هل بدأت المعارضة التونسية تعي فعلاً حجم الرهان المطروح في البلاد، وهل كان ينبغي أن يمرّ كل هذا الوقت وكل هذه الأحداث حتى يبرز صوت رشيد يصوّب الخطاب والبوصلة في الاتجاه الصحيح؟
قال الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، مساء السبت الماضي في ندوة سياسية نظمتها جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس، ما كان يجب أن يُقال منذ أشهر، وطرَح قاعدة الفرز الحقيقية التي على أساسها كان يحب أن يتحرك الطيف السياسي المدافع عن الديمقراطية، إذا كان فعلاً يريد الدفاع عنها.
قال الشابي بوضوح لافت إن "المعركة اليوم تستهدف الجميع، حقوقيين ونقابيين وسياسيين وإعلاميين". وفسّر بأن "المعركة اليوم ليست بين إسلاميين ويساريين أو وسطيين وليبراليين، بل هي معركة بين الديمقراطيين وأعداء الديمقراطية، ولا بد من مؤتمر وطني للمعارضة التونسية للدفاع عن الديمقراطية وغلق هذا القوس، لأن الوقت ينفد، ولم يبق سوى التقدم بعرض موحد قادر على قلب موازين القوى، واللحظة تستدعي توحيد اللقاءات والمبادرات لإنقاذ تونس".
لم يكن هذا غريباً على عصام الشابي، الذي تربّى في حزب حمضه النووي هو الديمقراطية، الحزب الجمهوري، سليل الحزب الاشتراكي التقدمي الذي كان ملاذ المعارضين قبل الثورة. والحقيقة أن مواقف عصام الشابي لم تتغير برغم كل الامتحانات الصعبة التي تعرض لها حزبه وشخصه، وظل على نفس المواقف ولم يتورط في هدم الرصيد الديمقراطي في البلاد وتفتيته على قاعدة الحسابات السياسية الضيقة، كما حدث للأسف مع قامات سياسية كبيرة أخرى أغراها طموحها وحساباتها الضيقة في خيار الطريق الذي يهدم البناء على الجميع أمام مصلحة الشخص وحسابات الحزب وغربال الأيديولوجيا.
ولعل حركة النهضة وشركاءها، يكتشفون اليوم من هو الصديق الحقيقي، وكم ضيعوا على البلاد من فرصة ومن شخصية كان يمكن أن تسندها، لولا عمى الحكم وأوهام السلطة الكاذبة.
ولكن المهم اليوم أن يعم وعي الشابييْن، عصام وأحمد نجيب، على كل الطيف المعارض، وأن تمتد الأيادي خارج قاعة ندوة السبت، لتشمل الجميع قبل فوات الأوان، وتجد الدعوة لتوحيد المعارضة صداها قبل أن ينهار الوضع تماماً.
لقد أوضح الطرف المقابل، الرئيس قيس سعيّد، أنه ذاهب في معركته إلى الآخر، وأنه بدأ في مرحلة تصفية خصومه، قضائياً، وهو يخوض معركة الكل في الكل، وقد يعجّل في غمرة هذا التخبط بدفع المعارضة، كل المعارضة، السياسية والاجتماعية والحقوقية، إلى أن تفهم أخيراً، وتنقذ ما يمكن إنقاذه. إلا إذا استوطن بينها الغباء السياسي وأصرت على نفس الحسابات، ساعتها ضاع كل شيء.