جنوب السودان: ميارديت في مواجهة الانتقادات ومطالب العزل

23 ديسمبر 2022
تعرّض ميارديت لوعكات صحية أكثر من مرة (أكوت شول/فرانس برس)
+ الخط -

مع أزمات متلاحقة، يثير الوضع الصحي لرئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، القلق في الدولة الوليدة، التي تبحث عن أدنى المقومات بعد انفصالها عن السودان الأم قبل 11 عاماً.

وقبل أيام، أظهرت لقطات مصورة ميارديت وهو يتبول على نفسه خلال مشاركته في افتتاح إحدى الطرق. وقد طرح هذا الأمر تساؤلات حول إمكانية استمراره في حكم الدولة، حتى أنه برزت دعوات إلى عزله من منصبه.

مع العلم أنه في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، سمّت الحركة الشعبية لتحرير السودان، الحزب الحاكم في البلاد، ميارديت، مرشحاً لها في الانتخابات المقبلة (المقررة في ديسمبر/كانون الأول 2024)، وجددت الثقة فيه رئيساً لها. وكان ميارديت يومها تعهد بإكمال عملية السلام وتحقيق الأمن في البلاد، لاسيما في أعالي النيل، شمال البلاد، ومناطق أخرى في جنوب السودان، والحفاظ على تماسك الحركة.

وسبق ذلك توقيع الحكومة مع بقية أطراف اتفاق السلام، مطلع أغسطس/آب الماضي، على خريطة طريق، لتمديد الفترة الانتقالية 24 شهراً إضافية، تبدأ في 23 فبراير/شباط 2023، ما يعني بقاء ميارديت في منصبه حتى ذلك التاريخ، وذلك لتنفيذ ما تبقى من بنود الاتفاق، ومنها صياغة الدستور الدائم للبلاد، وإكمال ملف الترتيبات الأمنية، وتنظيم الانتخابات العامة في نهاية الفترة الانتقالية (ديسمبر 2024).

وعكات صحية متكررة

وجاء ترشيح ميارديت رغم الحديث المتكرر عن صحته، وهو البالغ من العمر 72 عاماً، إذ تعرّض لوعكات صحية أكثر من مرة، والأزمات التي رافقت إدارته للدولة، عدا خيبة أمل الغرب تجاهه بسبب قبضته الحديدية وتحميله مع بقية قادة جنوب السودان مسؤولية فشل البلاد، التي دعم الغرب قيامها بقوة قبل سنوات طويلة.

فارس ماثيو: ميارديت غير قادر على تصريف أمور البلد

وحكم ميارديت جنوب السودان على مرحلتين، الأولى بين 2005 و2011، قبل انفصال الجنوب عن السودان، والثانية بعد الانفصال في عام 2011، حيث لم تُجر أي انتخابات في الدولة منذ نشأتها. بل إن الدولة شهدت بعد عامين من استقلالها حرباً أهلية، اندلعت شرارتها عقب خلافات بين ميارديت ونائبه رياك مشار، أودت بحياة عشرات الآلاف، ونزوح مئات الآلاف، وأثارت خيبة أمل واسعة، محلياً وإقليمياً ودولياً.

في 2015 توسطت الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، وهي منظمة إقليمية تضم السودان وكينيا وأوغندا وإريتريا وجيبوتي وجنوب السودان، بين الطرفين ليصلا إلى اتفاق صلح، أعاد مشار إلى السلطة.

إلا أن محاولة اغتياله داخل مكتبه، في سبتمبر/أيلول 2016، شكلت دافعاً قوياً لاستئناف الحرب، بصورة أكثر ضراوة، لتصل أعداد الضحايا في المرحلتين إلى نحو 400 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو مليونين، حسب تقديرات منظمات دولية.

في 2018 برزت وساطة الرئيس السوداني في ذلك الحين، عمر البشير، بين سلفاكير ميارديت ورياك مشار. وتمكّن وقتها من إقناعهما، ومعهما جماعات أخرى مسلحة، بالتوقيع على اتفاق سلام مكمل للاتفاق الأول الذي رعته "إيغاد"، ليعود بموجبه مشار مرة أخرى إلى منصبه نائباً أول لرئيس الجمهورية.

وعلى الرغم من صمود الاتفاق، فإن الأطراف لم تُنجز اثنين من أهم بنوده. الأول خاص بدمج قوات مشار في الجيش الحكومي، والثاني يتصل بتنظيم انتخابات عامة بعد نهاية الفترة الانتقالية.

كما لم يحقق الاتفاق غايات أخرى، مثل الأمن، حيث شهدت البلاد في السنوات الماضية اشتباكات قبلية، وانتشرت الفوضى في مناطق أخرى بسبب المليشيات، وظهرت جماعات متمردة مثل "جبهة الخلاص" في أقصى جنوب البلاد، وحدثت انشقاقات وسط صفوف قوات "الحركة الشعبية" المعارضة بقيادة رياك مشار.

وعادت للواجهة مليشيا "الجيش الأبيض" المحسوبة على قبيلة النوير، والتي شنت خلال الشهرين الماضيين هجمات على مجموعات من قبيلة الشلك. وأدت الاختلالات الأمنية في إقليم أعالي النيل المتاخم للسودان، إلى مقتل 166 شخصاً وإصابة 237، بحسب بيان صادر من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أخيراً. وتحدثت تقارير عن تعرّض مدنيين للاغتصاب والخطف، ونزوح أكثر من 20 ألف شخص عن منازلهم.

وأعربت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج ("الترويكا" التي رعت استقلال جنوب السودان عام 2011)، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، عن "قلق عميق" يوم الجمعة الماضي من تصاعد العنف، وحضّت السلطات الانتقالية على وضع حد له، بحسب بيان مشترك.

وجاء في البيان الذي دان العنف "المروع" والتهجير القسري لما يصل إلى 50 ألف شخص، أن "الترويكا والاتحاد الأوروبي يدعوان بشكل عاجل، قادة السلطة الانتقالية في جنوب السودان، إلى التحرك الآن لإنهاء العنف وحماية المدنيين".

وأضاف بيان الترويكا والاتحاد الأوروبي أنه "من الواضح أن السلطات الانتقالية في جنوب السودان تتحمل بعض المسؤولية عن هذا التصعيد للعنف، وتتحمل المسؤولية الرئيسية عن وضع حد له"، داعيا إلى احترام اتفاق السلام لعام 2018 الذي لم يتم تنفيذه إلى حد كبير.

على المستوى الاقتصادي، لم ينعكس اتفاق السلام، ومن قبله استقلال البلاد في 2011، على حياة الجنوبيين، الذين يعانون من ثالوث الفقر والجهل والمرض. وبقي اقتصاد البلاد يعتمد بنسبة 98 في المائة على تصدير النفط عبر الموانئ السودانية، بواقع 155 ألف برميل يومياً.

وأدى عدم استفادة الدولة من الموارد الغنية، الزراعية أو الحيوانية أو النفطية والمعدنية، والتي تتمتع بها البلاد، إلى ظهور فجوات غذائية هددت حياة نصف السكان البالغ عددهم نحو 11 مليون نسمة. كما أدى هذا الأمر إلى مواصلة الكثير من الجنوبيين الفرار إلى دول الجوار، مثل كينيا وأوغندا والسودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا، وكذلك مصر ودول الغرب والولايات المتحدة.

دوافع ترشيح ميارديت

ورأى المحلل السياسي مايكل أتيت، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قرار الحركة الشعبية بترشيح سلفاكير ميارديت يأتي في إطار رغبتها في مواصلة تنفيذ اتفاق السلام الذي يمضي ببطء شديد، موضحاً أن قادة الحركة يرون أنه سيكون هناك صعوبة في تنفيذه إذا تسلمت شخصية أخرى الرئاسة.

وحذر أتيت، في حديث لـ"العربي الجديد"، من استمرار تدهور الوضع الأمني في شمال البلاد، حيث تتواجد قوات مشار والمنشقين عنها، وذلك على الرغم من إشارته إلى أن القوات الأمنية فرضت، إلى حد كبير، سيطرتها على المناطق الملتهبة فيها وفي مناطق تمرد "جبهة الخلاص".

ورجح ذهاب الحكومة أكثر إلى استيعاب المتمردين الجدد، وإبرام صفقات معهم، على الرغم من العمليات المحدودة التي ينفذونها. واعتبر أن اقتصاد جنوب السودان يشهد استقرارا نسبيا، خصوصا مع تحسّن العلاقة بين السودان وجنوب السودان، وتوسط الأخير في عملية السلام في السودان، والوصول إلى اتفاق عام 2020 بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة.

في المقابل، استنكر المعارض الجنوب سوداني فارس ماثيو، في حديث مع "العربي الجديد"، قرار الحزب الحاكم بتسمية سلفاكير ميارديت مرشحاً له لرئاسة جنوب السودان. وقال لـ"العربي الجديد"، إن الحركة الشعبية حرة في اختيار من تريد للترشح "لكنني أظن أن الرجل أخذ فرصته الكافية قبل وبعد الانفصال، ولم يقدم أي شيء لشعب جنوب السودان، ومن الأفضل أن يدفع الحزب بكوادر جديدة تضخ أملاً جديداً في البلاد".

شدار: اتفاق السلام مجرد هدنة للوصول إلى الانتخابات

وحول ما يثار عن مرض ميارديت، أوضح ماثيو أنه "على الرغم من الخلافات السياسية فإن المعارضة تتمنى للرئيس تمام الصحة وتدعو له بذلك، لكن دستور الجنوب يحدد بشكل قاطع وجوب كمال الأهلية الصحية والعقلية لشاغلي المواقع الدستورية، ما يفرض على سلفاكير التنحي الآن، لأنه بات غير قادر على تصريف أمور جنوب السودان.

ورفض ماثيو المبررات التي تُطرح للإبقاء على ميارديت في منصبه، بحجة أنه وحده الحاجب بين البلاد والفوضى، مؤكداً أن "الكثير من الجنوبيين مؤهلون للمهمة وقيادة الشعب إلى بر الأمان، لاسيما وأن الأوضاع بأبعادها المختلفة وصلت إلى مرحلة مزرية، فلا خدمات عامة يستفيد منها المواطن، وتقديرات المنظمات عن أعداد الجوعى مرعبة".

وأشار ماثيو إلى أن الجميع مدرك بعدم جدوى العمل المسلح لإسقاط سلفاكير ميارديت، لذا لجأت العديد من المجموعات للعمل المدني، وتشكلت مجموعة من التحالفات السياسية المدنية، مثل "منبر الوفاق الوطني" المكون من 20 تنظيماً، بمن فيهم مجتمع مدني وأكاديميون.

وأوضح أن المطالب الرئيسية للتحالفات الجديدة هي إعادة الحرية والكرامة للإنسان الجنوبي، وإنهاء معاناته في التشرد والنزوح واللجوء، والتأسيس لحكم فيدرالي كأنسب نظام حكم في ظل الأوضاع الراهنة، وذلك، بحسب قوله، يحتاج لدعم كامل من المجتمع الدولي ودول الإقليم. ونبه إلى أنه "في خضم كل ذلك الألم يبقى تحسّن العلاقة مع السودان أهم الإضاءات الحالية لمصلحة البلدين والشعبين".

هدنة قبل الانتخابات؟

إلى ذلك، رأى الصحفي قبريال شدار أن اتفاق السلام، وبعد مرور سنوات على توقيعه، لم ينه الصراع في جنوب السودان، ويُعد مجرد هدنة حتى يصل الجميع إلى مرحلة الانتخابات العامة. وأوضح أن "الحركة الشعبية الحاكمة نفسها لا تستطيع تغيير سلفاكير ميارديت في الوقت الراهن، لعدة أسباب، منها تحكّمه في كل مفاصل الحركة الشعبية، وعدم وجود بديل متفق عليه، لعدم توفر مناخ يفتح باب التنافس الحر على السلطة. والموضوع كله عبارة عن تحالفات تقف مع ميارديت، كل بتقديراته المصلحية المختلفة".

وأضاف: كما أن نظام القيادة في الحركة الشعبية ما زال على غرار هياكل ما قبل الاستقلال، أي مبني على التسلسل الهرمي القائم على قيادات المكتب السياسي من المؤسسين، وقد تم تطعيمهم بقيادات جديدة نوعاً ما، ولكن لا يتوقع للجدد أن يكون لهم نفوذ قوي.

وحول الحالة الصحية لرئيس جنوب السودان، قال شدار، لـ"العربي الجديد"، ليس هناك ما يؤكد عدم قدرته على الاستمرار في الحكم حالياً أو حتى بعد سنتين، حيث يتوقع أن يخوض الانتخابات.

وقلل من قيمة الحراك السياسي المناهض لسلفاكير ميارديت، على الأقل في الفترة الحالية. وأوضح أنه "لا يوجد حراك سياسي غير معتاد في الوقت الراهن بعد عملية تخريج القوات المشتركة الموحدة في المناطق الاستوائية وبحر الغزال وأعالي النيل خلال الأشهر الماضية، ولكن لم يتم نشرها إلى اليوم لعدم توفر المال اللازم، وربما أيضاً لغياب الإرادة السياسية.

وأشار شدار إلى أن "الاقتصاد يشهد استقراراً بسعر الصرف خلال الأشهر الستة الماضية بسبب خفض البنك المركزي للعملة، فيما تسعى السلطات لزيادة الإيرادات غير النفطية من الضرائب والذهب. ولا توجد إحصاءات دقيقة عن نسبة النمو، لكن البنك الدولي أشار إلى احتمال حدوث انكماش بنسبة 2 في المائة في النصف الأخير من العام الحالي".

المساهمون