قررت الحكومة الاتحادية تمديد مهمة البوندسفير في العراق حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وذلك قبل انتهاء تفويض وجود الجيش الألماني في العراق بثلاثة أسابيع. ويبدو أن حزب الخضر، الشريك في الائتلاف الحاكم، وافق هذه المرة على تمديد انتداب القوات المسلحة، لكن بشروط، أهمها استبعاد سورية كمنطقة عمليات في المستقبل، عسى أن تساعد التعديلات المطروحة الحزب البيئي، الذي كان يثير خلال وجوده في المعارضة مخاوف قانونية بشأن التفويض.
وكانت وزيرة الخارجية الحالية، المنتمية إلى الخضر، أنالينا بيربوك، قد وصفت استمرار المهمة بأنه قرار غير مسؤول، وذلك عند تصويت كتلة حزبها ضد التمديد في خريف عام 2020. وتبقى الأنظار مشدودة إلى تصويت البوندستاغ يوم الجمعة، على القرار، الذي يلقى اعتراضاً من أحزاب المعارضة، وامتعاض نواب من الخضر.
في خضمّ ذلك، يشكك النقاد في أهمية التغييرات وجدواها ووضوحها، كما قدمتها حكومة إشارات المرور عبر بيربوك، في رسالة مشتركة مع وزيرة الدفاع المنتمية إلى الاشتراكي الديمقراطي، كريستين لامبرشت، إلى رؤساء الكتل البرلمانية في البوندستاغ. وفيها أن الحكومة تعتزم مواصلة نشر القوات الألمانية المسلحة لضمان إحراز تقدم في الاستقرار، ومنع تنظيم "داعش" من استعادة قوته، وتعزيز المصالحة في العراق.
ووفق التقارير، فقد بيّنت الرسالة أن الجيش الألماني سيواصل دعم قوات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" من خلال توفير قدرات التزود بالوقود جواً، والتي تعتبر مهارة خاصة بالبوندسفير، إلى جانب النقل اللوجستي، وتوفير عناصرالتدريب والمشورة لقوات الأمن العراقية، على أن يبقى عديد القوات المسلحة عند 500 عنصر وضابط، واشتراط أن تُجري الحكومة تقييماً شاملاً مناسباً للمهمة خلال فترة الانتداب المقبلة، وإعلام البرلمان والرأي العام بالنتائج.
وكانت لامبريشت قد زارت العراق واطلعت على أرض الواقع على طبيعة عمل البوندسفير، وأبدت قناعتها بضرورة التزام بقاء الجنود الألمان المنتشرين حالياً في مناطق مكافحة "داعش"، والمساهمة في تمكين القدرات الأمنية العراقية وبنائها، في بغداد وإقليم كردستان لضمان الأمن بشكل مستقل ومستدامٍ، إلى جانب مساندة الحكومة في مكافحة التنظيم الإرهابي.
وفي السياق، أشار السياسي عن الخضر، يورغن تريتين، مع شبكة "إيه أر دي" الإخبارية، إلى أن التفويض المخطط له يختلف في النقاط الرئيسة عن التفويض الخاص بحكومة ميركل، وأن التقييد الواضح لمنطقة العمليات في العراق، يحول التفويض بشكل لا يتعارض مع القانون الدولي. وهذا يعني أنه لم يعد، كما في الماضي، ثمة إمكانية لتحليق الطائرات العسكرية للجيش الألماني من طراز (أ 400) في المجال الجوي السوري في أثناء الرحلات الاستطلاعية.
في المقابل، اعتبر النائب المعارض المنتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، هينينغ أوته، أن الوقت ينفد، معرباً عن عدم تفهمه لوجوب التمديد للقوات المسلحة في العراق لمدة تسعة أشهر فقط، وأن ذلك يظهر ائتلاف إشارات المرور الحاكم ممزقاً من الداخل، وغير قادر على اتباع مسار واضح في السياسة الأمنية.
أما صحيفة "راينشه بوست"، فنقلت عن السياسية في حزب اليسار، سيفيم داغديلين، أن تقليص منطقة العمليات إلى النصف في التفويض الجديد للحكومة الفيدرالية، لا يجعل المهمة العسكرية صحيحة، حيث هناك تأكيدات بأن المهمة في العراق تجري وفقاً للقانون الدولي، وبدعوة من الحكومة العراقية. من جهته، شكا نائب رئيس كتلة الاتحاد المسيحي في البوندستاغ، يوهان فادفول، من قصر النظر لاستبعاد الانتشار في سورية، ورأى أنه يجب المحافظة على المرونة لمواجهة "داعش" إلى جانب شركائنا، قبل أن يشير إلى أن التقدم بالتمديد للمهمة قبل ثلاثة أسابيع من انتهاء الانتداب نهاية يناير/كانون الثاني الحالي، شكّل زعزعة لأمن جنود الجيش الألماني.
وسيجري التصويت الأول لأحزاب الائتلاف الحاكم على مهمة خارجية للجيش الألماني، يوم الجمعة. وبموافقة البوندستاغ سيحسم الجدل؛ لأنه إذا ما فشل الاتئلاف الحاكم في تحقيق أغلبية الأصوات، فإن ذلك سيشكل هزيمة ثقيلة. كل ذلك وسط الحديث عن رغبة لدى العديد من نواب الخضر بالبقاء متصالحين مع أنفسهم والتصويت ضد المهمة، التي كانت أساساً محل اعتراض من قبلهم عندما كان حزبهم معارضاً لمهمة الانتشار خلال فترة حكم ميركل. وأمام ذلك، رأت "راينشه بوست"، أنه إذا ما صوّت عدد كبير من نواب الخضر ضد تمديد التفويض، فإن ذلك سيتطلب تفسيراً من بيربوك.
تجدر الإشارة إلى أن البوندسفير في العراق يمنح الشركاء في التحالف مرونة تشغيلية وتكتيكية، حتى إن القوات المسلحة الألمانية تستخدم راداراً للمراقبة الجوية من قاعدة عين الأسد العراقية، إلى جانب مشاركة الجنود الألمان من خلال نظام "أواكس" للإنذار المبكّر والتحكّم المحمول جواً.