أجرت وزارة الداخلية التونسية تعيينات جديدة في إدارات عدة أقاليم وأجهزة مهمة، شملت الاستخبارات، والأمن الخارجي، والبحث في جرائم الإرهاب، والتكوين، والشرطة العدلية، وغيرها.
وتأتي هذه التعديلات مباشرة بعد التغييرات التي شملت مسؤولين بارزين في مطار تونس قرطاج الدولي، بسبب ما وُصفت بالإخلالات في الإجراءات، التي تمكّن إثرها "إرهابي" مرحّل من تركيا من العبور إلى داخل البلاد. ولئن اعتبر البعض هذه النقل مجرد تحويرات تندرج في إطار عمليات النقل الصيفية العادية، فإنّ البعض الآخر اعتبر أنها لا تخلو من حسابات سياسية، وأنها لم تراعِ مقاييس الكفاءة.
وقال عضو المكتب التنفيذي بالنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي رياض الرزقي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحركة التي شملت عدة أقاليم وإدارات تابعة للداخلية، عادة ما ترافقها عدة أسئلة عن أسباب الإقالة والجدوى من التعيينات الجديدة"، مبيناً أنّ "التعيينات لا ترافقها مقاييس واضحة تكون على أساس الكفاءة، ولا تخلو من حسابات سياسية".
وأوضح الرزقي أنّ "هناك حركة نقل صيفية، وهي حركة عادية تحصل كل صيف، ولكن للأسف لا تؤخذ بالاعتبار الاستمرارية في العمل"، مضيفاً أنه "بعد أن يتمرن المسؤول ويحذق في العمل، يُنقَل ويُغيَّر به مسؤول آخر"، آسفاً لعدم وضع مقاييس واضحة في التعيينات لكي تكون بمنأى عن التجاذبات السياسية، مشيراً إلى أنّ "الأحزاب السياسية تتدخل في التعيينات في حين أن المطلوب هو الحياد، والاعتماد على الكفاءة، بغضّ النظر عن الأشخاص".
وبحسب الخبير الأمني والعميد المتقاعد من الحرس الوطني علي زرمديني، فإنّ "هذه التغييرات تأتي في إطار تحويرات موسمية، تجري كل سنة، في إطار إعطاء ديناميكية وفاعلية للعمل الأمني"، مضيفاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه التحويرات تكون بعد تقييم شامل لأداء المسؤولين الأمنيين"، موضحاً أنّ "عمليات النقل مقترنة بالصيف، وهناك لجان تعمل في هذه الفترة وتجهز للنقل، وعادةً يُعلَن نقل الإطارات ليجري التحضير لبقية الرتب، التي تشمل أغلب المسؤوليات والإدارات وكل المواقع، وبالتالي هناك نقل آخر في الأيام المقبلة".
ولفت إلى أنّ "هناك نقلاً آخر يتخذ بسبب إجراءات وأحداث معينة مثلما حصل في القرارات التي شملت مطار تونس"، موضحاً أنّ النقل الموسمي أوسع وأشمل، وهو لإعطاء نفس جديد للعمل الأمني، وهناك نقل تأديبي يكون بناءً على تقصير في العمل، ويتم بناءً على إشكالية معينة، ويحصل في أي ظرف، وهو غير مرتبط بفترة معينة.
من جهته، أكد المحلل السياسي قاسم الغربي، أنه "لفهم حركة النقل، لا بد من العودة إلى القرارات الهامة والإقالات التي شملت مسؤولين بارزين في مطار تونس قرطاج"، مذكراً بحادثتين في مطار تونس في الفترة الأخيرة، حيث تعلقت الحادثة الأولى بمحاولة تمرير مسافر لسلاح، فاكتُشِف وضُبط، والثانية عبور إرهابي محكوم من قبل السلطات التركية في قضايا إرهابية قضى منها 6 سنوات في السجن، وعادة هذا الشخص لا يسافر إلا بترخيص، ولكنه مرّ من المطار بصفة عادية، وأُوقِف صدفة في مدينة أريانة، مشدداً على أنه "لا يمكن هذه الحادثة أن تمرّ مرور الكرام، لأنها تؤشر على عدة معطيات خطيرة، لأن هذه الحادثة قد لا تكون الأولى، وهناك مخاوف من عودة مقاتلين من سورية عبر تركيا".
ورأى الغربي أنّ "هذه المؤشرات خطيرة ومربكة، وما حصل من إقالات في المطار طبيعي، ولا انتقاد لرئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي في هذه الخطوة"، مشيراً إلى أنّ "السؤال هو: هل ما وقع لاحقاً من تغييرات، له علاقة بما حصل في المطار؟"، مجيباً أنه "يبدو مبدئياً أن لا علاقة بين المسألتين، ولكن ربما التغييرات تأتي في إطار رغبة من قبل الحكومة في السيطرة على وزارة الداخلية، وتندرج في إطار تجاذبات بين رئاسة الجمهورية والحكومة".
ولفت الغربي إلى أنّ "التجاذبات السياسية لم تنتهِ رغم بعض التقارب الذي حصل أخيراً، ورغم الحديث عن محاولات لحلّ الأزمة وإيجاد مخرج، ولكن لا بوادر لحلول في الأفق، وهذه التغييرات في الداخلية قد تكون في إطار الصراع الحاصل".
ووصف حركة النقل بأنها "هامة، وعندما تكون بهذا الحجم، فإنه لا يمكن أن تكون حركة روتينية وإدارية عاديةً"، معتبراً أنّ "لها أبعاداً سياسية حول من يملك السلطة".
وذكّر الغربي بما وقع في سيدي حسين من "أحداث وتجاوزات في التظاهرات الأخيرة، وكل هذا لا يمكن أن يمرّ من دون محاسبة"، مضيفاً أنه "يبدو أن هناك أطرافاً داخل وزارة الداخلية لا ترغب في التعاون مع القضاء، وقد تكون بعض الإقالات على علاقة بهذه المسألة".