توجه لتعديل قانون "الشاباك" لتشريع التجسس على المواطنين بأثر رجعي

04 فبراير 2022
يضمن التعديل حرية مطلقة للشاباك في التجسس على المواطنين من دون رقابة حقيقية (Getty)
+ الخط -

كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اليوم الجمعة، عن أن وزارة العدل الإسرائيلية تعتزم تقديم تعديل لقانون جهاز الأمن العام "الشاباك"، ولا سيما البند 11 من القانون الذي سنّ في عام 2002، بما يضمن للجهاز شرعنة استخدام أدوات التجسس الإلكترونية الجديدة، وبينها برامج مثل "بيغاسوس"، بأثر رجعي، وضمان حرية مطلقة للجهاز في التجسس على المواطنين من دون رقابة حقيقية، باستثناء تقديم تقرير دوري كل ثلاثة أشهر لرئيس الحكومة المسؤول عن الجهاز.

وادعت وزارة القضاء الإسرائيلية في ردّها لصحيفة "هآرتس" أن الهدف من وراء التعديل هو "منع انتهاك حرية الفرد وخصوصيته"، وأنه "سيتم طرح التعديلات على الجمهور للأخذ بملاحظاته".

لكن هذه التبريرات لا تصمد أمام الواقع بأن جهاز المخابرات العامة في إسرائيل كان يستخدم كل الوسائل التكنولوجية المتطورة، والتي كان ولا يزال أغلبها سرياً، باستثناء ما هو معروف على نحو واسع في مسألة التنصت على الاتصالات الهاتفية، أو زرع أجهزة تنصت في مواقع عمل المستهدفين من الجهاز، خصوصاً وأن كل ما يتصل بالخبرات السيبرانية لـ"الشاباك" كانت يستخدم منذ سنوات طويلة، وإن كان مخصصاً بالأساس للتجسس على ناشطين فلسطينيين في الداخل، أو رموز ونشطاء الفصائل الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويأتي التعديل في الواقع لإدراج هذه التقنيات التكنولوجية التي لم تكن معروفة على نطاق واسع عند سنّ قانون "الشاباك" في عام 2002، وخصوصاً برامج التجسس السيبرانية التي تطورت في إسرائيل في السنوات التي أعقبت سنّ القانون، وإن كان بعضها معمولاً به في وحدة التجسس السيبرانية لشعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة بالوحدة 8200.

وسبق لتقارير إسرائيلية في العامين الماضيين أن أشارت إلى لجوء جهاز المخابرات العامة الإسرائيلي "الشاباك" وجنود في وحدة شعبة الاستخبارات العسكرية إلى التنصت على عشرات آلاف الهواتف الفلسطينية لمواطنين فلسطينيين، بشكل عشوائي، أملاً في بناء ملفات محرجة لضحايا عمليات التنصت، أو "اصطياد" معلومات بشكل عابر يمكن استخدامها لاحقاً ضد المواطنين لابتزازهم للعمل لصالح المخابرات العامة.

وتأتي اقتراحات تعديل قانون "الشاباك" لشرعنة نشاطه في اختراق حقوق الخصوصية للإسرائيليين، ما دام المقصود بهؤلاء إسرائيليين يهوداً، لا سيما أن "الشاباك" اعترف، الخميس فقط، بأنه استخدم تقنيات تكنولوجية لمراقبة شبكات التواصل لدى ناشطين فلسطينيين في الداخل الفلسطيني، وتحديد جماعات كثيرة من هؤلاء الناشطين، بهدف إرسال رسائل تهديد وترهيب لهم خلال "هبة الكرامة" العام الماضي، عندما وقعت مواجهات بين فلسطينيي الداخل واليهود في البلدات التاريخية الفلسطينية التي تُعرف إسرائيلياً بالمدن المختلطة، حيث تلقى المئات من الناشطين الفلسطينيين في الداخل، ومواطنون عاديون، رسائل نصية من المخابرات العامة تهددهم، وتحذرهم من المشاركة في الاحتجاجات التي اندلعت في مايو/ أيار الماضي، تضامناً مع حي الشيخ جراح، وضد العدوان الإسرائيلي على غزة.

وذكر بعض هذه الرسائل أنه تم رصد نشاطات لهم ضد الدولة، وتحذرهم من مواصلة نشاطهم في القدس وفي المسجد الأقصى.

وهذه التقنية سبق للمخابرات العامة الإسرائيلية أن استخدمتها أيضاً خلال هبة إسقاط مخطط برافر الاقتلاعي لعرب النقب عام 2013، عندما تبين أن المخابرات العامة والشرطة الإسرائيلية راقبت كلّ ما يدور على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا سيما منصة "فيسبوك"، وقامت بالاعتماد على منشورات لناشطين فلسطينيين للتحقيق معهم وتوقيفهم، وحتى اعتقالهم، بحجة دعم الإرهاب، كما حدث مع الشاعرة دارين طاطور.

وفي عام 2015، بدأت الشرطة الإسرائيلية وجهاز المخابرات العامة في مواجهة ما أطلقا عليه انتفاضة السكاكين والأفراد في القدس المحتلة، باستثمار موارد هائلة في تطوير أدوات وآليات مراقبة شبكات التواصل الاجتماعية الفلسطينية، بحجة تحديد وبلورة بروفايل لمنفذي العمليات الفردية والوقاية منها.

وقد توصل الاحتلال في تلك السنوات إلى تفاهمات واسعة مع شركة "فيسبوك"، للسماح له باختراق الشبكة تحت ذريعة حماية الأمن ومواجهة الإرهاب.

وبعد إنشاء شركة "NSO" على يد شاليف خوليو، وبدء تسويق الشركة لبرامجها التجسسية الهجومية، تبيّن أن شرطة الاحتلال الإسرائيلي لجأت أيضاً إلى شراء برنامج التجسس الهجومي "بيغاسوس"، وبدأت باستخدامه في ملاحقة والتجسس على مواطنين إسرائيليين خلافاً للقانون.

ويتضح من اعترافات للشرطة الإسرائيلية والنيابة العامة، في الأسبوعين الأخيرين، بعد الكشف عن هذه الفضيحة في تقرير لصحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية، أن الشرطة لم تقف عند التجسس على هواتف رؤساء بلديات يشتبه في فسادهم الإداري والمالي، بل إن الشرطة والنيابة العامة زرعتا نظام "بيغاسوس" أيضاً في هاتف المدير العام لوزارة الاتصالات الإسرائيلية السابق شلومو فيلبر، الذي تحوّل لاحقاً إلى شاهد ملكي ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو، في ما يتعلق بقضية الرشاوى والفساد التي يواجهها نتنياهو في أروقة المحكمة، وتختص بمنحه تسهيلات كبيرة لمدير شبكة الاتصالات الأرضية الإسرائيلية "بيزك" شاؤول ألوفيتش، الذي كان يملك أيضاً موقع "والاه" الإخباري، مقابل ضمان تقارير وخط تحرير مؤيد لنتنياهو.

كما نقلت الصحف الإسرائيلية، أمس الأول، أن اعتراف النيابة العامة بهذه القضية دفع بمحامي نتنياهو إلى المطالبة بتقديم المعلومات التي تم سحبها من هواتف شلومو فيلبر والكشف عنها، وعرضها أمام المحكمة، خصوصاً وأن بعض المعلومات التي تم سحبها كانت عاملاً حاسماً في قبول فيلبر التحول إلى شاهد ملكي، وإن كان بعضها يعود لفترات قبل التحقيق معه، وتحوله إلى مشتبه فيه.

ويبدو أن مطالبة نتنياهو، عبر محاميه، بالكشف عن هذه المعلومات ستكون ورقة سيستغلها في جلسات محاكمته القادمة لتعزيز ادعاءاته بوجود مؤامرة ضده، لمجرد أنه يمثل اليمين في إسرائيل، وأن النيابة العامة والإعلام والشرطة أيضاً تجنّدت لإسقاطه من الحكم بعد أن فشل خصومه السياسيون في التغلب عليه عبر صندوق الانتخابات.