أكبر حزمة عقوبات أميركية على حميدتي: تداعيات عسكرية وسياسية واقتصادية

09 يناير 2025
محمد حمدان دقلو خلال فعالية في الخرطوم، 5 ديسمبر 2022 (محمد حجاج/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، وسبع شركات إماراتية لدورهم في زعزعة استقرار السودان وعرقلة الانتقال الديمقراطي، وسط اتهامات بجرائم حرب.
- يتوقع المحللون أن تؤثر العقوبات على القدرات المالية والعسكرية لقوات الدعم السريع، من خلال تجميد الأصول وحظر التحويلات المالية، مما يضعف موقفها في الصراع.
- رحبت الحكومة السودانية بالعقوبات، بينما نددت بها قوات الدعم السريع، ويرى المراقبون أنها قد تدفع لإعادة تقييم مسار الحرب أو العودة للمفاوضات.

بعد قرابة نحو عامين على الحرب التي تخوضها قوات الدعم السريع ضد الجيش السوداني، وما رافقها من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين وصلت إلى حد المجازر، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي"، وسبع شركات مقرها في الإمارات، مرتبطة بتلك القوات التي تخوض حرباً ضد الجيش، منذ 15 إبريل/ نيسان 2023. وجاء فرض عقوبات أميركية على حميدتي والشركات وذلك "لدورهم في زعزعة الاستقرار وتقويض الانتقال الديمقراطي في السودان"، في تطور من شأنه أن يفرض نفسه على المشهد السياسي والعسكري في السودان، ويزيد من الضغوط على قوات الدعم السريع، لا سيما أن الولايات المتحدة كانت قد تجنبت فرض عقوبات مباشرة على حميدتي منذ بدء الحرب رغم إدراكها الجرائم التي ارتكبتها قواته، وهو ما يفسر حالة الغضب التي اعتبرت معسكر حميدتي في أعقاب القرار مقابل الترحيب بالعقوبات من قبل الحكومة السودانية.

وإلى جانب فرض عقوبات أميركية على حميدتي توصلت الولايات المتحدة، أول من أمس الثلاثاء، إلى أن أفراداً من قوات الدعم السريع السودانية والمليشيات المتحالفة معها، والتي تنتشر في مدن وقرى ضمن 10 ولايات من أصل 18 ولاية في السودان، ارتكبت "إبادة جماعية" وجرائم، من بينها "عمليات اغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي".

أكبر عقوبات أميركية على حميدتي

وجاء قرار فرض عقوبات أميركية على حميدتي على بعد أيام من انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، في حزمة هي الكبرى على "الدعم السريع" منذ اندلاع الحرب، إذ ظلت واشنطن طوال الفترة الماضية تستهدف بعقوباتها قيادات أخرى بتلك القوات، بينهم شقيق حميدتي، القوني حمدان دقلو. وأوضحت في بيان، بشهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أن العقوبات على القوني "جاءت لتورطه في شراء الأسلحة وغيرها من المعدات العسكرية التي مكّنت الدعم السريع من تنفيذ عملياتها الجارية في السودان، بما في ذلك هجومها على مدينة الفاشر" عاصمة ولاية شمال دارفور.

علماً أن قوات حميدتي شملتها عقوبات أوروبية أيضاً، إذ فرض الاتحاد الأوروبي، في ديسمبر 2024، عقوبات على عثمان محمد حامد (مشمول بعقوبات أميركية أيضاً) لمسؤوليته عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، وحاكم ولاية غرب دارفور، التيجاني كرشوم، لتسهيل تجنيد المليشيات للقتال إلى جانب تلك القوات. وكان المجلس الأوروبي قد فرض عقوبات، في يونيو/ حزيران 2024، على قائد "الدعم السريع" في غرب دارفور اللواء عبد الرحمن جمعة بارك الله بسبب "الضلوع في أنشطة تقوض عملية الانتقال السياسي في البلاد". وتضمنت العقوبات تجميد أصول، وحظر الأشخاص والكيانات في الاتحاد الأوروبي توفير الأموال أو الأصول المالية أو الموارد الاقتصادية لهم، بجانب حظر السفر إلى الاتحاد الأوروبي.

أكبر حزمة عقوبات منذ اندلاع الحرب السودانية تأتي مع قرب انتهاء ولاية بايدن وتشمل سبع شركات تقع مقراتها في الإمارات
 

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أول من أمس، فرض عقوبات أميركية على حميدتي "لدوره في الفظائع الممنهجة بحق الشعب السوداني"، مضيفة أن "وزير الخارجية أنتوني بلينكن قرر اليوم (أول من أمس) أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في منطقة دارفور بالسودان أثناء الحرب". واعتبرت الوزارة أن حميدتي "طرفاً رئيسياً" في النزاع، وأن "جرائم الحرب والفظائع" التي كشفتها الولايات المتحدة ارتكبت تحت قيادته. وأوضحت أن القرار جاء "بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098: فرض عقوبات على أشخاص معينين يزعزعون استقرار السودان ويقوضون هدف الانتقال الديمقراطي"، مشيرة إلى أنه بجانب فرض عقوبات أميركية على حميدتي فرضت عقوبات على سبع شركات تقع مقراتها في الإمارات، بينها شركة كابيتال تاب القابضة لتوفيرها الأموال والأسلحة لقوات الدعم السريع، وأبو ذر عبد النبي حبيب الله أحمد، مالك ومدير الشركة.

ونص قرار فرض عقوبات أميركية على حميدتي على "حظر جميع الممتلكات والمصالح للكيانات المدرجة في القرار، والموجودة في الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة أشخاص أميركيين"، و"حظر أي كيانات مملوكة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل فردي أو إجمالي، بنسبة 50 % أو أكثر من قبل شخص واحد أو أكثر من الأشخاص المحظورين". كذلك تحدّ العقوبات من إمكانية قيام حميدتي والشركات المعنية باستخدام الدولار في تعاملاتهم تحت طائلة تعرض الشركات التي تتلقى هذه الدفعات بدورها لعقوبات.

بلينكن يتهم "الدعم" بارتكاب عمليات قتل ممنهجة

وترافق قرار فرض عقوبات أميركية على حميدتي مع إعلان بلينكن في بيان، أول من أمس، أن القرار استند إلى معلومات حول عمليات القتل "المنهجية" التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ضد المدنيين، قائلاً: "لقد قتلت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها رجالاً وصبية - حتى الرضع - بشكل منهجي على أساس عرقي، واستهدفت بشكل متعمد نساء وفتيات من مجموعات عرقية معينة للاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي الوحشي". وأضاف أن المليشيات نفسها قتلت الأشخاص الأبرياء الفارين من الصراع، وأن "قوات الدعم السريع استخدمت أيضاً الحرمان من الإغاثة الإنسانية كسلاح حرب ضد شعب السودان، منتهكة بشكل منهجي التزاماتها بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، وإعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين السودانيين لعام 2023 (مايو/ أيار، في اتفاق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع)". من جهة أخرى شدّد بلينكن على أن "الولايات المتحدة لا تدعم أياً من الجانبين (الحرب) وإجراءاتنا بحق قوات الدعم السريع أو حميدتي لا تعني دعم القوات المسلحة السودانية"، مضيفاً أن "الطرفين يتحملان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة" في البلاد.

وكانت منظمات حقوقية محلية ودولية قد اتهمت بتقارير عدة "الدعم السريع" بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خصوصاً في ولاية جنوب كردفان، وولاية الجزيرة وسط البلاد، وولايات دارفور الخمسة غرباً. وقالت "هيومن رايتس ووتش" في بيانات أصدرتها في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، و15 ديسمبر/ كانون الأول 2024 إن مقاتلين من "الدعم السريع" والمليشيات المتحالفة معها استعبدوا واغتصبوا عشرات النساء والفتيات وقتلوا الرجال والأطفال في ولايتي جنوب كردفان والجزيرة.

"الدعم" تندد بالعقوبات الأميركية 

وقوبل قرار فرض عقوبات أميركية على حميدتي بتنديد من قبل "الدعم السريع"، إذ كتب مستشار حميدتي، الباشا طبيق، على منصة إكس، أول من أمس، أن قرار وزارة الخزانة الأميركية يعبر عن فشل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في التعاطي مع الأزمة السودانية وازدواجية المعايير التي اتبعتها في كثير من الملفات في الشرق الأوسط. وذكر أن هذا القرار "صدر بتأثير واضح من لوبيات ضغط معلومة لديهم ويعلمون طريقة تعاملها مع مثل هذه الملفات"، مضيفاً أن "هذا القرار للأسف هو دفعة معنوية للحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي (نظام الرئيس المخلوع عمر البشير) للاستمرار في إبادة الشعب السوداني وارتكاب مزيد من الجرائم الشنيعة ضد المدنيين ولمواصلة الطيران الحربي بالمزيد من قتل النساء والأطفال".

واعتبر طبيق أن القرار ليس له قيمة ولا تأثير على الوضع الراهن في السودان، بل قد يعقد الأزمة السودانية ويعرقل التوصل إلى مفاوضات جادة تعالج جذور الأزمة، وتابع: "هذا القرار لن يثنينا عن الاستمرار في اقتلاع دولة الظلم والطغيان وإنهاء الهيمنة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وبناء الدولة الجديدة على أسس المواطنة والعدالة والمساواة".

في المقابل، رحّبت وزارة الخارجية السودانية في بيان، أمس، "بالعقوبات التي فرضتها واشنطن على قائد المليشيا (الدعم السريع)، محمد حمدان دقلو حميدتي، وسبع شركات تجارية تملكها قوات الدعم السريع"، مضيفة أنها تتفق مع الإدارة الأميركية بأن "حميدتي مسؤول عن الفظائع الممنهجة ضد الشعب السوداني التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع". ودعت بقية الدول لاتخاذ خطوات مماثلة ضد قيادة قوات الدعم السريع ورعاتها، وأن "يكون هناك موقف موحد وصارم من الأسرة الدولية، في مواجهة هذه الجماعة الإرهابية لإجبارها على وقف حربها ضد الشعب السوداني ودولته ومؤسساته الوطنية".

تأثير مباشر على قدرات "الدعم"

في هذا الصدد رأى المحلل العسكري حسام ذو النون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العقوبات المفروضة على حميدتي وشركات "الدعم السريع" في الإمارات، يمكن أن تؤثر بصورة مباشرة على قدرات "الدعم" المالية والعسكرية" وتظهر نتائجها على عمليات تسليح الدعم السريع وقدرته الميدانية بطرق متعددة". وأضاف أن "تقييد الشركات المرتبطة بالدعم السريع التي تعتمد على الموارد المالية والأرباح لاستثماراتها في الإمارات، سيتسبب في التقليل من قدرات تلك الشركات على توفير الأموال اللازمة لتمويل الحرب من خلال تجميد الأصول وحظر التحويلات المالية".

حسام ذو النون: العقوبات على حميدتي وشركات "الدعم السريع" في الإمارات، يمكن أن تؤثر بصورة مباشرة على قدرات "الدعم" المالية والعسكرية

بالإضافة إلى ذلك فهي تمثل، وفق ذو النون "شبكات لشراء الأسلحة أو المعدات العسكرية عبر غطاء العمليات التجارية بالإمارات، ومثل هكذا إجراءات عقابية تؤدي إلى تعطيل هذه الشبكات". وأشار إلى أنه "بما أن الإمارات تعتبر مركزاً لوجستياً عالمياً، فأي قيود على الشركات أو الأفراد المرتبطين بالدعم السريع ستصعّب عمليات نقل الأسلحة أو المعدات الى السودان لتأجيج الحرب"، مضيفاً أنه "من جانب آخر فالموردون الذين يتعاملون مع الدعم السريع قد يصبحون أكثر حذراً بسبب الخوف من التعرض لعقوبات ثانوية، ما يدفع إلى تقليل تدفق الأسلحة وحرمانها من الإمداد العسكري".

وبحسب ذو النون "يمكن القول من ناحية سياسية إن هذه العقوبات تقضي على سمعة الدعم السريع دولياً كمليشيا ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما يستلزم مطاردتها والتضييق عليها في المحافل الإقليمية والدولية"، معتبراً أن ذلك "سيقلل من فرص الحصول على دعم سياسي أو عسكري مباشر أو غير مباشر من أطراف دولية أو إقليمية ذات المصالح المرتبطة بمشروع الدعم السريع". وبرأيه فإن لكل هذه التغييرات "تأثيراً مباشراً على إمكانية الدعم السريع لمواصلة القتال، خصوصاً في ظل تقدم الجيش السوداني في محور ولاية الجزيرة"، معتبراً أن هذه خطوة أساسية "لاستعادة مدينة ود مدني عاصمة الولاية، وجنوب مدينة أم درمان، واقتراب حسم المعارك الأساسية في العاصمة الخرطوم".

بدوره اعتبر الصحافي السوداني ياسر جبارة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن لقرار فرض العقوبات أبعاداً اقتصادية وسياسية وعسكرية متعلقة بطبيعة الحرب، موضحاً أن "الأثر الاقتصادي في تحجيم قدرات الدعم السريع سيكون مباشراً، وكذلك الحال بالنسبة لارتباطاتها بحلفاء وكيانات سياسية وطنية، والتي ستجد نفسها مضطرة إلى النظر لحقيقة محتوى تقرير العقوبات ومترتباته". ولفت إلى أن التقرير يشير "بوضوح إلى مسؤولية حميدتي عن الإبادة الجماعية ضد مجموعات إثنية وتجاهله بشكل متعمد الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي". واعتبر جبارة أن توسع دائرة العقوبات الأميركية وتقارير المنظمات الدولية حول الانتهاكات يدعم بشكل واضح إعادة قراءة مسار الحرب وتعريف منطلقاتها، وذلك لإعادة مخاطبة مداخل إنهاء الحرب وفق معادلات موضوعية "لا تتسامح مع الانتهاكات المنهجية، ولا تتخذ من الحرب غطاءً لتصفية تراكمات النزاعات العرقية". ما يضيق مساحة المناورة، وفق جبارة "للتهرب من استحقاقات إنهاء الحرب".

إلى ذلك شدّد عضو المكتب التنفيذي للتيار الوطني (تنظيم سياسي) نور الدين صلاح الدين، في حديث لـ"العربي الجديد" على أن القرار "ستكون له تبعاته السلبية على الدعم السريع، فمن الناحية الإجرائية سيضعف قدرتها اللوجستية على توفير الأسلحة والعتاد الحربي لقواتها، وسياسياً سيضعف موقفها بشكل كبير للغاية ويفشل جميع مبرراتها السياسية للحرب". وأشار إلى أن القرار "يقوض مجهودات الدعم السريع ومجهودات حلفائها السياسيين الساعين لإعلان حكومة بمناطق تسيطر عليها، ولن تنال الاعتراف بها في ظل هذه المعطيات، خصوصاً أن قرار العقوبات الأميركية يأتي بعد قرارات سابقة لمجلس الأمن حول الصراع في السودان وقرارات أخرى يتوقع صدورها من كيانات ودول في محيط السودان".

وعن خيارات "الدعم السريع"، اعتبر صلاح الدين أن "هناك خيارين، إما أن ترضخ الدعم السريع للعودة للتفاوض عبر الالتزام بمقررات منبر جدة، وهذا ما نتمناه، وإما أن تتبع سياسة الأرض المحروقة وتمضي في الحرب إلى ما لا نهاية". ورأى أن العودة إلى مفاوضات جدة وفق الالتزامات التي أعلن عنها سيرتب على الدعم السريع فقدان أي امتيازات سياسية أو عسكرية مستقبلية، وفي الاتجاه الآخر لن يكون أمامها إلا أن تفرض نفسها كسلطة أمر واقع يجب التعامل معها، وباعتقاده "ربما يكون هذا هو الخيار الأقرب لمليشيا الدعم السريع".

المساهمون