تونس في مهب التكهنات

تونس في مهب التكهنات

03 ابريل 2023
تعاني تونس من وضع معيشي صعب (Getty)
+ الخط -

يعيش التونسيون حالة من الضبابية غير المعتادة، غموض في كل شيء يكتنف مصيرهم، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وبيئياً أيضاً. وأفاق التونسيون منذ أيام على قرار حكومي جديد بتقسيط توزيع مياه الشرب على البيوت، ومنع غسيل السيارات والزراعة بالمياه الصالحة للشرب، وإلا فغرامات مالية وحتى السجن ينتظر المخالفين. قد يكون هذا أمراً مقبولاً في بعض البلاد التي تعوّدت على الجفاف، أما تونس التي كانت تُلقب بالخضراء فمذهولة من تكدس المآزق والصعوبات، وعلينا أن ننتظر الصيف لنفهم خطورة هذا القرار وأهمية تداعياته على حياة الناس.

منذ سنوات، عندما حذّر الرئيس السابق منصف المرزوقي من هذا الوضع البيئي الخطير، ودعا للاستعداد له، خرجت جوقة المشككين في كل شيء تتندر من ذلك الحديث، ليقف الجميع اليوم على حقيقة مرّة كان ينبغي للحكومة أن تستعد لها من قبل بمحطات تحلية المياه، حتى لا تضع شعباً في مواجهة العطش، فيما هي بلا إمكانيات مادية تمكّنها من تفادي ذلك، بل إن خزائنها اليوم فارغة تنتظر جهوداً إيطالية من حكومة يمينية متطرفة، تدافع عنها في الأروقة الدولية حتى تحصل على دين جديد يثقل كاهلها من صندوق النقد الدولي، ولكن لا حل غيره لإنقاذ البلاد من الإفلاس ومواجهة المجهول.

ولكن تونس، على الرغم من كل ذلك، تربط مصيرها بتكهنات لا تملك فيها أي جزء من القرار، وإنما ترتهن لجهات دولية أصبحت تتداول في الملف التونسي، فيما القيادة التونسية تتفرج وتتابع وكالات الأنباء، وهي وضعية سريالية يتابعها التونسيون مندهشين مما وصل إليه وضعهم المزري.

وتحيط التكهنات بكل نواحي الحياة في البلاد، فلا مصير الوضع الاقتصادي واضح ولا أفق الحل السياسي تبيّن، ولا حتى وضع الرئيس قيس سعيّد، الغائب لأيام طويلة من دون أي توضيح من السلطات المسؤولة.

وحتى ظهر أمس الأحد، لم تكلف أي جهة رسمية عناء مخاطبة التونسيين بشأن موضوع مهم للغاية، ما فتح أبواب التكهنات على مصراعيها أمام جمهور "فيسبوك". فعدم ظهور الرئيس لأكثر من عشرة أيام ليس أمراً عادياً يجرى التعامل معه بالصمت واللامبالاة، وأياً تكن الأسباب، فإن هذا الأسلوب في إدارة الدولة لا يمكن إلا أن يضع البلاد على حافة المجهول.

وأمام هذه الأوضاع الغامضة، تلوح أمام التونسيين أيام صعبة للغاية، ربما تكون الشدة التي يليها الانفراج، أو ربما تكون بداية مرحلة مفتوحة على كل الاحتمالات، وقد ينتهي معها صبر الناس الذي طال على نخب فشلت في الجلوس إلى طاولة واحدة لإنقاذ بلدها، لا أحد يعرف في بلد صار محكوما بالتكهنات.