصعيد في الساحة الليبية مثلاً، وربما يكون ذلك عبر سحب البساط من أمام خصومها في الغرب بإخلاء مواقع فاغنر واستبدال مواجهة عسكرية محتملة معها في ليبيا بزيادة ثقلها السياسي". وتعزّز هذا الرأي، وفق قوله، باستضافة موسكو لوفد برلماني رفيع من ليبيا، الأربعاء الماضي، وقبلها إصدار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قراراً بتعيين سفير جديد في طرابلس على دراية واسعة بالشأن الليبي، وهي خطوات تؤشر إلى إمكانية تغيير موسكو لكيفية تعاطيها مع الملف الليبي، بحسب عبد الحفيظ.

في المقابل، اعتبر الباحث الليبي المتخصص في الشؤون الأفريقية، موسى تيهو ساي، أن إخراج المرتزقة من ليبيا في الوقت الحالي "احتمال ضعيف جداً"، معلّلاً ذلك بأسباب عديدة، من بينها أن باتيلي لم يلتق في جولته الأفريقية بالشخصيات المرتبطة بشكل مباشر بالفصائل المسلحة الأفريقية المتواجدة في ليبيا.

ففي السودان، يؤكد تيهو ساي، أن "الشخص الوحيد الذي يمكن الحديث معه عن المرتزقة السودانيين ويملك قرار إخراجهم من ليبيا هو محمد حمدان دقلو (حميدتي)"، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وقائد قوات "الدعم السريع"، مستغرباً عدم لقاء باتيلي به خلال زيارته الأخيرة للسودان أو دعوته للمساعدة بأي دور في سحب الفصائل السودانية من ليبيا.

وذكّر تيهو ساي في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن المرتزقة السودانيين في ليبيا بمسمياتهم المختلفة، هم جزء من الجنجويد الذين يشكلون اليوم قوات "الدعم السريع" في السودان. وأضاف أنه "من نافل القول الحديث عن ارتباط هذه الفصائل بشكل وثيق وكامل بحميدتي، كما أنه هو من جاء بهم إلى ليبيا بناء على توافقات سابقة مع حفتر".

تيهو ساي: باتيلي لم يلتق في جولته بالشخصيات المرتبطة مباشرة بالفصائل المسلحة المتواجدة في ليبيا

وبسبب علاقة الفصائل السودانية بحميدتي، رأى تيهو ساي أن لقاء باتيلي برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان "لا يمكن أن يساعد في إخراج المرتزقة السودانيين من ليبيا في ظل الخلافات السياسية الدائرة الآن في السودان، وعلى الأخص بين البرهان وحميدتي". ولفت إلى أن خلافاتهما من بين أسبابها، نفوذ "الدعم السريع" في السودان وخطر تشكلها من فصائل كانت تؤجر البنادق في مناطق النزاع الأفريقي، ومنها ليبيا حيث لا يزالون حتى الآن، وفق قوله.

أما بالنسبة للفصائل التشادية فأمرها "أكثر تعقيداً" بحسب تيهو ساي، فهي ليست جزءاً من السلطة في تشاد بل قوى معارضة "ولذا ليس لدى شخصيات السلطة التشادية التي التقاها باتيلي قدرة على إخراجها من جنوب ليبيا".

واعتبر تيهو ساي أن إخراج الفصائل التشادية "ممكن من خلال أمرين: إما أن يستجيب النظام الرسمي في تشاد لمصالح هذه القوى وفق اتفاقات دولية كما هو الحال في اتفاق الدوحة، أو أن يتم إخراج هذه القوى بقوة السلاح"، مشدداً على أن "كلا الأمرين صعب، فأبرز تلك القوى وهي جبهة فاكت (جبهة التغيير والوفاق) لم تنضم لاتفاق الدوحة واستيعابها لا يزال بعيداً، كما أنه لا توجد إرادة ليبية لإخراج تلك الفصائل بقوة السلاح في ظل التشظي الليبي".

ولفت تيهو ساي إلى جانب آخر يزيد من تعقيد ملف المقاتلين الأجانب في ليبيا، ويتعلق بارتباط بعض حركات التمرد الأفريقية بمجموعات "فاغنر" الروسية، والمصالح المتبادلة بينهما. وقال حول ذلك: "على سبيل المثال ارتباطات قوى المعارضة التشادية بفاغنر إبان إطاحة الرئيس (السابق) إدريس ديبي (توفي في إبريل/نيسان 2021 متأثراً بجروج أصيب بها خلال قتال على خط الجبهة مع المتمردين بحسب الإعلان الرسمي)"، ولذا اعتبر ساي أن خروج "فاغنر" سيسهل خروج كل القوى الأجنبية من ليبيا "لأن مسألة فاغنر هي الأكثر تعقيداً وخطورة".

وبشأن "فاغنر" تحديداً، قال ساي إن "الروس يحاولون ألا يكون هناك أي إخراج للمرتزقة حتى لا يوضع الوجود الروسي في زاوية الإحراج، وقد سبق أن طرحت موسكو على المستوى الرسمي مسألة الخروج المتزامن وتعني به خروج القوات التركية من ليبيا"، معتبراً أن هذا الطرح صعب في الآونة الحالية لاشتباك أوضاع الداخل الليبي بالمتغيرات الدولية.

وفي سياق حديثه عن تعقد مسألة الوجود الروسي في ليبيا، كشف تيهو ساي عن سيطرة "فاغنر" على قرابة 20 معسكراً في ليبيا "بالإضافة إلى خمس قواعد عسكرية أهمها قاعدة الجفرة، وأيضاً لهم دوريات متحركة في الصحراء".

ولفت تيهو ساي إلى أن ارتباطات "فاغنر" بحفتر "ليست كما كانت في السابق، فهناك خلافات بينها وبين حفتر الذي لم يعد له سيطرة عليها، وهي باتت تدير تحركها باستقلالية عنه، وتحولت الآن إلى قوة احتلال حقيقية ولديها قواعد وسلاح جو متقدم ومنظومة دفاع جوي ونظام أمن سيبراني وقامت بتأهيل مهابط في قاعدة براك الشاطئ قرب سبها". وأضاف أنه "لهذه الأسباب، فنحن نتحدث عن وجود روسي خشن، ولا توجد أي قوة ليبية تملك السيطرة الآن على هذا الوجود العسكري الذي تحول إلى قوة أمر واقع".

ووفقاً لتيهو ساي، فقد بات وجود الروس في ليبيا أمراً معقداً وخطراً، وقال: "حتى الغرب وفي مقدمتهم واشنطن، يصعب عليهم التعامل مع الوجود العسكري الروسي الآن، فمقابلته بالقوة ستعيد ليبيا إلى مربع الحرب خصوصاً أن ساحتها ستكون قريبة من المنشآت النفطية وتداعيات ذلك كبيرة كتعطيل إنتاج النفط مثلاً".

وبرأيه، فإن الطريق لإخراج القوى الأجنبية هو "حسم مسألة الشرعية في ليبيا وإنتاج سلطة يمكن أن تبسط سيطرتها على كامل البلاد، وبعد ذلك يمكن التعامل مع مسألة فاغنر والقوى الأجنبية". وتوقع أن "المجتمع الدولي ينظر إلى المسألة بهذه الطريقة، وهذا ما يفسر الإصرار الدولي على ضرورة إجراء انتخابات للوصول إلى سلطة شرعية جديدة".

المساهمون