تونس: صاروخ في السماء وأزمة حادة على الأرض

24 مارس 2021
حذّر البنك الدولي من تأجيل الإصلاحات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

مرّت الذكرى الـ65 لاستقلال تونس (20 مارس/آذار الحالي) من دون احتفال رسمي، ما زاد من الغموض والحيرة اللذين يلفّان البلاد منذ فترة طويلة. ولولا "تحدي 1"، وهو أول قمر صناعي تونسي، وأطلقته أول من أمس الإثنين شركة "تلنات" المتخصصة في صناعة البرمجيات والأنظمة الإلكترونية من محطة "بايكونور" الفضائية في كازاخستان على متن صاروخ "سويوز 2"، لضاعت نهائياً هذه المناسبة الوطنية التي تأسّست بموجبها دولة الاستقلال. فقد أشعر إنجاز "تحدي 1"، الشباب التونسي بأن المستحيل يُمكن تجاوزه، إذا ما توفرت الإرادة وروح المغامرة. وكانت راجت أخبار خلال الأيام الأخيرة الماضية أفادت بأن الرئيس التونسي قيس سعيّد يتهيأ لإلقاء خطاب سيُعلن فيه عن إعادة إطلاق الحوار الوطني المنتظر، لكن مناسبة 20 مارس مرّت من دون أن يحدث أي شيء. فالرئيس لا يزال يراهن على أن تستجيب الأطراف السياسية الأخرى لشروطه، وفي مقدمتها استقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي. في المقابل، أعرب الأخير عن يقينه بأن الطبقة السياسية ومؤسسات الدولة سوف تتعاون مع بعضها، للانكباب على خدمة التونسيين، موجهاً دعوة غير مباشرة إلى رئيس الدولة بقوله "يزينا (يكفينا) ما عطّلنا بعضنا، وانخرطنا في التعطيل. حتى مؤسسات الدولة انخرطت في مسار التعطيل هذا". أما رئيس البرلمان، ورئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، فقد حمّل قيس سعيّد مسؤولية التعطيل الذي تعاني منه الحكومة، نافياً بشكل قطعي أن تكون للبرلمان أيّ مسؤولية في ذلك.

لا يزال سعيّد يراهن على أن تستجيب الأطراف السياسية لشروطه، وفي مقدمتها استقالة المشيشي

هكذا، يستمر حوار الصمّ بين الرؤساء الثلاثة، على الرغم من الزيارة التي أجراها الأسبوع الماضي إلى تونس نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج، والذي التقى خلالها أهم المسؤولين التونسيين. وكان بلحاج واضحاً وصريحاً وبعيداً عن أسلوب المجاملات خلال لقاءاته. فعندما أعرب له رئيس البرلمان عن خشيته من أن تكون تونس "تقترب تدريجياً من حافة الهاوية"، ردّ عليه المسؤول في البنك الدولي بالقول: "آسف سيدي الرئيس، إنها في الهاوية، وليست على الحافة". هذه التصريحات لبلحاج عبّرت عن قلق عميق تجاه مستقبل تونس في حال عدم الإسراع باتخاذ إجراءات عاجلة للخروج من المأزق الراهن. وإذ أعرب أيضاً عن استعداد البنك الدولي لتقديم المساعدة والعون إلى تونس، إلا أنه أكد في المقابل أن المسؤولية الأساسية تبقى ملقاةً على عاتق مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد الراهن. وحذّر بلحاج من احتمال حصول انهيار اقتصادي كبير، في حال استمرت الحكومات التونسية المتعاقبة في تأجيل القيام بالإصلاحات الضرورية.

ويتواصل هذا الجمود السياسي، ومعه أزمة الثقة بين جميع الأطراف، في ظلّ تسريبات خطيرة أحدثت زلزالاً عنيفاً داخل الأوساط السياسية في تونس. فما كشفه النائب راشد الخياري من تسجيلات بصوت زميله محمد عمّار، رئيس كتلة "التيار الديمقراطي" في البرلمان، تضمن معطيات شديدة الخطورة. فعلى الرغم من رفض الأسلوب الذي اعتمده الخياري للحصول على تلك المعلومات، وهو أسلوب استنكره كثيرون من الزاوية الأخلاقية، إلا أن المعطيات التي وردت في التسجيل تعتبر مذهلة وخطيرة. فالرجل تحدث عن وقائع، من شأنها أن تورط أطرافاً سياسية، من بينها رئاسة الجمهورية، ضالعة في التخطيط لتصفية حسابات سياسية ضدّ رئيس "قلب تونس" نبيل القروي، وتستهدف أيضاً حركة "النهضة" و"ائتلاف الكرامة".
هذه التسجيلات وما يدور حولها من جدل داخل تونس، تبرز المستوى الذي وصل إليه الصراع السياسي في البلاد. وفي هذا السياق، تحاول رئيسة "الحزب الدستوري الحرّ" عبير موسي توظيف هذا المناخ العام لصالح حزبها، حيث اعتبرت في اجتماع شعبي في مدينة صفاقس، يوم الأحد الماضي، أن الحلّ يكمن في حلّ البرلمان و"إسقاط حكومة المشيشي" ورحيل "النهضة". وقالت موسي إن الشعب التونسي سيعرف الديمقراطية الحقيقية عندما يتولى "الدستوري الحر" السلطة. كما هاجمت جميع خصومها، وتحدّت الصحافيين الذين نظموا وقفة احتجاجية ضدّها، والذين قرّرت نقابتهم مقاطعتها بسبب اعتدائها الصارخ على أحد زملائهم الذي كان بصدد إنجاز مهمة صحافية في مقرّ البرلمان، حيث كالت له الاتهامات بأنه على علاقة مشبوهة بموظفة تعمل في مقر مجلس النواب.

تعتزم عبير موسي مواصلة تنفيذ خطتها لتعطيل البرلمان وإيقاف المسار الانتقالي في تونس

من جهته، استخدم رئيس البرلمان راشد الغنوشي للمرة الأولى القانون الداخلي للمجلس ضد موسي، وذلك بمنعها من حضور الجلسة الأخيرة لمكتب البرلمان، وهو ما حشرها في زاوية ضيّقة، حيث لم تجد أيّ طرف من داخل المجلس أو من خارجه يقف إلى جانبها، أو يؤيد أسلوبها الفوضوي لتعطيل أعمال المجلس. لكن رئيسة "الدستوري الحرّ" تعتزم مواصلة تنفيذ خطتها التي تهدف إلى تعطيل البرلمان وإيقاف المسار الانتقالي في تونس.
ومن الصدف الغريبة أن يقوم أنصار رئيس الجمهورية يوم السبت الماضي، بتنظيم تجمع في قلب العاصمة، رفعوا خلاله شعارات شبيهة بما دعا إليه أيضاً أنصار عبير موسي، حيث طالبوا بحلّ البرلمان واستقالة المشيشي. فكان رد رئيس حركة "النهضة" بأن الدعوة إلى حلّ البرلمان "هي بمثابة دعوة للديكتاتورية"، مشدداً على أنه "لا سبيل" لذلك. كما اتفق المجلس على عقد جلسة خاصة في شهر إبريل/نيسان المقبل، من أجل استئناف انتخاب ثلاثة أعضاء للمحكمة الدستورية. وتسبب غياب هذه المحكمة، بفقدان الطبقة السياسية المؤسسة المرجعية التي من دونها أصبح الدستور محل تنازع وانقسام، بدل أن يكون الحكم في حال حصول اختلاف في تأويل الفصول أو روح الدستور. وعلى الرغم من هذه الخطوة التي تهدف إلى وضع آلية منطقية للحدّ من الصراع، فقد رأى سعيّد من جهته، أن "الدستور بمقاصده وأهدافه، وليس بتأويلات تتغيّر وفق الأهواء والتحالفات".

المساهمون