بحث المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع تونس، بالشراكة مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، مساء اليوم الخميس، تطورات الوضع في ليبيا بعد مؤتمر بوزنيقة المغربي.
وقال الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، محمد التومي، إن الفاعلين في المشهد الليبي يعلقون أمالا على مؤتمر بوزنيقة لإذابة الجليد، وكسر الحواجز بين الفرقاء الليبيين.
وأضاف أن هناك تقدما في المفاوضات رغم اختلاف التقييم بين من ينظر بإيجابية إلى سير المفاوضات الحاصلة، ومنتقد لبعض النقائص.
وأكد مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس مهدي مبروك، أن "القضية الليبية ستظل حاضرة في اهتمامات النخب والباحثين التونسيين"، مبينا أن "الدبلوماسية المغاربية بإمكانها جمع الفرقاء حول طاولة المفاوضات"، مشيرا إلى اعتقاده بأن العواصم الغربية ستستأثر بالاجتماعات وتحتضن الحوارات، ولكن كان للمغرب القدرة على استئناف المسار مجددا، والتقدم في المفاوضات.
وعبر مبروك ّعن أمله في نجاح المفاوضات التي يقودها المغرب، "لأنه لو قدر للمفاوضات النجاح فإن ذلك سيحسب أيضا للنخب الليبية".
وقال مبروك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن هناك "تقدما هاما جدا في المفاوضات الحاصلة في بوزنيقة، وما يحسب لها هو النجاح في جمع الفرقاء الليبيين الذين تباحثوا في عديد النقاط وحتى في توزيع المناصب السياسية، في الوقت الذي كانوا يرفضون حتى الجلوس مع بعضهم البعض في جنيف"، مشيرا إلى أن "اجتماع بوزنيقة نجح في إذابة الجليد، وبالتالي يؤمل مزيد التقدم، خاصة بعد الاتفاقات الحاصلة، وهناك بوادر نجاح حصلت حول طاولة المفاوضات".
وبيّن مبروك أنه "رغم إخفاق الدبلوماسية التونسية في احتضان الحوار الليبي بسبب بعض التجاذبات، إلا أن نجاح اجتماعات بوزنيقة ستبدد المخاوف على الحدود التونسية مع ليبيا، لأن أي تدهور قد يحصل في ظل الأوضاع الحالية وتفشي فيروس كورونا سيفاقم من الأزمة".
وبيّن مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، رفيق عبد السلام، أن "هذه الأنشطة المشتركة ليست الأولى، وندوة اليوم مخصصة لتطورات الوضع في ليبيا بعد مؤتمر بوزنيقة". وأكد أن "ليبيا تعاني منذ سنوات من أزمة سياسية ومن عدة انقسامات، وفي الحقيقة، فإن الأزمة ترجع لعدة أسباب؛ منها ميراث الحكم الفردي لعقود من الزمن، والتوزيع غير العادل للثروة والسلطة، ويبقى العامل الأكثر تأثيرا في الملف الليبي هو التدخلات الخارجية التي فاقمت من الصراعات".
وبيّن أن "المشكلة الحقيقية في ليبيا تكمن في محاولات تقسيمها، وتشويه ثورة فبراير وتفاقم الصراعات الدولية التي تلقي بظلالها على الوضع الداخلي"، مضيفا أن"مؤتمر برلين وقبله مؤتمر الصخيرات مثلا بريق أمل لرأب الصدع، واليوم هناك مفاوضات واجتماعات مفتوحة في عدد من البلدان العربية والأجنبية".
وقال عبد السلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك قناعة مشتركة أن لا حلول عسكرية في ليبيا بعد فشل هذه الخيارات"، مبينا أن "الطبقات السياسية في ليبيا يجب أن تصل إلى اتفاقيات من شأنها أن تعيد الحياة إلى ليبيا وتحافظ على وحدتها وسيادتها".
وتابع أن "التدخلات الخارجية في ليبيا لا تخفى على أحد، وللوصول إلى حل لا بد من إرادة دولية لدعم الاستقرار في الساحة الليبية"، مؤكدا أن "المجتمع الليبي متجانس والمسألة تحتاج إلى ترتيبات سياسية، وبالتالي مؤتمر بوزنيقة خطوة مهمة لتحديد المعايير والمؤسسات السياسية لإفراز تمثيلية ولترتيب المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة تحظى بتمثيلية واسعة وتضم مختلف المكونات السياسية وتحدث التوازن بين الشرق والغرب".
وتوقع عبد السلام أنه "من المنتظر أن تتوج مختلف الحوارات باجتماعات في تونس نظرا للقرب الجغرافي، وذلك للنقاش حول الشخصيات المناسبة للحكومة والمؤسسات السياسية وإعادة ترتيب المجلس الرئاسي".
ولفت الباحث الليبي محمد عمران كشادة إلى أن "الجهود والتفاهمات في بوزنيقة المغربية حديث الساعة، وهناك عديد التساؤلات حول مسار الأزمة وهل ستحمل المفاوضات تفاهمات وحلا سياسيا أم لا"؟ مؤكدا أن الليبيين "يعلمون خفايا التقسيم الذي لن يؤدي إلى أي حلول.... والنقطة المهمة هي عدم جدية البعثة الأممية في بحث حل حقيقي، وعدم ذكرها مسودة الدستور التي أعدتها لجنة الستين".
وأفاد كشادة بأن "هناك نقاطا جوهرية ومصيرية يجب أن يتم التركيز عليها؛ وهي المسألة الاقتصادية والتحشيد الحاصل في الحقول النفطية، وخطر التواجد الروسي، فهؤلاء خلقوا منطقة عازلة، والمجتمع الدولي الذي يعلن عن دعمه لحل الأزمة الليبية لم يجد حلولا للحقول النفطية التي خرقها الروس، ما أخل بالتوازنات، والمعاهدات الدولية".
وبين الباحث محمد إبراهيم أن "تعدد الحوارات الليبية وانقسام الأجسام المتحاورة إلى مجموعات، أدى إلى تقلبات في الحوارات"، مبينا أن "هذه الفكرة تأتي في إطار ضرورة التهدئة، ولكن لا بد من حوارات مجتمعية للوصول إلى اتفاقيات حقيقية".
وأكد أن "المشهد الليبي معقد ويحتاج إلى حوارات متنوعة للوصول إلى اتفاقيات مبدئية، ويكون ذلك بإشراك جميع الفاعلين"، مؤكدا أن "مرحلة ما قبل تكوين الدولة يجب أن تتسم بالوضوح وتكون ضمن إطار زمني محدد وحسب جدول واضح، لأن الاتفاقات الخاصة بالمرحلة القادمة يجب أن تكون الأرضية لوضع دستور لمرحلة جديدة، وبعث نظام لحكم محلي، وإن تعذر ذلك يمكن الذهاب في حل توزيع المسؤوليات لتفادي الاحتقان والدماء". ودعا إلى "ضرورة وجود ضمانات لعدم الالتفاف على أي اتفاق قد يحصل".
وأفادت الناشطة الحقوقية والأكاديمية الليبية سلسبيل بنيس، أن "من نقائص مؤتمر بوزنيقة أنه غير شامل لكل المسارات، ولم يتطرق إلى مستقبل الحكومة الجديدة ولا إلى الدستور، ولم يقدم ضمانات فعلية تشكل القوة الفاعلة للتطبيق"، مبينة أنه "تم الاقتصار على المحاصصة وتوزيع المسؤوليات السياسية".
ورأت أن "الجهود ستكون فاشلة إن لم يتم تحويل هذه الخطوات إلى أخرى عملية، وفتح ثغرة ولو كانت صغيرة لكي تكون محورا لبناء الثقة مجددا بين الفرقاء وبعث الأمل لليبيين، وحل المشاكل التي تقود إلى ديمقراطية حقيقية".