جعفر دبابسة.. سيرة القيادي القسامي من المعتقل إلى الشهادة

07 يناير 2025
الشهيد القسامي جعفر دبابسة (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اغتالت قوة إسرائيلية خاصة جعفر دبابسة، قائد كتائب القسام في شمال الضفة الغربية، بعد مطاردة دامت 14 شهراً واشتباك مسلح أصيب فيه ضابط إسرائيلي.
- دبابسة، الذي قضى 14 سنة في سجون الاحتلال، كان معروفاً بصلابته ودعمه للمقاومين، وارتبط اسمه بعدة خلايا عسكرية، مما جعله هدفاً دائماً للاحتلال.
- كان محبوباً في قريته طلوزة، ونجا من محاولات اغتيال سابقة، وعرف بتواضعه واهتمامه بالرياضة وتطوير قدرات المقاومة.

بعد مطاردة ساخنة لأكثر من 14 شهراً، تخللها عدة محاولات لاعتقاله أو قتله، تمكنت قوة إسرائيلية خاصة فجر اليوم الثلاثاء، من اغتيال جعفر دبابسة (40 عاماً)، وهو أحد قادة كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في شمال الضفة الغربية، لكنه تمكّن ورغم محاصرته، من إصابة ضابط إسرائيلي كبير بجراح خطيرة.

وأكد شهود عيان لـ"العربي الجديد"، أن الشهيد دبابسة كان قد وصل نحو الساعة الثالثة من فجر اليوم بالتوقيت المحلي، إلى محيط منزله للاطمئنان على أسرته المكونة من والديه وزوجته وأطفاله، لكن قوة خاصة كانت قد نصبت له كميناً، ودار بينهما اشتباك مسلّح، تمكّن خلاله دبابسة من إصابة ضابط بجروح خطيرة للغاية.

رفض إقامة جنازة عسكرية

ودبابسة، الذي يعمل والده في الأمن الفلسطيني برتبة عقيد، تلاحقه قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023؛ أي بعد أشهر قليلة فقط من الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي التي سرقت من عمره أكثر من 14 سنة متفرقة، بتهمة الانتماء للمقاومة ودعم وإيواء المقاومين، وهي التهمة ذاتها التي تسببت باعتقاله لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدة مرات بمجموع سنتين تقريباً.

أهالي قرية طلوزة الواقعة إلى الشمال من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، وهي مسقط رأس الشهيد، شيّعوه محمولاً على الأكتاف وملفوفاً بالعلم الفلسطيني، بعد أن رفض أقاربه تنظيم جنازة عسكرية له (بحيث يحمله في باحة مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس عساكر يتبعون السلطة الفلسطينية ويسيرون به مسافة معينة قبل نقله إلى سيارة الإسعاف) رغم أن والده عقيد متقاعد من جهاز الأمن الوطني الفلسطيني، وهو من العائدين إلى الضفة الغربية عقب توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.

ويقول أحد أقاربه لـ"العربي الجديد" بعد أن اعتذر عن إعلان اسمه، إن "الرفض نابع من كون السلطة قد اعتقلت الشهيد في سجونها، وبالتالي لم يكن سهلاً تقبل أن يشيعه عساكر ينتمون للجهة التي كانت تلاحقه وتعتقله، فاشترطوا علينا عدم رفع أي راية غير العلم الفلسطيني، فوافقنا".

وبارتقائه شهيداً تكون صفحة "القسامي العنيد" قد طويت، بعد سنوات طويلة من مقارعته لجيش الاحتلال، بعد أن تمكن من التخفي عن أعين الاحتلال لسنوات طويلة، كما يؤكد قريبه. وفي الوقت الذي وصف قريبه الشهيد بـ"الخفي النقي"، و"الرجل الذي عاش لأجل فلسطين ومات في سبيلها"، كشف أيضاً أن جعفر منذ ريعان شبابه وهو يطمح للدخول في العمل العسكري والتدرب على حمل السلاح.  وأضاف: "كان عسكرياً بالفطرة، وأمنيته في بداية شبابه أن يدرس في كلية عسكرية بباكستان، لكن هذا الحلم لم يتحقق، غير أنه لم يستسلم لقدره، فطوّر قدراته وتعلم لوحده استخدام السلاح، ووضعه نفسه في خدمة المقاومين".

كان الشهيد جعفر يدرك تبعات ما أقدم عليه، حيث تعرض للملاحقة من الاحتلال الإسرائيلي، واعتقل في سجونه لأكثر من عقد من الزمان على فترات متفرقة، وكانت التهمة هي "المقاومة"، والانتماء لكتائب القسام، وفي الوقت الذي لم يكن الاحتلال يملك أدلة على نشاط جعفر، كان يزج به في السجون رهن الاعتقال الإداري، بتهمة أنه "خطر على أمن المنطقة وأن بقاءه في الخارج يهدد أمن إسرائيل". 

جعفر دبابسة المقاوم "العنيد"

أسير محرر رافق الشهيد جعفر عدة سنوات في سجن النقب الصحراوي بين عامين 2009 و2020، يؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ دبابسة كان صلباً عنيداً لا يخاف من المحققين والسجانين، بل كان يتصدر الموقف عندما كانوا يقتحمون غرف الأسرى ويتصدى لهم بجسمه، حتى لو تعرّض للضرب والإهانة، مقابل أن يسلم بقية زملائه في القسم أو الغرفة ذاتها من الأذى.

يقول الأسير المحرر الذي فضل عدم ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد": "لم تكن خلية عسكرية تُعتقل في منطقة نابلس أو حتى في شمال الضفة إلا ويكتشف الاحتلال أن لجعفر دبابسة علاقة بها من قريب أو بعيد. فهو إما قد وفر لها السلاح أو المال أو التدريب أو الإيواء، فيتم اعتقاله والحكم عليه بالسجن، لكنه ما أن يتنفس نسيم الحرية حتى يعود من جديد للعمل المقاوم". 

ويضيف: "لا أبالغ إن قلت إن المقاومة تسير في جسده سير الدم في العروق. في السجن لا يتحدث إلا عنها ولا يفكر إلا في تطوير قدراتها. ولم يكن يهتم أبداً لشؤون الدنيا. اللهم الرياضة التي كان لا يكف عن ممارستها ليل نهار، فهو ذو بنية عضلية قوية وجسم صلب وإرادة فولاذية".

مساند الشهيد أشرف نعالوة

وقد اعتقل دبابسة بتهمة مساعدة وإيواء الشهيد أشرف نعالوة، الذي طارده جيش الاحتلال الإسرائيلي لنحو شهرين عقب تنفيذه عملية فدائية داخل مستوطنة "بركان" الصناعية الشهيرة المقامة على أراضي الفلسطينيين في منطقة سلفيت شمالي الضفة بتاريخ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، والتي قتل فيها مستوطنان اثنان وأصيب آخر بجروح خطيرة، وقد اغتالته القوات الإسرائيليّة الخاصّة بتاريخ 13 ديسمبر / كانون الأول 2018، بعد اشتباك مسلح في مخيم عسكر للاجئين الفلسطينيين قرب نابلس. 

علاقته بالشهيد صالح العاروري 

أسير محرر آخر رافق الشهيد في أحد سجون الاحتلال عام 2009، كشف عن علاقة قوية كانت تربطه بالشهيد الشيخ صالح العاروري، حيث ترافقا في غرفة واحدة لعدة أشهر. ويقول الأسير المحرر لـ"العربي الجديد"، مفضلاً كذلك عدم ذكر اسمه: "كان الشيخ معجباً جداً بقوة شخصية جعفر، الذي لم يكن حينها قد تجاوز الـ25 من عمره، حتى تم تعيينه أمير القسم (مسؤول القسم) رغم وجود الشيخ العاروري وقيادات كثيرة من حماس في القسم ذاته". واستشهد صالح العاروري النائب السابق لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في هجوم بطائرة مسيّرة استهدف مكتب الحركة في الضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير/ كانون الثاني 2024. وكان العاروري أيضاً مؤسس كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس.

النجاة من محاولات اغتيال

بحسب المعلومات التي توفرت، والتي رواها الأسير المحرر، فقد كان دبابسة أحد أبرز المستهدفين من عملية الاغتيال التي نفذها جيش الاحتلال عبر قصف من طائرة مسيّرة لغرفة زراعية، وأدت لاستشهاد أربعة مقاومين في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2024، في قرية صير جنوب مدينة جنين شمالي الضفة. ويشير إلى أن الشهيد تمكن من الإفلات رغم القبضة الحديدية التي فرضها الاحتلال على المنطقة بعد أن خاض اشتباكاً مسلحاً استمر لأكثر من 6 ساعات متواصلة. 

وقال جيش الاحتلال حينها، إن القصف استهدف بشكل أساسي وائل لحلوح من بلدة قباطية، وهو المسؤول عن قتل الجندي يوناتان دويتش، في عملية إطلاق نار في شمال الضفة الغربية خلال أغسطس/ آب 2024، بعد عودته من القتال في قطاع غزة، وقد أعلنت كتائب القسام، حينها، مسؤوليتها عن العملية، وقد عثروا على أسلحة وسترات واقية ومواد لصنع المتفجرات

أما ابن عمه محمد دبابسة فقد أكد في حديث مع "العربي الجديد"، أن الشهيد جعفر كان محبوباً لدى الجميع، ولم يحدث يوماً أن اختلف مع أقاربه أو جيرانه أو أهل قريته، وإن بحثت عنه فلن تجده إلا في بيته مع زوجته وأطفاله أو في المسجد يتلو القرآن، وهو الحافظ له بالقراءات السبع. ويقول ابن عمه: "رافقته في أول اعتقال لنا عام 2003، ولم يكن قد بلغ الثامنة عشرة من عمره، ومن حينها خط لنفسه طريقه وكانت الخاتمة التي أراد".

المساهمون