جولة أحمد عطاف في منطقة الساحل: متغيرات جزائرية وقراءات استباقية

03 مايو 2023
عطاف (وسط) خلال زيارة إلى نواكشوط أخيراً (صفحة وزارة الخارجية الجزائرية على فيسبوك)
+ الخط -

للمرة الأولى، يختار وزير خارجية جزائري مُعيّن حديثاً، أن تكون دول في منطقة الساحل، المحطة الأولى لزياراته الخارجية، بخلاف ما كان يحصل في السابق، حين كانت أولى الزيارات التي يقوم بها وُجهتها العواصم الغربية والمؤثرة في القرار الدولي.

3 ملفات رئيسية بجولة عطاف

وأنهى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الذي عيّنه الرئيس عبد المجيد تبون في مارس/آذار الماضي خلفاً لرمطان لعمامرة، قبل أيام، جولة قادته إلى ثلاث دول في منطقة الساحل الأفريقي بجوار الجزائر، هي موريتانيا ومالي والنيجر، حيث أجرى مباحثات مع قادة هذه الدول تمحورت حول ثلاثة ملفات أساسية.

وتزامنت الزيارة مع التعقيدات الصعبة التي تمر بها المنطقة، والتي تخص ملف الأمن والتعاون العسكري، وملف التعاون الاقتصادي والتجاري وتنمية المناطق الفقيرة، وملفاً ثالثاً ذا صلة بمشاريع حيوية ثنائية ومتعددة الأطراف يجري تنفيذها، ومن شأنها أن تعزز التنمية وموارد دول المنطقة وتعود بالمصلحة على شعوبها.    

ويقرأ محللون في اختيار عطاف لمنطقة الساحل كأولى محطاته الخارجية بعد تعيينه، على أنه مؤشر واضح على التوجهات الجديدة التي طرأت على أولويات السياسية الخارجية للجزائر، وتعاطيها مع المسائل الإقليمية، وخصوصاً بعد مرحلة انكفاء بعد عام 2013، خلال فترة مرض الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، ثم انشغال السلطة بإعادة ترتيب بيتها الداخلي في مرحلة الحراك الشعبي. وتؤكد الزيارة أيضاً أن الجزائر باتت أكثر تحكماً في ملفات المنطقة، بما يسمح لها بالمرور مباشرة دون شراكة مع أطراف أخرى كانت أكثر نفوذاً فيها، كفرنسا.

تؤكد جولة عطاف أن الجزائر باتت أكثر تحكماً في ملفات المنطقة بما يسمح لها بتخطي شراكة أطراف أخرى كفرنسا

ويُقدّر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، أن محددات الاهتمام للسياسة الخارجية الجزائرية قد تمّ تركيزها منذ فترة على الجوار الإقليمي كأولوية استراتيجية في أجندة العمل. ويعتبر بوقاعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه من هذا المدخل يمكن تفسير زيارة وزير الخارجية لموريتانيا ومالي والنيجر كأول محطة له منذ تسلّمه منصبه، وهو تركيز جاء نتيجة استقراء مخلفات الغياب السياسي للجزائر عن المنطقة في الفترة الماضية، وتداعياته على الأمن القومي للجزائر والإقليمي.

ولذلك، وفق الأستاذ الجامعي، فإن التوجه الجديد للسياسة الخارجية الجزائرية، مرتبط بجهد استباقي يسمح بالتحكم في الوضع وفي أي تداعيات محتملة، ويمنع وضع طوق من النار على الجزائر. ويذكّر بوقاعدة بقول تبون سابقاً إن الجزائر يجب أن تكون حاضرة ومؤثرة في أي سياسات أو صياغة حلول لأزمات المنطقة، خصوصاً مع رغبتها في أخذ زمام المبادرة السياسية في المنطقة بعد تراجع الهيمنة الفرنسية في منطقة الساحل.

ويشير الأستاذ الجامعي في هذا الصدد إلى توجس جزائري لافت "من تكرار سيناريو السودان في مالي، بعد المؤشرات السلبية الدالة على سعي الحكّام الجدد في مالي للتخلص من اتفاق الجزائر وفرض واقع جدي على الأطراف الموقعة، وتزايد نشاط الجماعات المسلحة في النيجر والساحل".

مشاريع جزائرية تتطلب الاستقرار

وتبرز في السياق نفسه، الحاجة الماسة بالنسبة إلى الجزائر، إلى وضع الاستقرار في هذه الدول، بما يساعد الجزائر على تنفيذ خطط توسع اقتصادي وفتح خطوط ومنافذ تجارية وتنفيذ مشاريع بالغة الحيوية.

ومن هذه المشاريع، الطريق الصحراوي الذي يربط على مسافة 700 كيلومتر بين مدينة تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، للمساعدة على فتح ممر للسلع الجزائرية إلى غرب أفريقيا وعمقها، وأنبوب الغاز (نيجيريا - النيحر - الجزائر)، والتنقيب عن المحروقات من قبل شركة "سوناطراك" الجزائرية، بحسب ما أعلنه الرئيس الجزائري قبل فترة قصيرة.

ومن المشاريع كذلك، مدّ خط سكة الحديد بين الجزائر إلى جنوب البلاد، ومنها إلى مالي، ومشروع الألياف البصرية، وسلسلة مشاريع تنموية وخدمية تعتزم الجزائر تنفيذها في شكل مساعدات لشمال مالي، تديرها الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، التي خصّصت لها موازنة بمليار دولار.

ويؤشر تركيز وزير الخارجية الجزائري، خلال لقاءاته في كل من موريتانيا ومالي والنيجر، على طرح القضايا الاقتصادية ومشاريع التنمية ومناقشتها، بذات القدر أو أكثر من مناقشة المسائل المرتبطة بالأمن، على رغبة الجزائر في وضع مقاربة التنمية والأمن موضع التنفيذ، واعتبار أن عامل التنمية وتثبيت السكان في مناطقهم في دول الساحل، وتنظيم قطاعات التجارة البينية، وتحريك عجلة شاحنات التجارة، كلّها أمور لا تقل أهمية عن زمجرة الدبابات.

بوقاعدة: التوجه الجديد مرتبط بجهد استباقي يسمح بالتحكم في الوضع وفي أي تداعيات محتملة

وترى الجزائر أن توفير خدمات الصحة والتعليم، من شأنه أن يسهم في وضع بدائل ممكنة للتهريب وشبكات الإتجار بالسلاح والمخدرات والإرهاب، وهي مقاربة ترافع عنها الجزائر في اللقاءات الثنائية أو المحافل الإقليمية والدولية، كانت آخرها الرسالة التي وجهها تبون إلى مجلس الأمن الدولي بصفته منسق الأمن ومكافحة التطرف في أفريقيا، نهاية مارس الماضي، حيث دعا إلى "الاستثمار أكثر في التنمية الاقتصادية بالقارة الأفريقية، انطلاقاً من التجارب الواقعية التي تثبت يوماً بعد يوم أنه لا يمكن تحقيق استقرار مستدام دون تنمية مستدامة".

متغيرات دبلوماسية تواكب المرحلة

وفي هذا المنحى، يؤكد الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية في باريس، فيصل أزغدارن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الجزائر ودول الساحل، كثيرة ومتعددة ومعقدة في آن واحد، وهناك يقين بأن العقيدة الدبلوماسية الجزائرية قد طرأت عليها تغييرات بسبب المستجدات على الساحة الدولية والإقليمية".

ويشرح أزغدارن في هذا الصدد أن "قضية الحفاظ على الأمن القومي تتعدى في كثير من الأحيان الحدود والمعنى العسكري، لأن معالجة غياب الاستقرار السياسي في ليبيا وعودة تغول الجماعات الإرهابية في المناطق الحدودية على محور نيجر ــ مالي، ومالي ــ بوركينا فاسو، تستدعي أيضاً النظر إلى أسبابها العميقة المتعلقة بغياب التنمية، لذلك يجري التركيز من جانب الجزائر أيضاً على إيجاد حلول دائمة في إطار مقاربة تنموية وليست أمنية بحتة كما ذكر ذلك الرئيس عبد المجيد تبون".

فيصل أزغدارن: ترى الجزائر أن غياب الاستقرار ببعض الدول يستدعي النظر في أسبابه العميقة المتعلقة بغياب التنمية

وإضافة إلى الاعتبارات السياسية التي تخص عودة الجزائر الواضح للاهتمام بتركيز علاقات أكثر عمقاً مع دول الجوار، وإنزال قدر ممكن من الثقل الاقتصادي لمساعدة دول المنطقة حفاظاً على الاستقرار، هناك قراءة أمنية يمكن أن تعطى لهذه الزيارة السياسية، تبرز أكثر من خلال مرافقة مدير جهاز المخابرات الخارجية جبار مهنا لوزير الخارجية أحمد عطاف.

وفي السياق، يعرب عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عبد السلام باشاغا، عن اعتقاده بأنه "يمكن قراءة الزيارة، في سياقها وتوقيتها، في تجاه الحساسية الجيوسياسبة لمنطقة الساحل بالنسبة إلى الجزائر وتأثير الأوضاع فيها مباشرةً في الأمن الجزائري، وأيضاً لهشاشة الأوضاع الداخلية في تلك البلدان، ما يتطلب تعزيز التواصل بين الأطراف فيها لتقوية الاتفاقات القائمة".

ويذكّر باشاغا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأنّ الجزائر كانت "دوماً طرفاً فاعلاً في عقدها، إضافة إلى ثقة الأشقاء في الساحل بوساطة الجزائر المؤتمنة من جهة أخرى". وبرأيه، فإنه "يمكن أيضاً ربط هذه الجولة بالتطورات الحاصلة في السودان وإمكانية تأثير ذلك في المنطقة ككل ودول الساحل على وجه الخصوص، باعتبار السودان البوابة الشرقية للصحراء الكبرى، فضلاً عن الامتدادات الجغرافية والإثنية بين السودان ودول الساحل، وخصوصاً التشاد". ولهذا السبب، من الطبيعي أن تلتفت الجزائر وتركز أكثر في تفعيل دبلوماسيتها تجاه حدودها الجنوبية مع الأشقاء والجيران في دول الساحل"، بحسب باشاغا.

المساهمون