توصّلت قيادة الجيش العراقي وقوات البشمركة في مدينة أربيل إلى اتفاق جديد لتشكيل قوات إضافية من الجيش والبشمركة، تأخذ على عاتقها تأمين ما بات يعرف بمناطق الفراغات في البلدات والمدن المتنازع على إدارتها بين حكومتي بغداد وأربيل، والتي باتت نقاط نشاط رئيسية لمسلحي تنظيم "داعش"، خصوصاً مناطق زمار ومخمور وجبال قره جوخ ضمن محافظة نينوى شمالي البلاد، مؤكدة استمرار التعاون المشترك بين الطرفين.
ويأتي الاتفاق الجديد كتوسيع لتفاهمات سابقة بين بغداد وأربيل، نتج عنها تشكيل 6 مراكز أمنية مشتركة من الجيش والبشمركة، للتنسيق في ما يتعلق بملف ملاحقة بقايا تنظيم "داعش". وقد باشرت تلك المراكز عملها فعلياً قبل فترة. ويؤكد مراقبون أن استمرار استهداف مطار أربيل، حيث توجد قوات أميركية في الجزء الغربي منه من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران، دفع باتجاه زيادة التعاون والتنسيق بين الجيش العراقي والبشمركة، والسعي إلى ضبط جميع الفراغات الأمنية في تلك المحاور.
ماجد شنكالي: هناك بعض القوى والفصائل المسلحة التي لا تريد استمرار هذا التنسيق
وخلال الفترة الأخيرة التي أعقبت الاستهداف الأخير لمطار أربيل في السادس من الشهر الحالي، عقدت القيادات الأمنية في بغداد وإقليم كردستان العراق عدة اجتماعات، بحثت خلالها إمكانية توسيع التعاون، لإنهاء الهجمات على أربيل. وقال رئيس أركان قوات البشمركة، الفريق جمال ايمنكي، الأحد الماضي، إنه "تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين على تشكيل لواءين مشتركين من الجيش والبشمركة، وأن الاتفاق جاء عقب زيارة وفد أمني عراقي إلى أربيل أخيراً". وأوضح، في تصريح لوكالة أنباء كردية محلية، أن "القرار اتخذ من قبل الطرفين، على أن يتم البدء بالخطوات العملية لتنفيذ القرار في الأيام المقبلة، لسد الفراغات الأمنية في المناطق الفاصلة بين القوات العراقية وقوات البشمركة. وستكون البداية في منطقة متنازع عليها بمحافظة ديالى ضمن بلدة خانقين إلى غرب دجلة". وأشار إلى أن "مراكز التنسيق المشتركة، التي تم تشكيلها أخيراً، بين الطرفين تواصل مهامها من دون أي عراقيل".
ويحاول الجانب الكردي توسيع التعاون مع الجيش العراقي، لإبعاد فصائل "الحشد الشعبي" عن المناطق المحاذية لأربيل (عاصمة الإقليم)، لا سيما أن بعض تلك الفصائل كان قد تبنّى صراحة الهجوم الأخير على مطار أربيل، وعبّرت أخرى عن دعمها للهجوم. وأكد مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع العراقية تلك التفاهمات، معتبراً أن التفاهمات اقتضتها التطورات الميدانية. وقال المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماعات المشتركة مع قيادة البشمركة أثمرت عن تلك التفاهمات، وأن القوات المشتركة ستعمل على سد الفراغات الأمنية، التي تتحرّك من خلالها عناصر الإرهاب والجهات الخارجة عن القانون". وأضاف: "نسعى لاستمرار التعاون الأمني، وستكون لنا اجتماعات مشتركة لاحقة تبحث التطورات الميدانية ونتائج التنسيق الأمني المشترك". وأكد أن "الحكومة العراقية تريد زيادة التعاون، كون الملف الأمني يحتاج إلى تنسيق واسع، لمواجهة التحديات وضبط الفراغات الأمنية". وكشف أن "تشكيل القوات المشتركة يحظى بدعم من التحالف الدولي، ضمن توصيات سابقة بشأن ضرب جيوب وخلايا داعش في مناطق ذات تضاريس وعرة، ينشط بها التنظيم بين محافظات نينوى وكركوك وديالى شمال وشرق العراق".
قوى سياسية كردية اعتبرت أن التفاهمات مع بغداد تمثل منطلقاً مهماً لحفظ أمن المناطق المتنازع عليها، فضلاً عن أمن مناطق الإقليم. وقال القيادي في الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، ماجد شنكالي، لـ"العربي الجديد"، إن "تشكيل القوة، ونشرها في الفراغات الأمنية بالمناطق المتنازع عليها مهم جداً لتأمين هذه المناطق، وليس فقط تأمين أربيل والإقليم"، مبيناً أن "المناطق التي ستنتشر بها القوات متردية أمنياً". وأضاف شنكالي أن "التنسيق المشترك بين بغداد وأربيل يعطي قوة للعراق، ويعطي قوة وضمانة لإقليم كردستان بحماية أمنه وحماية المناطق المتنازع عليها. بالتأكيد هناك بعض القوى والفصائل المسلحة التي لا تريد استمرار هذا التنسيق، كونه يؤثر على مصالحها في تلك المناطق". وأوضح أن "هذا التعاون جاء بعد جهود كبيرة وتنسيق وحوارات مستمرة لأكثر من عام".
عباس الزاملي: محاولات الأكراد إبعاد الحشد الشعبي عن المناطق المتنازع عليها أمر غير ممكن
وشدد على "أن تعاوننا مع الجيش العراقي، دون غيره من المؤسسات الأمنية العراقية الأخرى، مهم جداً بالنسبة لنا، لا سيما أن مؤسسة الحشد الشعبي تضم فصائل لدينا ملاحظات كثيرة عليها". وبيّن أن "تلك الفصائل لا تحترم الدولة، وتتبنى ما يسمى بنهج المقاومة وغير ذلك، وأن قياداتها تتحدث بأنهم مستمرون باستهداف المصالح الأميركية في أي مكان بالعراق، وهذا إثبات أنهم لا يلتزمون بقانون الدولة"، مضيفاً "لم تتولد الثقة المتبادلة بيننا وبين الحشد الشعبي، وهذه الثقة لن تعود إلا بأفعال تبين إمكانية عودتها، وهذا حالياً أمر صعب".
أما تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، فبدا غير راغب في هذا التعاون، مقللاً من أهمية الدور الأمني لتلك القوات. وقال عضو التحالف عباس الزاملي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "بعض المناطق الحدودية مع الإقليم، بين الموصل وأربيل باتجاه سهل نينوى مؤمنة بوجود قطعات من الحشد الشعبي والقوات الأمنية"، معتبراً أن "تشكيل قوات جديدة مشتركة من الجيش والبشمركة، لن يحد من الهجمات على أربيل بشكل نهائي". ولفت إلى أن "الإقليم لديه تواصل مع الحكومة الاتحادية، وأن الضربات التي استهدفت أربيل جعلت من حكومة بغداد تتعاطف مع الإقليم". وشدد على أن "الأجندات السياسية الكردية موجودة، لكن على الأكراد أن يعلموا أن محاولاتهم إبعاد الحشد الشعبي عن المناطق المتنازع عليها أمر غير ممكن، فهم صمام أمان تلك المناطق، خصوصاً أنها (الحشد) مشكلة من أبناء تلك المناطق (المتنازع عليها)". وأضاف "الحلم الكردي بعودة السيطرة على تلك المناطق، وإخراج الحشد منها، بعيد المنال".
وكانت حكومة إقليم كردستان قد حمّلت أخيراً حكومة بغداد وقوات التحالف الدولي مسؤولية الهجمات التي تعرّض لها مطار أربيل، مطالبة إياهما بتحقيق مهني بالملف. يشار إلى أن تكرار الهجمات التي يتعرض لها مطار أربيل في إقليم كردستان العراق، والذي يضم مقراً لقوات التحالف الدولي، دفع باتجاه وضع خطط للتعاون بين الجيش العراقي وقوات البشمركة.