تحتل وحدة "السايبر" في جيش الاحتلال الإسرائيلي حيزاً خاصاً ومهماً منذ أن قرر رئيس أركان الجيش الحالي، غادي أيزنكوت، إخراج الوحدة من شعبة الاستخبارات، وبناء جيش "سايبر" مستقل عن الشعبة وعن ميزانياتها، وتحويل هذه الذراع إلى إحدى أهم وسائل الدفاع والهجوم في الحروب الإسرائيلية المقبلة وفي "العمليات السرية" المختلفة.
يصف تقرير خاص نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عناصر هذه الوحدات قائلاً: "عندما ترى المرشحين للخدمة في مسار حرب السايبر الهجومي، تدرك أنه لن يخرج من بين هؤلاء مقاتلون لسرية الأركان النخبوية، لكن القلة القليلة من المرشحين الذين يصلون خط النهاية في عملية الترشيح والقبول، يشاركون في مهمات لا تقل سرية ولا ذكاء وتطوراً في إطار شعبة الاستخبارات العسكرية والموساد والشاباك".
ومن أهم ما يكشف عنه التقرير، بحسب رئيس القوى البشرية في سلاح "السايبر"، الكولونيل "أفيرام" (45 عاماً)، هو الكم الهائل من المرشحين للانضمام لهذه الوحدة، ما جعل أفيرام يقول إنه "لا يتمتع أي جسم في العالم، بما في ذلك غوغل وفيسبوك وحتى الجيش الأميركي بالميزات المتوفرة لنا في اختيار المجندين لهذا السلاح، فنحن الوحيدون الذين نملك حرية اختيار المرشحين من مجمل دورة تجنيد كاملة كل عام للجيش". وتقوم لجنة عسكرية خاصة مكونة من ستة عناصر بمن فيهم الكولونيل أفيرام، باختيار المجندين للوحدة بدقة وعناية كبيرتين. ويتم سنوياً فرز واختيار العشرات فقط لهذه الوحدة.
ويقرّ المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، بأن حرب "السايبر" تحولت في العقد الأخير لأحد ميادين المواجهة الأكثر أهمية. وأشار إلى أنه تم في الشهر الماضي الكشف عن كيفية نجاح حركة حماس عبر عملية هجوم "سايبر" ذكية، في اختراق الهواتف الذكية لمئات من جنود الاحتلال من خلال زرع "بروفيلات" لفتيات حسناوات على مواقع التواصل الاجتماعي، تبيّن لاحقاً أن من يقف وراء هذه الصور والشخصيات الوهمية هم عناصر الذراع العسكري لـ"حماس". وأوضح أنهم تمكنوا عبر هذه الوسيلة من الوصول إلى قلب معسكرات الجيش وتصوير ما فيها من خلال تحويل هواتف الجنود إلى كاميرات تصوير تبث كل شيء لمركز الذراع العسكري، بمجرد قيام الجندي بإنزال رسائل الفتيات الحسناوات على تطبيق هاتفه النقال.
ويشير التقرير إلى أن سلاح "السايبر" الإسرائيلي تطور للغاية وأصبح اليوم من أكبر الوحدات، وإن كان نشر معلومات عن عدد العاملين في قطاع "السايبر" يمثل سراً عسكرياً. ويشكل العاملون في سلاح "السايبر" قوة كبيرة تعمل لصالح المهام التي تقرها شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" و"الموساد" وكذلك "الشاباك".
وتؤكد الضابطة هيلا أن عمليات التصنيف الأولية تبدأ عملياً عندما يكون هؤلاء في المرحلة الثانوية في صف الثاني عشر، إذ يتضح في "بروفايل" هؤلاء أن غالبية صداقاتهم يكوّنونها عبر شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك. ويأتي غالبية المرشحين لهذه الوحدة في المراحل الثانوية من طلبة تخصصات المعلوماتية والتكنولوجيا وأيضاً من التخصصات التي بدأ أخيراً إقرارها في المدارس الثانوية الإسرائيلية في مجال "السايبر".
وتشكل الموافقة على الانضمام لوحدة "السايبر"، اليوم، حلماً لدى الأهالي في المجتمع الإسرائيلي، باعتبار هذه الوحدة ضمانة لنجاح أبنائهم في المستقبل. وهذا الأمر يزيد من ضغوط أهالي المجندين، لا سيما الأهالي الذين لديهم رتباً عسكرية رفيعة في الجيش. ويقر العقيد أفيرام أن هذه الوحدة باتت بنظر الإسرائيليين اليوم "سهماً رابحاً" يضمن مستقبل الابن في حياته المدنية بعد سنوات الجيش الإلزامية، وحصوله على "عقد عمل دسم"، وفق تعبيره.
وإلى جانب السرية التي تحيط بعدد عناصر هذه الوحدة، هناك سرية مفروضة أيضاً على الامتحانات التصنيفية التي يجريها الجيش، وجلسات التقييم مع الخبراء النفسيين. وما يسمح بنشره يتمثل في أن الامتحانات العلمية مثلاً تدور في مواضيع "اللوغاريتم" والمعلوماتية وغيرها من علوم الرياضيات الدقيقة.
وتستمر دورة التدريب والإعداد بعد قبول الانضمام للوحدة أربعة أشهر ونصف، وهي مخصصة لإعداد المجندين ليكونوا رجال "سايبر". وفي المرحلة الأولى، هذا لا يعني أنه يتم تصنيف المجند مباشرة كعنصر في وحدة "السايبر" الهجومية. ويوضح الكولونيل أفيرام أن "الأمر لا يختلف عن لعبة كرة القدم، إذ إن كل لاعب أو عنصر يريد تسجيل الهدف، لكن في نهاية المطاف، عند اللعب هناك من يكون في خط الدفاع ومن يكون في خط الهجوم، المهم أن تبقى في ساحة الملعب"، وفق قوله.
لكن إلى جانب هذا الاعتداد بقوة "السايبر"، تثير معطيات الإقبال على هذه الوحدة قلقاً في إسرائيل، لأن 70 في المائة ممن يرشحون أنفسهم لهذه الوحدة يتمتعون بمواصفات شخصية مناسبة للوحدات القتالية. وقد سبق للوحدات البرية في الجيش أن تذمرت في السنوات الماضية وأعربت عن قلقها من "سرقة" هؤلاء لصالح وحدات "السايبر" على حساب مواقع قتالية بل وقيادية في الوحدات البرية وحتى من بين أصحاب القدرة للالتحاق بسلاح الجو.
ويكشف الكولونيل أفيرام بدوره عن أن الجيش الإسرائيلي يعامل هذه الفئة من المجندين بـ"أكف حريرية، تماماً كما لو كانوا قطعاً من الألماس النادر"، وفق تعبيره. ويضيف أنهم "قادرون مثلاً على البقاء مقابل أجهزتهم لساعات طويلة بحثاً عن ثغرة أمنية تتطلب منهم البحث عنها، من دون أن يتحركوا من مقاعدهم ولا حتى للأكل أو الشرب"، على حد قوله. وهم "مهووسون بحل المسائل والمهام المطلوبة منهم، فهم يعتقدون أن عليهم حل كل مشكلة، ونحن نضع أمامهم في التدريبات المسائل الأصعب والعصية قدر الإمكان لتحفيز قدراتهم العقلية، وكلما حلوا مشكلة يعني ذلك بالنسبة لنا جائزة لأمن إسرائيل"، بحسب تعبير أفيرام.
ويعمل رجال "السايبر" بشكل متلازم مع عناصر شعبة الاستخبارات. ويتم تخصيص عنصر من شعبة الاستخبارات لكل فرد منهم. ويقول أفيرام "نحن نتحدث عن مهنة استخباراتية جديدة تتطلب فك رموز الشبكة وهذا بحاجة لرجل سايبر، وبالتالي فإن فرق العمل مكونة من اثنين، خبير سايبر وعنصر من الاستخبارات"، وفق تأكيده.
ويلخص أفيرام الوضع قائلاً إن "سلاح السايبر وفريقه يجب أن يتوسع من حيث عدد المنخرطين فيه". ويبيّن أن "إسرائيل تملك اليوم بضعة آلاف فقط، والكل اليوم يتجه نحو هذا النوع من القوة، الروس والصينيون والإيرانيون، وبالتالي فإن إسرائيل لا تملك خياراً في هذه المسألة". وتابع أنه "سيكون علينا أن نحافظ على التفوق النوعي المتوفر لدينا حالياً، وأيضاً من حيث الكمية، وهذا سيضطرنا في سبيل تحقيق ذلك أيضاً إلى رفع نسبة الإناث في هذه الوحدات ونسبة جنود السايبر"، على حد قوله.