تونس: رفض دولي ومحلي لتغول سعيّد على القضاء

09 فبراير 2022
أعلنت جمعية القضاة تعليق العمل بالمحاكم اليوم وغداً (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

تصاعدت موجة الرفض لاعتزام الرئيس التونسي قيس سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء، سواء في الداخل أو على الصعيد الدولي، وسط تحذيرات من خطورة تفرد سعيّد بجميع السلطات، واستخدام المؤسسات الأمنية لفرض مشاريعه.

وكرر سعيّد، الإثنين الماضي، قوله إن المرسوم المتعلق بحل المجلس الأعلى للقضاء جاهز، وهو ضروري لتطهير البلاد والقضاء، وأن قرار الحل تفرضه المسؤولية التاريخية.

وفيما لم يتخذ سعيّد بعد الخطوة القانونية لحل المجلس، إلا أنه أغلقه مستعيناً بالشرطة، ومنع الموظفين والعمال من دخول المبنى، من دون تعليل قانوني أو إداري للإغلاق، وسط ترقب لما إذا كان سعيد سيلجأ، كما أعلن، لبحث مرسوم الحل في اجتماع مجلس الوزراء غداً الخميس.

وتوالت المواقف الرافضة لهذا التوجه دولياً. وتقاطع تحذير سفراء الدول السبع في تونس، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والخارجية الأميركية، مع المواقف التونسية الداخلية، من استمرار التغول على السلطات.

قلق غربي من إعلان سعيّد نيته حلّ المجلس الأعلى للقضاء

وأصدر سفراء ألمانيا وبريطانيا وأميركا وإيطاليا واليابان وفرنسا وكندا، بالإضافة إلى الاتّحاد الأوروبي، في تونس، بياناً مشتركاً، أمس الثلاثاء، عبّروا فيه عن قلقهم البالغ من إعلان سعيّد نيته حلّ المجلس الأعلى للقضاء.

واشنطن: القضاء المستقلّ دعامة محورية لكلّ نظام ديمقراطي

واعتبر البيان أنّ "قيام قضاء مستقلّ ذي شفافية وفاعلية، والفصل بين السلطات، ضروريّان، لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم مواطنيها، على أساس من سيادة القانون وضمان الحقوق والحرّيات الأساسية".

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أكد، في بيان، أن الولايات المتّحدة تشعر بقلق بالغ إزاء ما دعا إليه سعيّد من حلّ للمجلس الأعلى للقضاء، وما تناقلته الأخبار عن منع موظّفيه من دخول مقرّه. 

وشدد على أن "القضاء المستقلّ دعامة محورية من دعائم كلّ نظام ديمقراطي فعّال وشفّاف. من الضروري أن تفي الحكومة التونسية بالتزاماتها، باحترام استقلال القضاء، كما ينصّ على ذلك دستورها".

وجدد دعوة الولايات المتحدة للإسراع بإطلاق مسار إصلاح سياسي في تونس، يستجيب لتطلّعات الشعب، وتشارك فيه أطياف متنوّعة تمثّل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات، ولا سيما في الاستشارة الوطنية الجارية، بما يضمن استمرار احترام حقوق الإنسان لمواطنيها.

من جهتها، دعت مفوضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، أمس الثلاثاء، سعيّد إلى إعادة العمل بالمجلس الأعلى للقضاء. وحذرت من أن حلّه سيقوض بشكل خطير سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء في البلاد.

وأكدت باشليه، في بيان، أنه "من الواضح أنّه لا بدّ من بذل المزيد من الجهود الحثيثة كي تتماشى تشريعات قطاع العدالة، وإجراءاته وممارساته، مع المعايير الدولية المعمول بها. إلاّ أنّ حلّ المجلس الأعلى للقضاء شكّل تدهوراً بارزاً في الاتجاه الخاطئ". 

وحذرت من أن "حلّه يعد انتهاكاً واضحاً لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان". وشددت على ضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية أعضاء المجلس وموظفيه.

اتساع قائمة الرافضين لمخططات سعيّد ضد القضاء

أما داخلياً، فتتسع قائمة الرافضين لمخططات سعيّد ضد المجلس الأعلى للقضاء. وأعلنت جمعية القضاة التونسيين، أمس الثلاثاء، تعليق العمل بالمحاكم اليوم وغداً، والتظاهر أمام المجلس الخميس، وبحث خطوات تصعيدية جديدة.

وندّد عدد من كبار القضاة في تونس بـ"استعمال القوّة لإغلاق مؤسسة دستورية كالمجلس الأعلى للقضاء" وشلّ نشاطها، في "ممارسات مخجلة لا تليق بالدولة، بل ترتقي إلى مرتبة الجرائم". وطالبوا بـ"التراجع عن قرار الإغلاق"، داعين "النيابة العمومية إلى فتح بحث في المسؤولين عنه وتتبعهم".

وأكّدوا أنّ "استمرار رئيس الجمهورية في استهداف سلطات الدولة، والمؤسسات الدستورية، يُعد إمعاناً في الانحراف بمقتضيات الفصل 80 من الدستور، المتعلق حصراً بمواجهة خطر داهم، والذي يقتضي تطبيقه الحفاظ على المؤسسات وتماسكها وتعاضدها، لا تقويضها وحلها، كما يُعدّ التفافاً على مبادئ الحكم الديمقراطي".

واعتبروا أنّ "ما صرح به رئيس الجمهورية يعتبر نسفاً للمؤسسة الوحيدة الضامنة دستورياً لاستقلال القضاء وحسن سيره، وما يترتب عن ذلك من إلغاء فعلي لوجود السلطة القضائية الموكول لها حصراً إقامة العدل، وضمان علوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات".

معركة استقلال القضاء هي معركة الوطن

ومن بين الموقعين على البيان، القاضي المستشار لدى التعقيب محمد العفيف الجعيدي، الذي اعتبر في تصريح، لـ"العربي الجديد"، أن "معركة استقلال القضاء هي معركة الوطن، ومسألة بقاء الديمقراطية والحفاظ على المؤسسات، أو التحول نحو دولة الشخص الواحد بالاستحواذ على كامل السلطات، وهو ما يجسد شعاراً مركزياً لدى الرئيس، هو وجود سلطة وحيدة هو من يمثلها، على غرار الملك لويس الرابع عشر الذي يعتبر نفسه الدولة".

وبيّن أن "موقف القضاة واضح برفض إمساك السلطة السياسية للسلطة القضائية في الوضع الاستثنائي". وبين أن "الخطورة القصوى تكمن في ضرب الحقوق والحريات، بالسيطرة على القضاء، وتحوله إلى قضاء النظام وقضاء الرئيس".

وشدد الجعيدي على أن "إغلاق مقر المجلس الأعلى للقضاء يرتقي إلى مستوى الجرائم، لأن تعطيل مرفق بغير وجه قانوني هو شكل من أشكال ضرب السلطة، ولم يحدث أبداً في تاريخ تونس أن جرى بهذه الصورة". وأشار إلى أن الأمر "تحول إلى سياسة ممنهجة بالعودة إلى كيفية إغلاق البرلمان بنفس الأسلوب وهيئة مكافحة الفساد".

الجعيدي: إغلاق مقر مجلس القضاء يرتقي إلى مستوى الجرائم
 

واعتبر أن "سعيّد يسعى لإيجاد بديل شكلي لتعويض المجلس الأعلى للقضاء، لينفي عن نفسه مسألة الاستحواذ على كل السلطات، وهو ما يفسر عدم حله إلى الآن". وأشار إلى أن "أسلوبه في إدارة الأمور هو استعجال الهدم على حساب البناء، مثلما حدث مع إقالة المحافظين وعدم تعويضهم حتى الآن".

التجند للدفاع عن استقلال القضاء

وأضاف أن "هذه المعركة هي الأخيرة. فالقضاء هو الجبهة التي حمت الثورة. صحيح أنه يحتاج إصلاحات، لكنه مكسب حقيقي منذ الثورة، بل لعله من أهم ما حققه التونسيون بعد الثورة، ولا ينبغي نسفه"، داعياً إلى "التجند للدفاع عن استقلال القضاء". 

وأشار إلى أن "الديمقراطية هي المؤسسات، والمجلس الأعلى للقضاء يعد أهم مؤسسة ديمقراطية في تاريخ تونس". وقال: "سابقاً كان جزء من القضاة تابعين إلى النظام، ويأتمرون بأمره. وبعد الثورة أصبح القضاء يدار من قبل أكثر من طرف".

وأوضح أن "ثلثي المجلس الأعلى للقضاء منتخبين من كل محاكم البلاد تحت إشراف الهيئة العليا للانتخابات"، وحتى "الثلث المتبقي من القضاة معينين من المجلس الأعلى للقضاء، وبقية الممثلين منتخبين من هيئاتهم".

وبين أن "ميزة المجلس الأعلى للقضاء هذا أن تركيبته مختلطة ومنتخبة ومستقلة عن السلطة التنفيذية، وهو ما يجعله نموذجاً على غرار الدول الديمقراطية".

من جهة أخرى، أصدر حزب "العمال" اليساري في تونس، بياناً أمس الثلاثاء، اعتبر فيه قرار سعيّد "لا دستوري ولا قانوني". وقال الحزب، في البيان، إن "حل المجلس من قبل سعيّد يعد خطوة لا دستورية ولا قانونية، تهدف إلى وضع اليد على القضاء لاستكمال شروط السيطرة على مفاصل القرار في الدولة".

وأضاف أن سعيّد "يسير في نفس نهج الدكتاتورية قبل الثورة، زمن حكم حزب الدستور، وبعدها مع حكم حركة النهضة وحلفائها"، وفق البيان. واعتبر أنّ "تصريحات سعيّد ونظرته إلى السلطة القضائية تشكل خطراً جدياً حاضراً على الحريات والعدالة ودولة القانون". وأعرب عن "مساندته لكل تحركات القضاة الشرفاء دفاعاً عن استقلالية وكرامة القطاع".

وأكد عضو اللجنة المركزية لحزب "العمال" علي الجلولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب دان قرار حل المجلس الأعلى للقضاء، والذي يندرج ضمن سلسلة من القرارات والتوجهات التي بدأت منذ 25 يوليو/تموز (الماضي)، والتي اعتبرها حزب العمال منذ البداية انقلاباً".

وأضاف أن "الصراع الذي حصل بين الرئيس والحكومة السابقة والأحزاب كان من أجل التموقع، ولم يكن يهم الشعب التونسي، ولهذا جاء 25 يوليو، والذي استغل الوضع لصالحه". وأشار إلى أن "صراع سعيّد اليوم يهدف إلى إخضاع الأجهزة والسلطات لصالحه".

سعيّد يحاول احتكار كل السلطات

وأوضح الجلولي أن "سعيّد يحاول، في إطار المرسوم 117، احتكار السلطات، بعد حل السلطة التشريعية، ليصبح رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ولم يبق أمامه سوى السلطة القضائية".

وأضاف أن "القضاء في تونس يتطلب إصلاحات، وهو ككل القطاعات والمؤسسات ينخره الفساد، لأنه للأسف لم يتم إصلاح أجهزة الدولة بعد الثورة، ولأن أغلب الحكام كانوا يرغبون في وضع اليد على القضاء". 

وشدد على أنه "وبالرغم من أن القضاء يلزمه إصلاحات، وكذلك المجلس الأعلى للقضاء، إلا أنه لا يجب السماح بوضع اليد على هذا الجهاز دفاعاً عن سلطة قضائية مستقلة".

واعتبر الجلولي أن "سعيّد حل المجلس ليس دفاعاً عن سلطة مستقلة، وأغلب تصريحاته تثبت عكس ذلك، لأنه لا يعتبر أن هناك سلطة مستقلة، بل كلها تتبع الحكومة، ما يكرس لقضاء التعليمات وقضاء (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي"، مؤكداً أن "الخطورة تكمن هنا".

وقال إن "أفكار سعيّد خطيرة، والإجراء المتخذ بخصوص المجلس كذلك، لأن مهام المجلس ستحال إلى هيئة لا نعرف من سيترأسها؟ سعيّد أو أي شخص يعينه هو؟". وبين أن "قضاء التعليمات من أخطر ما يهدد المسار القضائي، الذي ناضل القضاة من أجل استقلاليته، وهذا القرار سيزيد في تدهور الأوضاع".

المساهمون