رداً على مواقف روسيا الداعمة "ضمنياً" لانقلابه، أثنى القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على مواقف روسيا "الصادقة". ومع تشديده على أهمية التعاون معها في المجالات العسكرية والاقتصادية والاستثمارية، أبقى البرهان الباب موارباً أمام تنفيذ اتفاق القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان، وأشار إلى وجود بعض الملاحظات بشأنها، لكنه أكد أن السودان ملتزم بتنفيذ الاتفاقية الخاصة بالقاعدة، في مسعى للحصول على دعم روسي أكبر لمواجهة الضغوط الشعبية والخارجية المتزايدة.
واختار البرهان وكالة "سبوتنيك" الروسية لتوجيه رسائل إلى الأطراف الخارجية والداخلية والدفاع عن انقلابه، يوم الاثنين الماضي. ونقلت الوكالة عن البرهان قوله في تصريحات نشرتها على عدة أيام: "نحيي روسيا على موقفها الداعم باستمرار للحكومات والشعوب في أن تقرر مصيرها، ونقدّر ونحترم روسيا فهي صديقة للشعب السوداني، قبل أن تقف إلى جانب الأنظمة". وفي إشادة بموقف موسكو الرافض لإطلاق صفة الانقلاب على سيطرته على الحكم، وحلّ مجلس السيادة والحكومة وفرض حالة الطوارئ، قال البرهان إن "مواقف روسيا دائماً صادقة، وتنظر بأعين مفتوحة، فيما آخرون ينظرون من زاوية واحدة، وإلى نصف الكوب فقط"، في رسالة تنطوي على انتقاد الدول التي دانت الانقلاب وطالبت بالتراجع عنه.
اختار البرهان وكالة "سبوتنيك" الروسية للدفاع عن انقلابه وتوجيه رسائل للداخل والخارج
وطمأن البرهان روسيا إلى نيّته استمرار التعاون العسكري، خصوصاً في مجال صفقات السلاح، مشدداً على أنّ "روسيا صادقة دائما في تعاملها معنا، وهي حريصة على تطوير التعاون وتطوير القوات المسلحة السودانية، بقدر حرصنا على العلاقة وعلى تطوير القوات المسلحة".
وبعد السجالات الطويلة والغموض بشأن إنشاء القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان، بدا واضحاً أن البرهان يريد استغلال حاجة روسيا لبناء القاعدة من أجل الحصول على دعم إضافي منها لحركته الانقلابية، فمع إشارة البرهان إلى أنه "لدينا اتفاق مع روسيا من ضمنه القاعدة، ونتحدث فيه باستمرار، ولدينا بعض الملاحظات نحتاج إلى إزالتها"، خلص البرهان إلى القول "ملتزمون بالاتفاقيات الدولية وسنمضي في تنفيذها حتى النهاية".
ومعلوم أن الحكومة الروسية كشفت، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، عن التوصل إلى اتفاق مبدئي مع السودان من أجل بناء قاعدة دعم تقني ـ فني بحرية للأسطول الروسي في بورتسودان. ولاحقاً، تم الإعلان عن توقيع موسكو والخرطوم اتفاقية بهذا الخصوص، على ألا يزيد عدد الأفراد الروس فيها عن 300. إلا أن مشروع القاعدة واجه مصيراً مجهولاً بعد إعلان الجانب السوداني، مطلع الصيف الماضي، عزمه إعادة النظر في الاتفاقية، كما تزيد الاضطرابات السياسية الحالية من الغموض حول تحقيقه على أرض الواقع. وسعى السودان إلى ربط بناء القاعدة بموقف روسي داعم له في موضوع سد النهضة، لكن الجهود لم تُكلل بالنجاح.
كما أكد البرهان أن السودان، في ظل حكمه، مستعد لمواصلة التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية مع روسيا، وقال: "هناك مجالات للاستثمار ليست بالسهلة، فُتح الحديث عنها والتحاور فيها، ونتمنى أن نراها قريباً على أرض الواقع... وهناك حديث عن الاستثمار في التعدين والطاقة والزراعة، وأظنه يسير بطريقة جيدة". وتعمل شركات روسية في مجال التنقيب عن الذهب وتعدينه في السودان، كما تنقب شركات أخرى عن اليورانيوم، وتسعى الشركات النفطية إلى الدخول في السوق السودانية في مجال استخراج النفط وبناء معامل للتكرير.
وبعيداً عن الرسائل الموجهة إلى الجانب الروسي، بعث البرهان رسائل جديدة إلى المجتمع الدولي، وذكر في حواره مع " سبوتنيك" أنه ينوي تنظيم انتخابات في السودان في غضون عام ونصف العام. وقال: "تشاورنا مع الكثير من الجهات من قبل عن المدة المناسبة للانتهاء من الانتخابات، وإحدى هذه الجهات التي تشاورنا معها هي اليونيتامس (البعثة الأممية في السودان) وجميعها أفادت بأن العام والنصف مدة كافية للتحضير للانتخابات"، مشددا على أن "القوى السياسية لا بد أن تهتم بالانتخابات". وحول تعليق البنك الدولي والغرب المساعدات المالية إلى السودان، قال البرهان: "نقول لكل من يريد تقديم الدعم والمساندة، إذا كان يريد تقديمهما للسودان والسودانيين، فمرحباً بهذه المساندة، وإذا كان يريد تقديم المساعدة لفئة محددة أو مجموعة محددة، فنحن لا نرحب بهذه المساعدة".
وفي تصريحات ضمن الحوار نفسه، نُشرت السبت الماضي، نفى البرهان أن تكون القرارات التي اتخذها الاثنين الماضي بمثابة انقلاب عسكري، واعتبرها "تصحيحاً للمسار"، ووصف قرار حل الحكومة بأنه كان "ضرورياً" بعد "عجزها عن معالجة الأزمات". ونقلت "سبوتنيك" عن البرهان قوله "من يظن أن هذا انقلاب فهو غير صادق، لأننا موجودون بالسلطة، وإذا كان هناك انقلاب، فكنا لنتغير نحن أيضاً، ولكن ما حدث تصحيح للمسار وتصحيح للانتقال". وانتقد البرهان التصريحات الدولية الرافضة للانقلاب، وقال إنه كان يتوقعها لأن جزءاً كبيراً من الإعلام "غير صادق وغير أمين"، وحمل على الإعلام "المضلل".
نفى البرهان أن تكون القرارات التي اتخذها، الاثنين الماضي، بمثابة انقلاب عسكري، واعتبرها "تصحيحاً للمسار"
ودافع البرهان عن قراره حل حكومة عبد الله حمدوك التي "فشلت في التوافق على قيام المجلس التشريعي وقيام حكام الولايات، وفشلت حتى في احتواء القوى السياسية". وعلى الرغم من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة، رأى البرهان أن قراراته الأخيرة مهمة لاستقرار السودان، وحمّل الأحزاب المكونة للائتلاف المسؤولية عن "خلل كبير في مسار الفترة الانتقالية"، مضيفاً "عجزت الأحزاب المكونة للائتلاف في التوافق على أي من موضوعات الساعة".
وزعم البرهان أنه تم إبعاد حمدوك عن منزله في بداية "الحراك والتغيير" لحمايته قبل أن يتم استهدافه. وقال إن "هذه الخطوة، خطوة الإصلاح، كنا نتحدث عنها مع حمدوك قبل أن تحدث من جانبنا، وتحدثنا عن أنه يجب أن نخرج سوياً للشعب السوداني، أنا ورئيس الوزراء، ونكشف لهم حقيقة الأوضاع من انقسامات سياسية، واصطفاف قبلي، ودعوة للتمرد، وقفل البترول". وذكر أنه اتفق مع حمدوك على "الخروج سوياً للشعب السوداني، وتوضيح المخاطر لهم، وضرورة إعادة الأمور لما كانت عليه قبل قيام هذه الحكومة، لكن الظروف لم تمكّنا من الوصول إلى توافق، ومستمرون في هذا الأمر حتى الآن".
وكشفت تصريحات البرهان، الذي يعاني عزلة دولية متزايدة، أنه يراهن على موقف روسي داعم لانقلابه مقابل تنازلات تتضمن استكمال اتفاق القاعدة البحرية للأسطول الروسي، وضمان عمل الشركات الروسية الموجودة حالياً في السودان، وتوسيع مجالات العمل أمام الشركات الروسية الأخرى.