تونس: جدل بسبب التلويح بتتبع المقاطعين للاستفتاء ومعاقبتهم

15 يونيو 2022
ترجيح وجود مخاوف سياسية من تأثير المقاطعين على نتيجة الاستفتاء (Getty)
+ الخط -

أثارت تصريحات أعضاء من هيئة الانتخابات التونسية بخصوص فرضية تتبع الأحزاب والائتلافات المقاطعة للاستفتاء ومعاقبتهم ومنعهم من الظهور في وسائل الإعلام، جدلاً واسعاً في تونس، وسط تنديد بما وصفه المعارضون بتهديد المقاطعين.

وقال نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ورئيس اللجنة القانونية، ماهر الجديدي، في حوار للإذاعة الرسمية، أمس الثلاثاء، إنّ "الأطراف الداعية لمقاطعة الاستفتاء غير معنية بالمشاركة في الحملة، وستكون معرضة لتتبعات خاضعة لقانون الحق العام في صورة دعوتها إلى مقاطعة الاستفتاء أثناء الحملة، لأنّ أفعالها ستصنف كجرائم حق عام وليست جرائم انتخابية".

وأكد الجديدي أنّ "الأطراف الداعية لمقاطعة الاستفتاء غير معنية بالمشاركة في الحملة، وأن ما ستأتيه من أقوال وأفعال أثناء الحملة يخضع للقانون الجزائي بحيث يمكن اعتبار الدعوة للمقاطعة أثناء الحملة تشويشاً عليها".

وقرر الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراء استفتاء على دستور جديد للبلاد في 25 يوليو/ تموز المقبل، وتقديم الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ومنح نفسه حق تعيين ثلاثة من أعضاء هيئة الانتخابات السبعة، بمن فيهم رئيسها.

وبدوره، اعتبر عضو هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري، في تصريح صحافي، أنّ "الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات التي تدعو لمقاطعة الاستفتاء والتي لا تودع التصاريح بالمشاركة، سيتم منعها من التطرق للاستفتاء في وسائل الإعلام بجميع أنواعها، وفي التظاهرات والاجتماعات العامة".

في مقابل ذلك، دوّن عضو الهيئة سامي بن سلامة عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك"، قائلاً "أي تصريحات غير مسؤولة لا تمثل موقف مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".

وأردف بن سلامة بتدوينة ثانية قائلاً "لا يسعني إلا التذكير بأنّ من أبرز مهام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إرساء مناخ من الثقة في المسار الانتخابي، وكسب ثقة الناخبين والفاعلين السياسيين سواء كانوا من الداعين للمشاركة أو للمقاطعة، وتوفير كل الظروف الملائمة لهم لممارسة حقوقهم وأداء واجباتهم، بما يمكنها من إنجاح الاستحقاقات المقبلة لمصلحة بلدنا وشعبنا".

"مخاوف سياسية"

من جانبه، قال رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد" بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ "الهيئة العليا للانتخابات مطالبة بالتوضيح وعقد ندوة صحافية لتبيان القرارات المتخذة بخصوص المقاطعين للاستفتاء"، مشيراً إلى "التغيير غير المفهوم في الموقف بعد مداولات أول أمس، فبعد اقتراح العضو سامي بن سلامة إدماج المقاطعين ضمن قرار، فوجئنا بعدم التنصيص على ذلك، وجاءت  تصريحات بمنع المقاطعين وتتبع الداعين للمقاطعة بما يدفع للتساؤل حول تدخل سياسي بين الأمس واليوم".

وافترض معطر أن "تكون هناك مخاوف سياسية من تأثير المقاطعين على نتيجة الاستفتاء، ما يفسر الذهاب نحو المنع والزجر"، مشيراً إلى أن "الوضع ما زال غامضاً وغير واضح، وهو أمر غير طبيعي".

ونبّه معطر من "خطورة ما يجري وتداعياته، مسجلاً "الانقسام بين ثلاثة أطراف؛ المساندون والمعارضون والمقاطعون، وارتفاع منسوب العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر التصريحات العنيفة، والتي يخشى أن تتطور نحو عنف مادي بسبب ارتفاع منسوب الاحتقان والتجييش بين أنصار كل طرف".

ولفت رئيس منظمة "عتيد"، إلى أن "غياب الوضوح والغموض والارتباك سيمسّ بثقة المواطن في الاستفتاء وفي المسار الانتخابي وفي عملية الاقتراع، وقد ينعكس في عزوف عن المشاركة في التصويت ومقاطعة صناديق الاستفتاء".

ودوّن عضو منظمة "أنا يقظ" الرقابية مهاب القروي، على صفحته في "فيسبوك" ساخراً: "قليلاً آخر، وهيئة الانتخابات ستطالب بإحالة أوراق مقاطعي الاستفتاء على مفتي الجمهورية".

وحذرت منظمة "أنا يقظ"، في بيان لها، مساء أمس الثلاثاء، من قيام نائب رئيس الهيئة وأعضائها بحملة تهديد وترهيب للأفراد والمنظمات، مستنكرة "سياسة التضليل والمغالطة التي تتبنّاها الهيئة وأعضاؤها للقيام ببروباغندا لصالح صاحب الاستفتاء".

كما نبّهت المنظمة من "حملة تكميم الأفواه التي تستهدف مقاطعي الاستفتاء"، مستنكرة "المساس بحق التعبير الكوني"، و"مصادرة آراء الأحزاب والمنظمات والأفراد، واستغلال سياسة الأمر الواقع، والحكم الأوحد لقمع كل رأي مخالف"، بحسب البيان.

وأثارت تصريحات ممثلي هيئة الانتخابات، جدلاً حزبياً وسياسياً غير مسبوق، خصوصاً من قبل المعارضين لمسار 25 يوليو/تموز، وممن أعلنوا نيتهم مقاطعة الاستفتاء باعتبارهم مستهدفين من التصريحات المعلنة.

وقال القيادي في ائتلاف الكرامة زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "توجه هيئة الانتخابات لمنع وتتبع المقاطعين للاستفتاء هو دفع نحو المزيد من القرارات العبثية في اتجاه اللادولة"، مشدداً على أنه "توجه وقرار غير دستوري وغير قانوني يأتي في سياق تقديم خدمات للانقلاب والمبايعة لسلطة المنقلب". وتابع "بالنسبة لحزب ائتلاف الكرامة، هذا القرار وكل قرارات الانقلاب لا تعنينا، وهي غير شرعية لأنها صادرة عن جهة مغتصبة للسلطة بقوة الدبابة لا غير".

وبخصوص إمكانية منع وسائل الإعلام من استضافة المقاطعين على منابرها، قال الهاشمي "هذا اختبار حقيقي للإعلام في تونس، فهل سيقبل بالانبطاح وبالقرارات الجائرة التي من جرائها أصبحت تونس تتذيل قائمة الدول في مجال حرية التعبير؟"، مشيراً إلى أن "الأيام المقبلة ستكون حاسمة وفاصلة في تاريخ تونس والمنطقة العربية".

بدوره، كتب الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، على صفحته في "فيسبوك": "المجموعة التي تطلق على نفسها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، هي لا عليا ولا مستقلة، ولا شرعية دستورية لها لأنها بكل بساطة هيئة منصبة ومعينة من طرف الحاكم بأمره، وهي تعمل تحت وصايته وإمرته، ولا تتمتع بالضمانات الدستورية ولا بالاستقلالية عن السلطة التنفيذية حتى يمكن لنا أن نثق فيها أو نتعامل معها أو أن تضمن للشعب التونسي انتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطية".

واستدرك الشواشي "لذلك فكل قراراتها باطلة ومعدومة، ولا شيء يجبرنا على الالتزام بها، ونأمل بعد العودة للمسار الديمقراطي واسترجاع التونسيين لدولتهم وحقوقهم وحرياتهم، أن تتم محاسبة هذه المجموعة المنتحلة لصفة "هيئة عليا ومستقلة ودستورية"، والتي قبلت على نفسها أن تكون في خدمة من انقلب على دستور البلاد وسعى في خرابها وتدمير مؤسساتها".

من جانبه، اعتبر عضو تنفيذية "مواطنون ضد الانقلاب" الصغير الشامخ، في تعليق على "فيسبوك"، أن كل "قرارات الهيئة المُنَصَّبة لتزوير الانتخابات، واستفتاء "سعيّد يريد"، وكُنش استشارات بودربالة وبلعيد، كلها تبعات وإفرازات مسار غير دستوري وغير قانوني باستغلال القوة الغاشمة للسلطة". وتابع الشامخ أن "مشروع دستور بلعيد لا يعنينا، ومسرحية الاستفتاء لن تلهينا عن معركتنا ضد الانقلاب برمته، وتهديد هيئة التزوير بمحاكمتنا لن يخيفنا"، مبيناً أن "هذه التهديدات تُعتبر حجة على نوايا الانقلاب ومن يشاركونه الجرم".

وختم: "قلنا في مواطنون ضد الانقلاب منذ اللحظة الأولى أن 25 جويلية انقلاب، وأننا لن نعترف بأي شيء يترتب عنه أياً كانت الضريبة".

المساهمون