تصاعدت هواجس معارضي الرئيس التونسي قيس سعيّد، من إقصائهم سياسياً من المشاركة في الاستحقاقات المقبلة، جراء تمسك الرئيس بعدم إشراكهم في الحوار الذي يخطط له، ما يشي بتوجه لديه لعزلهم.
سعي قيس سعيّد لعزل معارضيه
ولطالما أعلن سعيّد رفضه الحوار مع "المتآمرين ضده وضد البلاد في الغرف المظلمة، ومن باعوا ذممهم"، بحسب تعبيره. غير أنه كان أكثر وضوحاً في آخر تصريحات له يوم الجمعة الماضي، بقوله إن "الحوار لا يمكن أن يكون مع من نهبوا مقدرات الشعب" أو مع من "أرادوا الانقلاب على الدولة وتفجيرها من الداخل".
ويلمح سعيّد هنا إلى النواب والأحزاب الذين شاركوا في جلسة برلمانية في 30 مارس/آذار الماضي، صوّت الحاضرون فيها على قانون إنهاء الوضع الاستثنائي الذي يفرضه سعيّد منذ 25 يوليو/تموز الماضي.
ولم يخف الرئيس التونسي في وقت سابق، دعواته للقضاء والنيابة العمومية للتحرك ضد النواب والأحزاب ممن شملهم التقرير الذي وضعته محكمة المحاسبات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي والخاص بالانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، لتتبعهم ومحاسبتهم بسبب "تلقيهم تمويلات مشبوهة".
وقال صراحة إن "هذه الأحزاب لن تشارك في الانتخابات"، بما يشير إلى مشروع عزل سياسي قد يكون سعيّد بدأ التمهيد له وإعداد الرأي العام لذلك، بينما تشجع أحزاب داعمة للرئيس على ذلك، حتى تستبعد منافسين من السباق الانتخابي المقرر، وفق خريطة سعيّد، نهاية العام الحالي.
الصغير الشامخ: سن سعيّد لقانون يعزل خصومه سياسياً، أمر وارد
ترجيحات بإقصاء معارضي الرئيس التونسي من الانتخابات المقبلة
في السياق، قال القيادي في حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، الصغير الشامخ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "سنّ سعيّد لقانون يعزل خصومه سياسياً أو يقصيهم من المشاركة في الانتخابات المقبلة، أمر وارد، غير أن القوانين التي قد يصدرها، ستؤثر على طبيعة المحطات السياسية المقبلة وطرق المشاركة فيها".
وأضاف "كما أن محاكمة النواب والبرلمانيين من أجل استبعادهم من الانتخابات أمر وارد أيضاً". وأوضح الشامخ أن "التونسيين بإمكانهم مقاطعة الانتخابات والاستحقاقات إذا شعروا بأن نتائجها معدّة سلفاً، وبإمكانهم إسقاط القوانين وإسقاط حتى أصحابها قبل الاستحقاقات".
واعتبر أن "من يستبعد المؤسسات المنتخبة من المشهد، لا يُستبعد أن يقصي كل خصومه ومنافسيه السياسيين. وقد أشار المنقلب قيس سعيّد في أكثر من مرة، إلى أنه يُعد لانتخابات أو لحوار مع من يصفهم بالوطنيين ويستبعد من يعتبرهم غير وطنيين، وهذا خطابه حتى قبل 25 يوليو".
وشدد المتحدث نفسه على أن "البلاد تحتاج إلى حوار وطني إدماجي وفق تصورات واضحة، للحفاظ على التجربة الديمقراطية"، مشيراً إلى أن "الديمقراطية بطبيعتها إدماجية وتشمل الجميع وتدير الاختلاف حتى مع من تختلف معهم".
وبين أن "الديمقراطية التي يتحدثون عنها الآن، تشمل من يتشابهون في ما بينهم ولا تشمل المختلفين، وما يؤسسون له ليس ديمقراطية أساساً بقدر ما هو شكل من أشكال الاستبداد المنغلق الاستبعادي". وتابع الشامخ: "يقيناً، لا يمكن أن تعيش تونس بمثل هذا النظام؛ سواء أرساه قيس سعيّد أو غيره".
وقبل أيام، رجح القيادي في "التيار الديمقراطي" نبيل حجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن يكون القانون الانتخابي الجديد "شبيهاً بقانون العزل السياسي الذي كان يستهدف حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وفلوله) المنحل (عام 2011) بصيغة من الصيغ".
وأوضح "إذ يُحال مثلاً كل من انتمى إلى برلمان 2019 على التقاعد السياسي لخمس أو عشر سنوات بطريقة تمنعه من المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، بما يصنع برلماناً مشتتاً يمكّن سعيّد من ممارسة سلطاته بشكل مطلق".
ولفت حجي إلى أن "من يظن أنه ستكون في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل انتخابات تعددية وشفافة ونزيهة، فهو واهم. فإما لن تكون هناك انتخابات أصلاً، وسيجد سعيّد في ما بعد حجة مثل عمل إرهابي أو خطر داهم أو أي شيء آخر لتأجيلها، أو سيكون هناك انتخابات بقانون على المقاس يضمن به سعيّد عدم نجاح أي معارض له".
أسامة عويدات: نحن مع أن يشارك في الحوار الداعمون لمسار 25 يوليو
مؤيدو سعيّد يدعمون المسار الإقصائي
في المقابل، قال عضو المكتب السياسي لـ"حركة الشعب"، أسامة عويدات، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تحصين المسار الثوري لم ينته، فلحظة 25 يوليو تحمل نفس مطالب وشعارات 17 ديسمبر 2010 التي تم الانحراف بها، قبل أن تعود من جديد في إطار تصحيح المسار".
وتابع أن "مواقفنا بشأن الحوار واضحة، فنحن مع أن يشارك فيه الداعمون لمسار 25 يوليو، ولا يمكن لمن اعتبر هذا المسار انقلاباً أن يشارك في تأثيث ما بعد 25 يوليو". وقال "نحن ندعو إلى حوار عمودي يجمع المنظمات والأحزاب الداعمة لـ25 يوليو فقط".
واعتبر عويدات أن "هناك مجموعة من المفسدين وممن أضروا بالبلاد ودمروها اقتصادياً واجتماعياً، كما دمروا علاقات تونس الخارجية، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا جزءاً من إصلاح البلاد".
وحول إمكانية طرح قانون لعزل هؤلاء سياسياً، قال عويدات "من صدر فيه حكم قضائي لا يمكن أن يكون طرفاً في حكم تونس مستقبلاً"، مشيراً إلى أن "منعهم وإبعادهم عن المشاركة في الانتخابات المقبلة متروك للقضاء، ومن سيدخلون للسجون لا يمكن أن يكونوا طرفاً في الانتخابات".
ودعت مجموعة أحزاب مساندة لسعيّد، في بيان مشترك يوم الجمعة الماضي "القوى الوطنية والديمقراطية، أحزاباً ومنظمات، إلى ضرورة التأسيس لحالة سياسية من أجل تحصين المسار الثوري ودرءاً لكل مخاطر الانتكاسة والارتداد".
وأكدت "ضرورة مراجعة القانون الانتخابي والدستور وتشريك القوى الوطنية والديمقراطية الداعمة لمسار التصحيح، فضلاً عن حتمية التسريع بمحاسبة كل من تورطوا في الفساد على أنواعه، من أجل تحقيق مناخ انتخابي شفاف".
وشددت هذه الأحزاب على "تمسكها بتنظيم الانتخابات التشريعية في التاريخ المحدّد ضمن خارطة الطريق (17 ديسمبر 2022) التي حددتها الاجراءات الاستثنائية".
وحمل البيان توقيع كل من حركة "تونس إلى الأمام" و"التيار الشعبي" و"الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي" و"حركة الشعب" و"حركة البعث" و"ائتلاف صمود" و"الجبهة الشعبية الوحدوية" و"الاتحاد الوطني للمرأة التونسية".
وعرفت تونس خلال فترة كتابة الدستور بعد الثورة، محاولات متكررة لتمرير قانون للعزل السياسي أو بنود في القانون الانتخابي أو حتى على مستوى الدستور، تقضي بعزل المنتمين إلى حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" المنحل.
ولكن هذه المحاولات لم تفلح، خصوصاً بعد حصول توافق على الحكم المشترك، بين زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، والرئيس التونسي الراحل وزعيم حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي.