شكلت العمليات الثلاث التي وقعت خلال أقل من أسبوعين، بدءا من عملية بئر السبع، الأسبوع الماضي، وحتى عملية بني براك أمس الأول، وأوقعت 11 قتيلاً إسرائيلياً، مفاجأة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وكان الاحتلال دأب، منذ منتصف فبراير/شباط الماضي، على التحذير من سيناريوهات تتوقع اشتعال الأوضاع في القدس المحتلة خلال شهر رمضان (الذي يبدأ في 2 إبريل/نيسان المقبل)، والذي وصفه قادة في جهاز الشاباك الإسرائيلي "رمادام" بمعنى "رمضان الدم"، بحسب ما كانت كشفته صحيفة "يسرائيل هيوم"، عند نشرها تقريراً عن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد، قبل أكثر من أسبوعين، للأردن ولقائه بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، تبعتها زيارة أخرى لكل من وزير الأمن الداخلي عومر بارليف للأردن الأسبوع الماضي، وأخيراً زيارة وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس لعمان أمس الأول.
شكلت عملية بني براك الضربة الأقوى للحكومة الإسرائيلية لكون منفذ العملية جاء من قرية يعبد في الضفة
وفي الوقت الذي كان اهتمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ينصب على تهيئة الأرضية العامة، إسرائيلياً وبالأساس إعلامياً، لاحتمالات تفجر الأوضاع في القدس المحتلة، خلال شهر رمضان، بحجة تزامنه مع "عيد الفصح اليهودي"، والاقتحامات التقليدية لمستوطنين لباحات المسجد الأقصى، جاءت الضربة الأولى لهذه التقديرات، التي رافقها نشاط دبلوماسي كثيف طاول أيضاً زيارات أمنية لمصر للضغط على حركة حماس، وأخرى للأردن ورام الله.
وتلقت دولة الاحتلال أول ضربة لتقديرات أجهزتها الأمنية، بالعملية التي نفذها في الـ23 من الشهر الحالي محمد غالب أبو القيعان في مدينة بئر السبع، وتمخضت عن مقتل أربعة إسرائيليين فيها. ثم تلتها ضربة ثانية مطلع الأسبوع الحالي، في عملية الخضيرة التي نفذها اثنان من مدينة أم الفحم، هما إبراهيم إغبارية وابن عمه أيمن إغبارية.
وكان مصدر الصدمة في العمليتين المشار إليهما أن المنفذين من فلسطينيي الداخل أولاً، وانتماء كل من أبو القيعان وإبراهيم إغبارية، أو على الأقل سعيهما للالتحاق، بحسب روايات الاحتلال، بقوات تنظيم "داعش" في سورية عبر الأراضي التركية.
عملية بني براك أقوى الضربات
لكن عملية بني براك، مساء أمس الأول الثلاثاء، شكلت الضربة الأقوى حالياً للحكومة الإسرائيلية الراهنة، لكون منفذ العملية جاء من قرية يعبد في الضفة الغربية المحتلة، ولجوئه لاستخدام السلاح الناري، في عملية جريئة في قلب مدينة إسرائيلية تقع قرب تل أبيب.
وأدى هذا الأمر إلى شحن الأجواء الإسرائيلية بمخاوف من عودة موجة عمليات استشهادية داخل المدن الإسرائيلية، على غرار العمليات التفجيرية والاستشهادية التي اجتاحت إسرائيل خلال فترة حكومة إسحاق رابين، وتحديداً بين عامي 1994 و1995، وسببت أزمة كبيرة لحكومة رابين، ثم أساساً دعائياً دموياً وظفه بنيامين نتنياهو للانتصار على منافسه شمعون بيرس في الانتخابات عام 1995 بعد مقتل رابين.
وقد أشار، أمس الأول، رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق، ووزير الأمن، شاؤول موفاز، في مقابلة مع إذاعة "إف إم 103"، إلى أوجه شبه أخرى مع الفترة التي سبقت الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية عام 2004، في العدوان الذي أطلقت عليه دولة الاحتلال "السور الواقي".
قصور استخباراتي لفهم ما يمكن أن يحدث
وتأتي العمليات الثلاث، الأخيرة، لتثبت مرة أخرى قصور الاستخبارات الإسرائيلية، سواء التابعة للجيش "أمان" أم جهاز الأمن العام "الشاباك"، أم الشرطة الإسرائيلية، في فهم حقيقة ما يحدث، وما يمكن له أن يحدث في الضفة الغربية المحتلة والقدس، أو في صفوف فلسطينيي الداخل وأراضي 48.
جهود الاحتلال منصبة على محاولة تبرئة ساحتها مسبقاً من أي مسؤولية عن جرائم قد ترتكبها خلال رمضان
ووقعت العمليات الثلاث، التي أوقعت 11 قتيلاً إسرائيلياً بينهم أربعة من عناصر الشرطة وحرس الحدود، جغرافياً في المنطقة التي كانت أخرجت من الحسابات كموقع لعمليات من هذا النوع.
وتم النظر إليها من قبل تقديرات للجيش أو المخابرات العامة والشرطة كمنطقة مرشحة لاضطرابات وتظاهرات احتجاجية، أو ربما إغلاق طرق ومحاور طرق رئيسية، رداً على تصعيد عسكري إسرائيلي شامل، سواء على الجبهة الشمالية مع سورية ولبنان و"حزب الله"، أم على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، على غرار "هبة الكرامة"، والمواجهات التي وقعت في بلدات الداخل الفلسطيني في مايو/أيار من العام الماضي، على أثر معركة "سيف القدس" ومحاولات المستوطنين وبلدية الاحتلال في القدس المحتلة إخراج عائلات فلسطينية من بيوتها في حي الشيخ جراح.
إسرائيل تحاول تبرئة ساحتها مسبقاً
هذه العمليات المفاجئة لإسرائيل فاجأتها أيضاً في موعدها المرتقب. فمنذ أن عمم العقيد أفي بلوط، قائد وحدة "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية)، أواسط فبراير الماضي رسالة لقادة الكتائب العسكرية والجنود الخاضعين له بالانتقال مطلع إبريل لنظام خدمة عسكرية مختلفة، تقوم على توقع اندلاع أحداث العنف في الضفة الغربية المحتلة ومحيط القدس بسبب تزامن رمضان مع عيد "الفصح اليهودي"، الذي يعني تكثيف الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وجهود دولة الاحتلال منصبة، حتى خلال لقاء النقب، مطلع الأسبوع الحالي في مستوطنة "سديه بوكير" الزراعية في النقب، على محاولة تبرئة ساحتها مسبقاً من أي مسؤولية عن أحداث دموية وجرائم قد ترتكبها قوات الاحتلال خلال رمضان.
وروجت دولة الاحتلال، بشكل بدا مبالغاً فيه، لتداعيات محتملة لارتفاع حدة التوتر في القدس المحتلة، وتحديداً في المسجد الأقصى، دون أن تشير إلى خطوات رسمية لمنع عمليات الاقتحام الاستفزازية التي يقوم بها مستوطنون للمسجد الأقصى، والدعوة بدلاً من ذلك إلى ما تسميه دولة الاحتلال في دعايتها المضللة لاحترام حرية العبادة، وهو المصطلح الذي استخدمه وزير الأمن الإسرائيلي، بحسب البيان الذي أصدره أمس الأول، بعد زيارته للأردن ولقائه الملك عبد الله.
وكان العاهل الأردني حذر، خلال لقائه بوزير الخارجية الإسرائيلية في عمان في الـ10 من الشهر الحالي، من مغبة الاقتحامات الإسرائيلية للأقصى، مطالباً بمنعها. كما طالب إسرائيل بتنسيق خطواتها في هذا الشأن مع عمان، وعدم اتخاذ قرارات أو خطوات مفاجئة للأردن.
الدفع بكتائب لتأمين الأوضاع
كل هذا يوضح أن حالة التأهب والاستنفار القصوى في إسرائيل، مع قرارات بدفع 14 كتيبة لتأمين الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة واثنتين أخريين على الحدود مع قطاع غزة، فشلت في منع العمليات الثلاث، رغم كل التحذيرات المشار إليها أعلاه، ومحاولة الضغط على السلطة الفلسطينية و"حماس" عبر الأردن ومصر وحتى الولايات المتحدة، لتفادي فقدان الاحتلال السيطرة على مقاليد الأمور.
تضع العمليات الثلاث حكومة الاحتلال الحالية أمام تحدٍ كبير من الداخل الإسرائيلي قبل كل شيء
لكن ذلك أيضاً لا يمنع حقيقة أن العمليات الثلاث تضع حكومة الاحتلال الحالية أمام تحدٍ كبير، من الداخل الإسرائيلي قبل كل شيء، خصوصاً من أقطاب المعارضة التابعين لحزب الليكود، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، أو غوغاء اليمين الأكثر تطرفاً من الحكومة الحالية، وفي مقدمتهم حزب "عوتصماه يهوديت"، الذي يقوده كل من بتسليئيل سموطريتش والكهاني إيتمار بن غفير، من خلال تكرارهما لنمط التظاهرات الاستفزازية والرقص على دماء قتلى العمليات الأخيرة.
وقد يطالب هؤلاء الحكومة الإسرائيلية بخطوات تعسفية وفرض عقوبات جماعية، والدفع باتجاه اجتياح عسكري للضفة الغربية، حيث ارتفعت بعض الأصوات المطالبة بمثل هذا الإجراء، وإلغاء التسهيلات التي أعلن الاحتلال عن اتخاذها لتحسين مستوى المعيشة في الضفة وقطاع غزة خلال شهر رمضان لتجنب الانفجار وإشعال الأوضاع.