تونس تتهيأ لحوار قد يفضي إلى لا حوار

15 ابريل 2022
تتسم المرحلة التي يريد سعيّد الانتقال إليها بالغموض (Getty)
+ الخط -

يجري الحديث السياسي في تونس حول مسألة الحوار الوطني، الذي دعا إليه الجميع منذ 25 يوليو/تموز الماضي، تاريخ تولي الرئيس قيس سعيّد السلطة كاملة في البلاد.

وعلى الرغم من مرور ثمانية أشهر على ذلك الحدث، لم ينطلق هذا الحوار المنشود. لكن بعد الجلسة الافتراضية، التي شارك فيها أكثر من 120 نائباً صوّتوا لقرار يبطل الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس، سارع سعيّد نحو الرد بقوة على ما اعتبره "انقلاباً"، واستقبل عدداً من المسؤولين عن بعض الهيئات والمنظمات ليحيطهم علماً بموقفه من تلك التطورات.

أكد سعيّد أن الحوار سينطلق من النتائج التي أسفرت عنها الاستشارة الوطنية

لكن المسؤولين فوجئوا عندما اعتبر أن مجرد استقبالهم فرادى هو بداية الحوار الوطني، وهو ما أثار استغراب الذين التقى بهم. وأعلن جميعهم، باستثناء عميد المحامين إبراهيم بودربالة، أن استقبالهم لا علاقة له بالحوار المنشود. ولم يكتف بإعلام الرأي العام الداخلي، وإنما أيضاً الأطراف الدولية بأن الحوار الوطني قد انطلق فعلاً، مثلما حصل مع أعضاء في الوفد البرلماني الأوروبي الذي زار تونس أخيراً لمعاينة الأزمة السياسية الراهنة.

للحوار آليات وشروط

يجمع قادة منظمات المجتمع المدني على القول إن للحوار آلياته وشروطه، وإن رئيس الدولة لم يفاتحهم في الأمر، ولم يطلعهم على الأجندة التي سيتم التحاور حولها، ولا الأطراف التي ستشارك فيه، ولا الموعد المحدد له. إضافة إلى ذلك، هم يخشون من أن يضعهم سعيّد أمام الأمر المقضي، أي تزكية أجندته السياسية، التي أصبحت معروفة في مجملها، في حين أن تصورهم للحوار مختلف من حيث جدول الأعمال والشركاء وطريقة العمل.

أول عقبة وضعها سعيّد في هذا السياق تأكيده المستمر أن الحوار سينطلق من النتائج التي أسفرت عنها الاستشارة الوطنية. وعلى الرغم من تأكيد الكثيرين أن هذه الاستشارة كانت فاشلة، وأنها لا تعكس وجهة نظر عموم المواطنين، إذ لم يشارك فيها إلا ثمن المعنيين بها، إلا أن الرئيس وأنصاره يرون أن العينة كافية، وأن النتائج ملزمة للجميع. وهو ما رفضته مختلف الأطراف. وحتى المؤيدون لـ25 يوليو أكدوا ضرورة الفصل بين الاستشارة والحوار الوطني.

أما العقبة الثانية أمام الحوار، فإنها تتمثل في إقصاء من وصفهم رئيس الدولة بـ"الفاسدين، وجميع الذين شاركوا في إدارة شؤون البلاد خلال العشرية الماضية، والذين انخرطوا في المحاولة الانقلابية الأخيرة للبرلمان". وبذلك يكون سعيّد قد استثنى معظم الأحزاب السياسية الوازنة، واكتفى ضمنياً بحركة "الشعب" التي تُعتبر مؤيدة له، إلى جانب أحزاب صغيرة جداً غير ممثلة في البرلمان.

"النهضة" المستهدف الرئيسي

وتُعتبر حركة "النهضة"، إلى جانب حلفائها، المستهدف الرئيسي من هذا الاستثناء، الذي من شأنه أن يفقد الحوار المقبل صفة كونه وطنيا. إذ يعلم الجميع في الداخل والخارج أن التونسيين منقسمون بين مؤيد للرئيس ومعارض له، وأن الحوار هو آلية ديمقراطية لتقريب وجهات النظر بين المختلفين، وبناء توافق جديد بين الجميع أو بين أغلبية القوى.

والإقصاء مقدمة لحل حركة "النهضة" بالذات، وإقصاء الإسلاميين مرة أخرى من الحياة السياسية، على الرغم من الأخطاء التي ارتكبوها ومسؤوليتهم في الأزمة التي عصفت بالمسار الانتقالي برمته.

أما العقبة الثالثة فهي تتعلق بالمنهجية التي سيخضع لها الحوار، وما سيسفر عنه من توصيات يفترض بأن تكون ملزمة ومحددة للسياسات التي تحكم المرحلة المقبلة.

هل سيستمع سعيّد لآراء الأطراف التي سيدعوها للمشاركة، وهل سيقبل التنازل عن بعض أفكاره إذا لم تقتنع بها هذه الأطراف؟ بمعنى آخر، هل سيكون هناك نقاش، وأخذ ورد، وتنازل من جميع الأطراف للتوصل إلى حل وسط، أم أن رأي الرئيس سيكون المرجح، مهما كانت مواقف الآخرين، خصوصاً أن المسائل التي يفترض عرضها على طاولة الحوار خلافية وشائكة، سواء تعلق الأمر بالنظام السياسي، أو نظام الاقتراع، أو الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب منوال التنمية، والسياسة الخارجية.

فالعارف بالساحة التونسية يعلم جيداً حجم الخلافات القائمة بين مختلف الفرقاء حول القضايا المصيرية التي ستحدد مستقبل البلاد. لهذا رفض حزب "العمال" الانخراط فيما وصفه بـ"الحوار المغشوش". واعتبر أن ما يجري حالياً هو "تدمير لمنظومة الفكر السياسي والمدني والعقلاني الذي راكمته البشرية".

غموض المرحلة الجديدة في تونس

تتسم المرحلة الجديدة التي يريد سعيّد الانتقال إليها بكثير من الغموض، ومحفوفة بعدد هام من المخاطر. هي مرحلة يقودها شخص واحد في غياب مؤسسات ناجعة وقوية، في ظل انهيار اقتصادي وشيك، بعد أن أصبح الدولار يعادل أكثر من ثلاثة دنانير تونسية، وتراجعت مدخرات البلاد من العملات الأجنبية إلى حدود مثيرة للقلق.


استثنى سعيّد من الحوار معظم الأحزاب السياسية الوازنة

لهذه الأسباب وغيرها، انتهى الوفد البرلماني الأوروبي إلى التأكيد أن "الشرعية السياسية لكل من الرئيس وأعضاء البرلمان تنبع بالتساوي من الشعب والدستور". وأضاف الوفد: "نشجّع التونسيين بشكل عاجل على الشروع في حوار تونسي- تونسي منظم وواسع النّطاق، يشمل ممثلين عن الحكومة والأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمجتمع المدني والمنظمات النسائية، لأنه لا يمكن إيجاد حلّ لهذه الأزمة إلا من خلال المشاركة الكاملة لجميع الأطراف".

المساهمون