سيقف الجنرال تييري بوركار، في احتفالات اليوم الوطني الفرنسي (يوم الباستيل)، في 14 يوليو/تموز المقبل، للمرة الأولى إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كرئيس الأركان الجديد للجيوش الفرنسية، بعد تقديم رئيس الأركان الحالي، فرانسوا لوكوانتر، الذي يشغل منصبه منذ العام 2017، استقالته.
يعول على بوركار للعب دور محوري في العلاقة المتوترة بين الجيش والسلطة التنفيذية
ولم تكن المهمة معقدة أمام ماكرون لاختيار بديل لرئيس أركان الجيوش الفرنسية المستقيل، فالجنرال الجديد يحظى بتقدير عسكري كبير، وهو اسم معروف في قصر الإليزيه، ما سيمكّنه من أداء دور محوري في العلاقة بين الجيش والسلطة التنفيذية، والتي تشوبها بعض التوترات، وخصوصاً تلك المتعلقة بالبيانات الأخيرة لجنرالات متقاعدين وعلى رأس عملهم، حذّروا فيها من انهيار الدولة وخطر ما سموه "الإسلام الراديكالي" واستعدادهم للتدخل إذا اقتضت الضرورة.
استقالة الجنرال لوكوانتر كانت منتظرة، لذا كان الإليزيه يعمل على الاستعدادات اللازمة لحدوث عملية التسليم بين الجنرالين بسلاسة. وفي هذا السياق، نقلت إذاعة "أوروبا 1" عن مدير الاستخبارات العسكرية السابق، الجنرال كريستوف جومار، قوله، إن "بوركار جنرال يحظى بتقدير كبير في الجيوش الثلاثة (البرّية والبحرية والجوية) وأعتقد أنه سيكون على مستوى المهمة التي تنتظره".
يتمتع رئيس أركان الجيوش الفرنسية الجديد بخبرة ميدانية كبيرة، إذ كان في صفوف القوات الفرنسية في مناطق صراع عديدة، مثل جيبوتي، العراق، يوغوسلافيا السابقة، تشاد، الغابون، ساحل العاج وأفغانستان. لكن بعد ذلك، أصبح دائم الحضور في قصر الإليزيه، عندما دخله في العام 2010 في قسم الاتصالات، ثم تدرج في المناصب إلى أن أصبح قائداً لمركز التخطيط وإجراء العمليات، ثم مستشاراً لمنسق المخابرات الوطنية في قصر الإليزيه. وشغل بوركار منذ العام 2019، منصب قائد أركان الجيوش الفرنسية البرّية.
وكان الجنرال بوركار قد وضع استراتيجية للجيش الفرنسي للعام 2030، كشف عنها في يونيو/حزيران الماضي، وأشار فيها إلى ضرورة أن تمتلك "فرنسا جيشاً برّياً قوياً، ومستعداً لمواجهة أصعب الأزمات". وهو أوضح في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، خلال منتدى عسكري، "ضرورة استعداد الجيش الفرنسي لنزاعات أقسى من تلك التي خاضها"، ما يتطلب على وجه الخصوص تجديد الأسطول المدرع والمدفعية، ولكن أيضاً الطيران وحرب المعلومات والطائرات من دون طيار.
حذّر عسكريون متقاعدون وفي الخدمة من حدوث حرب أهلية في فرنسا بسبب "التطرف الديني الإسلامي"
تنفيذ هذه الاستراتيجية سيكون أحد أبرز التحديات التي تنتظر بوركار، لكنه يملك أوراقاً قد تسهل عليه المهمة، فهو من بين عسكريين قلائل يملكون مفاتيح التواصل بين السلطة السياسية والجيش، ويقول جومار عنه في هذا الإطار "إنه على دراية كاملة بتحديات التواصل".
وكان الجنرال لوكوانتر قد أعلن يوم الأحد الماضي، نيّته ترك منصبه بحلول 14 يوليو/تموز المقبل، وسط توترات عصفت بين السلطة السياسية والجيش، على خلفية توقيع عسكريين على رأس عملهم وآخرين متقاعدين، عريضتين نشرهما موقع "فالور أكتويل" اليميني المتطرف، وباركتها زعيمة "حزب التجمع الوطني" مارين لوبان. وحذّر هؤلاء من حدوث حرب أهلية في فرنسا بسبب "التطرف الديني الإسلامي"، ما دفع لوكوانتر إلى الطلب منهم "تقديم الاستقالة". وقال في رسالة وجهها إليهم: "يتمتع كل جندي بحرّية الفكر ولكن يجب أن يميز بشكل لا لبس فيه بين الواجبات المدنية والعسكرية".
من هذه النقطة، يرى محللون أن تعيين قائد جديد لرئاسة أركان الجيوش الفرنسية الآن، سيقطع الطريق أمام احتمال تعيين جنرال يميني متطرف إذا ما تمكنت لوبان من الفوز بالانتخابات الرئاسية الفرنسية العام المقبل، إذ لو بقي الجنرال لوكوانتر في منصبه حتى 2022، سيكون حينها في سن التقاعد وسيكون الخيار في يد لوبان، لو ربحت، لاختيار شخصية تشغل هذا المنصب الحسّاس في فرنسا. كما ربط بعض المحللين استقالة لوكوانتر بإعلان ماكرون قرار إنهاء عملية "برخان" في منطقة الساحل الأفريقي (بحلول 2023). وكان لوكوانتر قد أشار في حديث لصحيفة "لوفيغارو"، الشهر الماضي، إلى أن القوات الفرنسية والأوروبية ستبقى في منطقة الساحل الأفريقي، حتى العام 2030.