انطلق الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس التونسي قيس سعيّد في قصر الضيافة بقرطاج، وسط مقاطعة واسعة من أحزاب ومنظمات وشخصيات وُجّهت إليها الدعوة للمشاركة، وحضر في المقابل عدد من الأحزاب والشخصيات المساندة لمسار 25 يوليو/تموز، والمؤيدين لصياغة دستور جديد من قبل لجنة استشارية.
وبدأ الحوار بجلسة حضرها رئيس اللجنة الاستشارية من أجل الجمهورية الجديدة، الصادق بلعيد، ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية عميد المحامين، إبراهيم بودربالة.
ومن أبرز الحاضرين، أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، وأمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس التحالف من أجل تونس سرحان الناصري، ورئيس رابطة حقوق الإنسان جمال مسلم، ورئيس اتحاد الفلاحين المنصَّب نور الدين بن عياد.
كما حضر القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين منجي الرحوي، رغم مقاطعة حزبه، والوزير والقيادي السابق في "تحيا تونس" حاتم العشي، والقيادية في "نداء تونس" فاطمة المسدي، والوزير والقيادي المستقيل من حركة النهضة عماد الحمامي.
وقال المحلل السياسي والباحث في الفلسفة السياسية المعاصرة، شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "عبارة حوار وطني لا تنطبق على المسمّى من حيث الشكل والمحتوى، ففترة أقل من 20 يوماً غير كافية، وكأنها عملية قيصرية سريعة للوصول إلى نتيجة". وفسّر بن عيسى قائلاً: "لا ينطبق مسمّى وطني على حوار قاطعته غالبية القوى، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، والعديد من الشخصيات المدعوة التي لم ترَ في هذا الإطار مجالاً للتحاور، واعتبرته مجرد حوار شكلي وصوري".
وبيّن أن "الرئيس سعيّد أعلن مسبقاً أن نتائج الحوار لن تكون خارجة عن نتائج ومخرجات الاستشارة الإلكترونية التي تصبّ في خدمة مشروعه الشخصي المبني على الاستحواذ على السلطة بشكل مطلق وكامل". وبيّن أن "ما يحصل اليوم هو أمر مشين ومهين لتونس، جمهورية دستور قرطاج منذ أكثر من 2500 عام، والذي مجّده أرسطو وأفلاطون في كتاباتهما"، مضيفاً: "تحضر اليوم شخصيات بمستوى هزيل جداً"، بحسب تعبيره. واستدرك المحلل "بل إنه تمت دعوة شخصيات منتمية لأحزاب وصمها الرئيس شخصياً بأنها منبع تفريخ الفساد، على غرار حزبي نداء تونس وقلب تونس، وبينهم سياسي كان يشارك بانتظام في برامج بالقناة التي يملكها رئيس حزب قلب تونس".
وشدد بن عيسى على أن "مصير تونس ومستقبلها لا يجب أن يتم بهذا الشكل، فبعد أن أوقف سعيّد دعوات الحوار لسنتين، مشترطاً مشاركة الشباب من كل الجهات والفئات وبفعاليات من خبرات عالية، نلمح اليوم حواراً بلا شباب تقريباً، وبوجوه أغلبها من العاصمة".
ولفت المحلل إلى أن "الحوار لن يذهب بعيداً، باعتبار أن مخرجاته تبدو جاهزة سلفاً، بل إنها لن تخرج عن إطار ما يسمّى بالاستشارة الإلكترونية التي أعلن نتائجها سعيّد، الذي يعرف عنه أنه لا يقبل تمرير خيارات مخالفة لذلك"، بحسب توصيفه.
وفي السياق، طلب رئيس اللجنة الصادق بلعيد، من المشاركين في أول اجتماع للجنة الاستشارية، تقديم ورقة تتضمن صفحتين فقط، الأولى فيها تصوّر لرؤية لتونس في الـ40 سنة المقبلة، فيما تتضمّن الصفحة الثانية تفاصيل كيفية ترجمة هذا التصور في نصّ دستوري وقانوني، والمؤسسات القادرة على ترجمة هذا البرنامج.