تونس: مشهد انتخابي متأزم واستنفار في صفوف المعارضة

08 سبتمبر 2024
ناشطون يتظاهرون في تونس احتجاجاً على استبعاد مرشحين، 2 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التوتر السياسي في تونس قبيل الانتخابات الرئاسية**: تشهد تونس توتراً سياسياً قبل الانتخابات الرئاسية في 6 أكتوبر، مع إضراب عام دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، ودعوات لإشراف قضائي مستقل على الانتخابات.

- **عزلة هيئة الانتخابات وانتقادات دولية**: تواجه هيئة الانتخابات انتقادات واسعة من المجتمع المدني والسياسي ومنظمات دولية بعد استبعادها لثلاثة مرشحين، مما يهدد مصداقية ونزاهة الانتخابات.

- **تحركات المجتمع المدني والمعارضة**: شهدت تونس تحركات من المجتمع المدني والسياسي، مع تأسيس الشبكة التونسية للحقوق والحريات ودعوى ضد هيئة الانتخابات، وتحذيرات من خطر يتهدد البلاد.

تشهد تونس حالة من التوتر السياسي الواضح، قُبيل انتخابات رئاسية يحيط بها الكثير من الغموض. واليوم الأحد، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس قرار الإضراب العام، على أن يحدد موعده لاحقاً، بما يعكس عمق الخلافات الموجودة. وقال المرشح المستبعد عماد الدايمي، في منشور على صفحته على "فيسبوك"، إنّ "الحل للأزمة يكمن في انتخابات شرعية بإشراف قضائي مستقل بعد تنفيذ أحكام المحكمة، حيث يكون القرار للشعب، ودور الأجهزة هو حماية سيادته، وليس التحايل عليها".

وقبل قرابة شهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لا يزال الوضع في تونس ضبابياً بشأن قائمة المرشحين النهائية، بعد محاولة هيئة الانتخابات تجاهل قرارات المحكمة الإدارية بإعادة ثلاثة مرشحين إلى السباق، والسعي لفرض أمر واقع. ولم يتضح حتى الآن إذا ما كان الثلاثة الذين أعلنت عنهم هيئة الانتخابات قد يكونون فعلاً على ورقة الاقتراع يوم الانتخابات. 

فالعياشي زمال، أحد المرشحين الثلاثة، أُوقف في السجن ولوحق في قضايا افتعال تزكيات شعبية، وأُطلق سراحه ثم أُعيد اعتقاله، في مشهد غريب وغير مفهوم، وهو ملاحق في 25 قضية في موضوع التزكيات الشعبية. وهناك إشاعات حول إمكانية ملاحقة المرشح الثاني، الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، بينما يؤكد مسؤولو الحركة في تصريحات صحافية أنهم لا ينفون ولا يؤكدون الخبر، وينتظرون معرفة ذلك رسمياً. وليس من الثابت حتى الآن إلا ترشح الرئيس الحالي، قيس سعيّد

هذه التطورات حركت المشهد التونسي، خلال الأسبوع الماضي، وأبرزت مواقف ومبادرات لافتة من المجتمع المدني والسياسي، تثير في الوقت عينه تساؤلات عن فاعليتها وقدرتها على تغيير الأوضاع. وبرزت أيضاً مواقف دولية تنتقد الوضع في تونس، حيث قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، الخميس، في بيان لها، إنّ "هيئة الانتخابات التونسية تمهّد الطريق لولاية ثانية لقيس سعيّد".

وندّد الاتحاد الأوروبي، الخميس، بما اعتبرها "إجراءات مناهضة للديمقراطية". وعبّر الاتحاد عن استنكاره إيقاف أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية، واستبعاد ثلاثة مرشحين آخرين. واعتبرت متحدثة باسم الدبلوماسية الأوروبية، في بيان، أنّ "التطورات الأخيرة تظهر استمرار تقييد الفضاء الديمقراطي في تونس".

عزلة هيئة الانتخابات في تونس

وتزداد عزلة هيئة الانتخابات، فيما يكاد الإجماع يكون مطلقاً حول رفض قرارها باستبعاد المرشحين، عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي، بعد أن قررت المحكمة الإدارية إعادتهم للسباق. وأكدت جمعية القضاة في تونس وعشرات من أساتذة القانون الدستوري وعمداء كليات حقوق، في بيان، الخميس، أنّ "قرار الهيئة يجعل المسار الانتخابي في خطر باعتباره يمسّ بمصداقيته ونزاهته وسلامته، ويُؤدي لا محالة إلى التشكيك في نتائج الانتخابات في مرحلة لاحقة، كما يزعزع ثقة المواطن في القضاء الذي يُعتبر حامي الحقوق والحريات من أي انتهاك وفقاً لأحكام الدستور".

وبينما تقف هيئة الانتخابات وحدها في وجه كل المجتمع القانوني تقريباً، تنسحب هذه العزلة شيئاً فشيئاً على السلطة أيضاً، حيث تعددت المواقف الرافضة لهذا المسار الانتخابي، وتعالت أصوات كثيرة في ما يشبه الاستفاقة. وأعلنت عشرات الشخصيات والمنظمات والأحزاب، مطلع الأسبوع، تأسيس الشبكة التونسية للحقوق والحريات. وجاء موقف اتحاد الشغل بلهجة حادة حول المسار الانتخابي، أولاً في بيان الثلاثاء، عبّر فيه عن رفضه لقرار هيئة الانتخابات، واعتبره قراراً "خارجاً عن القانون، وتوجيهاً ممنهجاً ومنحازاً وإقصائياً وتأثيراً مسبقاً على النتائج، علاوة على أنّه ضرب صارخ للسلطة القضائية ولأحكامها".

والخميس، جاء موقف الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، في كلمة ألقاها أمام أعضاء المجلس الوطني، حيث أشار إلى أنه "لا يمكن اليوم القفز على الواقع السياسي المأزوم الذي بدأ يؤسس لنهج استبدادي أحادي الجانب في إدارة وتسيير الشأن العام". وذكّر الطبوبي، في تصريحات نقلها موقع الشعب نيوز التابع للمنظمة النقابية بـ"مطلب مراجعة عميقة وشاملة وعقلانية للدستور، وخصوصاً في ما يتعلّق بالنظام السياسي وشكل الحكم وتعديل القانون الانتخابي وقانون الأحزاب والجمعيات، في إطار حوار مجتمعي جدّي ومسؤول يتعزّز بقضاء عادل ومنصف ومستقلّ، لا بقضاء التعليمات، وأمن جمهوري ملتزم القانون ومبادئ حقوق الإنسان".

وفي السياق، أعلنت منظمة "أنا يقظ" أنها تقدمت بدعوى ضد هيئة الانتخابات في تجاوز السلطة. وقدّمت المنظمة "مطلب تأجيل وتوقيف تنفيذ في قرار الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات المتعلّق بضبط القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية". واعتبر الحزب الدستوري الحر أنّ "هيئة الانتخابات وصلت إلى طريق مسدود في إدارة العمليّة الانتخابية يستحيل معها مواصلة اضطلاعها بهذه المهمّة، وأصبحت استقالتها واجبة وضروريّة لحماية المصلحة العليا للوطن"، بحسب بيان له، الخميس.

الزنايدي: الخطر يتهدد تونس

من جهته، اعتبر المرشح للانتخابات الرئاسية منذر الزنايدي، في كلمة له مساء الجمعة، أنّ "الوضع في تونس مخيف والخطر يتهدد البلاد.. وهناك علامات ومؤشرات تدل على انهيار شامل"، مشدداً على أنه "لن يتراجع على حقه كمترشح للانتخابات الرئاسية". وبيّن الزنايدي أن "هناك ديناميكية جديدة في البلاد انطلقت منذ فترة ضد الشعبوية التي خسرت كل معاركها الأخلاقية والقانونية والسياسية".

وحول أفق هذه التحركات المدنية والحزبية، وما إذا كانت هذه الديناميكية قادرة على حلحلة الوضع وتكتل المعارضة وعزلة السلطة، اعتبر الباحث زهير إسماعيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "عزلة السلطة حقيقة ماثلة قبل دخول المشهد السياسي إلى ما يشبه الزمن الانتخابي، وهي نتيجة لثلاث سنوات من الحكم الفردي المطلق الفاقد للرؤية والبرنامج والعاجز عن تحقيق الأدنى والمسؤول عن وضع كارثي غير مسبوق تعرفه البلاد على كل الأصعدة". 

وأضاف إسماعيل أنّ "هذه العزلة السياسية تأكدت في الداخل مع ردة فعل السلطة على الديناميكية التي أحدثها الاستعداد للموعد الانتخابي، ورغبة الناس في انتخابات حرة وديمقراطية تطوي صفحة الانتخابات الصورية التي نظمتها سلطة الانقلاب ولقيت نسبة مقاطعة عالية من الناخبين فاقت الـ90%". 

وأشار المتحدث إلى أن "هيئة الانتخابات المُنَصّبة، سعت لوضع عراقيل غير قانونية أمام المرشحين وانتهت إلى ضبط قائمة أولية بثلاثة مرشحين ورفضت مطالب شخصيات وطنية وازنة، غير أنّ المحكمة الإدارية، وهي السلطة العليا والمرجعية في النزاع الانتخابي في ظل غياب محكمة دستورية، قضت جلستها العامة في حكم تاريخي بعودة المترشحين عماد الدايمي ومنذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي إلى السباق الانتخابي". 

وأردف: "لكن الهيئة رفضت الحكم الإداري غير القابل للطعن، وحصرت القائمة مرة ثانية في ثلاثة مرشحين، هم قيس سعيّد وزهير المغزاوي والعياشي الزمال الذي أودع السجن بتهم واهية بغاية حرمانه المنافسة. ورغم قرار النيابة بمتابعته قضائياً وهو في حالة سراح، فقد اعتقلته جهة أمنية لحظة خروجه من الإيقاف. كل ذلك خوفاً من أن تتوحد المعارضة الديمقراطية على اختياره، وقد أجمعت على أنّ الانتخابات تمثل الأمل الأخير لإنقاذ البلاد من الهاوية".

وأكد إسماعيل أنّ "المجتمع المدني شهد استفاقة، اختُلف حول دلالتها السياسية، ولكنها على قدر كبير من الأهمية. فالمجتمع المدني كان في أغلب منظماته الفاعلة مسانداً للانقلاب على الدستور والديمقراطية، وقد أثار موقفه هذا استغراب المانحين الغربيين من أوروبيين وأميركيين". وقال إنّ "هذه الاستفاقة متمثلة في بيان اتحاد الشغل وتشكيل شبكة الحقوق والحريات من منظمات وجمعيات وأحزاب عديدة تشير إلى أنّ المعركة الانتخابية في جوهرها معركة سياسية، وهي المنفذ الوحيد للخروج من الأزمة المركبة، وهذا ما تخشاه السلطة المعزولة في الداخل والخارج". وشدد على أنّ "بإمكان المعارضة الديمقراطية أن تغيّر كل التوازنات بفوزها شبه المؤكد بالانتخابات، وهو ما سيدفع الأجهزة إلى حماية نتائج الصندوق ومحصلته السياسية، حفاظاً على وحدة الدولة واستمرارها". 

وقال إسماعيل إنّ "وراء إصرار السلطة على منع الانتخابات النزيهة والشفافة إرادة بتغيير هيئة الدولة، وإنّ نمطاً من الدولة الشمولية لم تعرفه بلادنا في تاريخها الحديث بصدد التركيز. ولذلك، فالإنقاذ صار متجهاً إلى الدولة (البنية والشرعية) أكثر من اتجاهه إلى الديمقراطية". 

في المقابل، اعتبر المحلل السياسي أحمد الغيلوفي، في تصريح لـ"العربي الجديد " أن "المشهد الحالي مشهد عبثي على طريقة ما كان يحدث في الستينيات من القرن الماضي، وهذه نتائج منطقية لانقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، ونتيجة طبيعية لنخبة سياسية ونقابية على غاية من الضحالة والتناحر".

وبخصوص هذه الديناميكية السياسية، التي برزت من خلال الإصرار على الترشح للانتخابات وتجنب المقاطعة، وكل هذا الحراك المدني، اعتبر الغيلوفي أن "الترشح للرئاسة حق مشروع، ولكنه يدل على عدم فهم لما حصل يوم 25 يوليو 2021، وهناك من يتعامل مع الوضع كأن قيس سعيد يلتزم القانون"، مضيفاً أنّ "الرجل، منذ اللحظة الأولى، كان فوق القانون، وأنا سبق أن صرحت أنه لن يسلّم السلطة عبر الانتخابات، فمن قام بالانقلاب لن يسلم السلطة، وسيستميت في البقاء فيها، خصوصاً في ظل عدم وجود أي قوة موازية له".

وأضاف الغيلوفي أن "ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بوجود رغبة أقوى منها"، مبيناً أنّ "قوة المؤسسات والمنظمات غير موجودة، وهذه الاستفاقة للأسف متأخرة جداً، خصوصاً بعد رفض هيئة الانتخابات تطبيق أحكام المحكمة الإدارية، وتشكيل شبكة الدفاع عن الحقوق والحريات ستكون تحت سقف الانقلاب، وكل ما يشغلهم هو المرسوم 54، وكأن الدستور والانفراد بالسلطة لا يزعجهم، وهم يريدون فقط نافذة صغيرة للحقوق والحريات حتى في ظل قيس سعيد وليس الديمقراطية". وأردف: "لو تجري انتخابات يمكن أن تقود إلى فوز النهضة وعودة الإسلاميين، فسيكونون مجدداً مع قيس سعيّد، ولذلك فهي مبادرات ونخب غير جدية، حقق لها الانقلاب أهم أهدافها، وهو إقصاء الإسلام السياسي".