بعد نحو أسبوع من التوقف، بسبب "الظروف المناخية"، حسب ما أعلنه المسؤولون، عادت جلسات "الحوار الوطني" المصري إلى الانعقاد مرة أخرى، الأحد الماضي، حيث بدأت بتلك الخاصة بالمحور السياسي.
وقالت مصادر من داخل مجلس أمناء الحوار، لـ"العربي الجديد"، إن "الجهة المسؤولة عن تنظيم الحوار وجهت بضرورة إنجاز جدول الأعمال بسرعة، والخروج بتوصيات محددة، يتم تقديمها لرئاسة الجمهورية، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، على أن يعتمدها الرئيس فيما يشبه (البرنامج الرئاسي الانتخابي) الذي يقدمه خلال ترشحه للرئاسة".
عايدة سيف الدولة: إذا كان الحوار الوطني هو مشروع احتواء للمعارضة فقد فشل
كما رجحت مصادر سياسية مشاركة بالحوار، لـ"العربي الجديد"، أن يكون تأجيل الجلسات "جاء بسبب حرص الجهة المسؤولة عن تنظيم الحوار، على إنهاء أزمة نقابة المهندسين، قبل استكمال جلسات الحوار، نظراً لأن الكثير من المشاركين، وخاصة من أعضاء النقابات المهنية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، كانوا سيفتحون حديثاً عن الأزمة، خلال الجلسات، وهو ما فضل المسؤولون تجنبه".
تأجيل جلسة بسبب الظروف المناخية
وفي السياق، قال مصدر بنقابة الصحافيين المصريين، فضل عدم ذكر اسمه، إنه "تم إبلاغ ممثل النقابة النقيب خالد البلشي، وعضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ، يوم السبت قبل الماضي، بتأجيل جلسة (قانون تداول المعلومات) بسبب الظروف المناخية، حيث كانا مستعدين لطرح قضية المهندسين، وانتقاد ما حدث من أعمال بلطجة، لكن في النهاية تم احتواء الأزمة، وأعلنت الدولة دعمها لنقيب المهندسين طارق النبراوي".
وكان مجلس أمناء الحوار الوطني أعلن في 5 يونيو/حزيران الحالي، عن "أضرار أصابت مقر انعقاد جلسات الحوار بمركز مؤتمرات مدينة نصر، والذي هو عبارة عن هياكل خشبية وبلاستيكية مؤقتة نتيجة للظروف المناخية".
من جهته، قال المقرر المساعد للجنة الأحزاب السياسية بالحوار الوطني خالد داود، في حديث لـ"العربي الجديد": "أُخبرنا من البداية أن المدى الزمني المتوقع للحوار الوطني في حدود شهرين، فلا أستطيع أن أجزم بمدى زمني محدد، خاصة أنه بشكل عملي فإن شهور الصيف قادمة، وبالتأكيد كثير من المشاركين بحاجة لإجازات للسفر وقضاء الإجازات السنوية".
الحوار الوطني فقد بريقه
وأضاف: "لكن ما يُمكن أن أُشير إليه، أن الحوار الوطني بشكله الحالي فقد بريقه ورونقه، لأننا سنصل بشكل سريع إلى مرحلة استخلاص التوصيات، ثم رفعها إلى مؤسسة الرئاسة، وتنتهي معها مهمتنا، وننتظر كيف تتعامل الجهة الداعية للحوار مع هذه التوصيات".
وأضاف داود، وهو عضو مؤسس بالحركة المدنية الديمقراطية ومتحدث باسمها: "أعتقد أن المشهد سوف يتضح أكثر خلال هذا الشهر، خاصة بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، وإذا كانت مصر ستقترض مرة أخرى من صندوق النقد الدولي، أو إذا كانت ستنجح في بيع عدد من الشركات للتقليل من حدة وتبعات الأزمة الاقتصادية".
بهي الدين حسن: لا يوجد حوار بالمعنى الحقيقي للكلمة
وتابع داود: "أتفهم بعض الانتقادات التي يتم توجيهها للشكل الإجرائي للحوار الوطني، والوقت المسموح للمشاركين بالحديث. وعندما كنت مقرراً مساعداً لجلسة الأحزاب السياسية، تحدثت عن ضرورة فتح باب النقاش والحوار، فوجودنا ليس هدفه إلقاء البيانات أو تسجيل المواقف".
وأوضح: "لكن كما قلت، فالحوار فقد رونقه بالنسبة لكثير من المشاركين بسبب الفترة الطويلة التي استهلكها في مرحلة التجهيز والإعداد. فعندما شرعنا في مرحلة التنفيذ، فضّل البعض تسجيل المواقف بدلاً عن طرح الرؤى، وهذا الأمر تحديداً يثير بعض الحساسيات والمشاكل بين المشاركين. ولذلك أظن أننا سننتهي في وقت قريب من الحوار الوطني، ونخرج بالتوصيات".
وأضاف داود: "لم يعد الحوار الوطني هو الأمر المحوري المتوقع منه الخروج بتغييرات كبيرة. أظن أن الجميع الآن يركز على الانتخابات الرئاسية المقبلة، والاستعدادات الخاصة بها وموعد عقدها".
لا استراتيجية واضحة للحوار الوطني
من جهتها، قالت الأكاديمية والحقوقية المصرية عايدة سيف الدولة، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد استراتيجية أو خطة واضحة يتبعها النظام المصري، وهذا الأمر ينطبق على الحوار الوطني كله".
وأضافت: "إذا كان الحوار الوطني هو مشروع احتواء للمعارضة فقد فشل، وإذا كان محاولة لتجميل صورة طرف، سواء للداخل أو الخارج، أو تمهيدا لأرضية سياسية للانتخابات الرئاسية، فقد فشل في هذا الأمر أيضاً".
وتابعت: "لا يمكنني استيعاب فكرة استمرار حوار سياسي، بالموازاة مع استمرار السياسات الأمنية في القبض على المواطنين وإخفائهم واعتقالهم". وقالت: "لن تفرق المدة الزمنية التي يستهلكها الحوار الوطني في أي شيء، طالما لا توجد نية حقيقية للتغيير".
من جهته، قال الحقوقي المصري، ومدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، بهي الدين حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك فرصة ضائعة على مصر من أجل إصلاح الدولة وتقوية المعارضة والمجتمع المدني بالمعنى الواسع للكلمة، لأن الحوار من البداية تمت هندسته ألا يكون حواراً، بل أن يكون مكلمة، ولن تفرق مدة استمرار الحوار شهرين أو سنتين ما لم تتغير الأسس التي بُني عليها".
لا حوار بالمعنى الحقيقي للكلمة
وأضاف: "لا يوجد حوار بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل كلمات تُقال بشكل متواز ما بين مؤيدين للنظام أو المعارضين، أو من هم في المنتصف ولديهم بعض التحفظات، فضلاً عن تدخلات تضع أحياناً حتى سقفا لهذا الكلام المتوازي".
واعتبر أنه "ليس هناك تفاعل ولا نقاش جدي، لأن النقاش الجدي يعني أن تكون هناك حجة وحجة مضادة، ثم تفاعل بين الحجتين ينجم عنه أمر ثالث، أو يتخلى طرف عن فكرة لصالح فكرة أخرى. إنما ما يحدث هو (مكلمة) هدفها فقط تسويق النظام الحالي دولياً، باعتباره نظاما منفتحا على المعارضة، على عكس واقعه الفعلي المرير".