توتر متزايد على الحدود الأفغانية الباكستانية: الصدام المباشر وارد

19 ابريل 2022
تظاهرة في خوست السبت الماضي ضدّ الضربات الباكستانية (فرانس برس)
+ الخط -

ارتفعت وتيرة التوتر على الحدود بين باكستان وأفغانستان، خلال الأيام الماضية، على خلفية هجمات قالت إسلام أباد إنها استهدفت الداخل الباكستاني، ومصدرها المناطق الحدودية شرقي أفغانستان، والتي استدعت رداً منها، أدى إلى سقوط عشرات القتلى المدنيين. وجاء هذا التصعيد، والذي تلاه تحذيرٌ قوي اللهجة صدر عن حكومة حركة "طالبان" الأفغانية، نتيجة تراكم التعقيدات التي صبغت العلاقة كما يبدو بين إسلام أباد وكابول منذ سيطرة "طالبان" على الحكم في أفغانستان في أغسطس/آب الماضي، وهو ما لم تكن تشتهيه السلطات الباكستانية، ولا سيما مع اكتساب نشاط حركة "طالبان" الباكستانية الزخم، منذ وصول الحركة الأفغانية إلى السلطة. وينذر التصعيد بإمكانية أن يفضي إلى صدام مباشر بين الدولتين الجارتين، قد تكون تداعياته مكلفة على كلّ منهما.

الجيش الباكستاني يستهدف الداخل الأفغاني

ووصلت إلى 47 قتيلاً حصيلة قتلى الضربات الباكستانية التي قالت حركة "طالبان" الأفغانية إن الجيش الباكستاني نفذّها يوم السبت الماضي، واستهدفت ولايتي خوست وكنر، شرقي أفغانستان، فيما حضّت إسلام أباد، التي لم يصدر عن جيشها أي إعلان رسمي عن الضربات، كابول، على لجم نشاط المسلحين الذين قالت إنهم يشنّون هجمات ضدها من داخل الأراضي الأفغانية، ما أدى إلى مقتل سبعة جنود باكستانيين الخميس الماضي.

استهدف القصف الباكستاني ولايتي خوست وكنر الأفغانية ما أوقع 47 قتيلاً على الأقل

وقالت الخارجية الباكستانية، في بيان، أول من أمس الأحد، إن "باكستان، مرة أخرى، تدين بشدّة الإرهابيين الذين ينشطون مع تمتّعهم بحصانة من التراب الأفغاني للقيام بأنشطة في باكستان"، مؤكدة مقتل 7 جنود باكستانيين في منطقة شمال وزيرستان يوم الخميس الماضي، بأيدي "إرهابيين ينشطون من أفغانستان". وقالت الوزارة إن المسلحين يتحركون من داخل الأراضي الأفغانية بكل سهولة ومن دون موانع، لشنّ الهجمات ضد القوات الباكستانية على الجانب الآخر من الحدود، فيما لا تحرك حكومة "طالبان" في كابول ساكناً.

وكانت الطائرات الحربية الباكستانية، قد اخترقت الأجواء الأفغانية، يوم السبت الماضي، ووصلت إلى مناطق في ولايتي خوست وكنر، والتي شنّت عليها عدداً من الغارات.

وأفادت تصريحات متطابقة صدرت عن أكثر من مسؤول في حركة "طالبان" الأفغانية، منهم المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، ونائب قائد قوات "طالبان" مالي خان زدران، والمتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية عنايت الله خوارزمي، بالإضافة إلى رئيس إدارة الثقافة والإعلام المحلية في ولاية خوست، شبير أحمد عثماني، بأن الغارات الباكستانية أصابت منازل اللاجئين الباكستانيين في المناطق المستهدفة، ما أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص (42 على الأقل في خوست و5 في كنر)، بينهم نساء وأطفال. 

وأكدت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" أن جميع القتلى من اللاجئين الباكستانيين الذين لجأوا قبل سنوات إلى أفغانستان من مقاطعة وزيرستان الباكستانية، هرباً من الحرب والمواجهات التي كانت في أوجها هناك بين الجيش الباكستاني والجماعات المسلحة. وقالت مصادر قبلية أخرى إن حركة "طالبان" شنّت ليل السبت – الأحد هجمات على نقاط باكستانية حدودية في ولاية خوست، حيث استمرت المواجهات بين الطرفين حتى قبيل الفجر، نافية علمها بتسجيل خسائر.

كما قوبل القصف الباكستاني، بردّة فعل شعبية غاضبة في الداخل الأفغاني، تبدت بخروج تظاهرات منددة منذ السبت الماضي في عدد من المناطق شرقي البلاد، وآخرها تظاهرات حاشدة خرجت أمس الإثنين في ولاية ننغرهار شرقي البلاد، القريبة من الحدود الباكستانية، حيث أدان المتظاهرون قصف الطائرات الباكستانية الأراضي الأفغانية.

"طالبان" تحذّر وتتوعد إسلام أباد

وجاء رد "طالبان" على الضربات الباكستانية التي استهدفت كنر وخوست، سريعاً وشديداً، حيث توعدت وزارة دفاعها، وكذلك المتحدث باسمها، بالرد، فيما استدعت الخارجية الأفغانية السفير الباكستاني في كابول، منصور أحمد خان، للاحتجاج.

مجاهد: هزيمة الولايات المتحدة قبل 8 أشهر كانت درساً جيداً للمعتدين

وقال نائب قائد قوات "طالبان"، مالي خان زدران، إن بلاده لا تريد الحرب مع أي جهة، خصوصاً من الجيران بما فيها باكستان، وتسعى لحل جميع القضايا مع باكستان عبر الحوار، ولكن قوات الحركة يظلّون في الوقت ذاته على أهبة كاملة للدفاع عن الأراضي الأفغانية. وزار خان زدران ولاية خوست، أمس الإثنين، بحسب ما أكدت الحكومة المحلية، حيث تفقد القرى المستهدفة والجرحى وأسر القتلى، مع توزيع مساعدات مالية وغذائية.

بدوره، أكد مجاهد، في تصريحات صدرت عنه خلال اليومين الماضيين، أن حكومة "طالبان" أبلغت السفير الباكستاني بأن ما حصل في خوست لا يجب أن يتكرر، وإلا فإن الحركة لن تصمت وسترد بكل قوة. وقال مجاهد إنه ينبغي على باكستان ألا تختبر صبر الأفغان ومدى قدرتهم على الدفاع عن سيادة الدولة وأراضيها.

وحذّر مجاهد من أن "هزيمة الولايات المتحدة قبل ثمانية أشهر كانت درساً جيداً للمعتدين الذين لا يريدون احترام أراضي أفغانستان وحريتها". كما لفت إلى أن حركة "طالبان" تحاول حلّ القضية عبر القنوات الدبلوماسية والحوار، لكنه وصف الهجوم الباكستاني بأنه "عمل وحشي ويمهّد الطريق لعداوة بين أفغانستان وباكستان". وقال إنه ينبغي على الجانب الباكستاني "أن يدرك أن الحرب ليست في صالح أي جهة، وأنه ستكون لها نتائج وخيمة إذا ما اندلعت".

أما بالنسبة إلى وضع "طالبان" الباكستانية، فرأى مجاهد في حديث لشبكة "بي بي سي" البشتوية، أن السلطات في باكستان لم تقدم أي دليل على عبور المسلحين الأراضي الأفغانية واستهدافهم للقوات الباكستانية. ولفت إلى أنه "إذا كانت القوات الباكستانية التي لديها كلّ الإمكانيات قد عجزت في التصدي لمسلحي طالبان الباكستانية، فكيف بالنسبة لقوات طالبان التي تملك إمكانيات هشة"، متحدثاً عن طبيعة الحدود الوعرة والصعبة.

علاقة متوترة بين إسلام أباد وحكومة "طالبان"

ويرتبط التوتر بطبيعة العلاقة التي شابها التوتر بين إسلام أباد و"طالبان" الأفغانية، منذ عودة سيطرة الأخير على كامل الأراضي الأفغانية، ومغادرة القوات الأميركية أفغانستان، في أغسطس 2021. إذ كان كثير من المتابعين قد عدّوا سيطرة "طالبان" على كابول، في ذلك التاريخ، انتصاراً كبيراً لإسلام أباد، التي لم تكن راضية في أي وقت عن تعامل الحكومات الأفغانية السابقة معها، بعد الغزو الأميركي لأفغانستان في عام 2003، خصوصاً في ما يتعلق بخلافها مع الهند، المنافسة الأولى والأشدّ لها في المنطقة.

وبدت باكستان الرسمية، مرتاحة لسيطرة "طالبان" على الدولة الجارة لها، لكن الأمور بين البلدين لم تسر وفق ما اشتهت إسلام أباد. إذ على الرغم من كل "الدعم" التاريخي الذي اشتهرت "طالبان" بأنها كانت تحصل عليه من باكستان (وهو ما كانت خصوصاً الحكومات الأفغانية السابقة تتهمها به)، وخصوصاً أن العديد من قياداتها هم من أبناء المدرسة الدينية الباكستانية، إلا أن الحركة أضحت بعد وصولها للحكم تسير بخطى مستقلة، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح إسلام أباد، وهو ما لا يبدو أنه أعجب الأخيرة وصنّاع القرار فيها.
وظلّ تحرك كابول ضد "طالبان" الباكستانية، أحد أبرز مطالب السلطات الباكستانية، قبل وبعد وصول "طالبان" إلى كابول. وأرادت إسلام أباد دائماً من السلطات الأفغانية تنفيذ عمليات عسكرية ضد "طالبان" – باكستان، في المناطق الشرقية والجنوبية من أفغانستان، حيث تظن إسلام أباد أن لمسلحي الحركة الباكستانية وجوداً فيها.

وبعد منتصف أغسطس الماضي، تاريخ عودة "طالبان" إلى الحكم، سرى اعتقاد لدى الحكومة الباكستانية، ولدى المؤسسة العسكرية في باكستان، أنه قد حان الوقت للقضاء على "طالبان" الباكستانية، وأن حكومة كابول الجديدة سوف تتعاون معها في هذا الشأن.

وحمل رئيس الاستخبارات الباكستاني السابق الجنرال فيض حميد، في 4 سبتمبر/أيلول 2021 رسالة إلى كابول، طلب فيها من الحركة الأفغانية التحرك ضد "طالبان"- باكستان، بعمليات تكون منسقة مع الجيش الباكستاني، لكن ردّ "طالبان" جاء مفاجئاً لإسلام أباد. ورفضت الحركة الأفغانية القيام بأي تحرك عسكري ضد "طالبان" الباكستانية، مؤكدة في الوقت ذاته بأنها لن تسمح لأحد ولأي جهة أن تستخدم الأراضي الأفغانية ضد أي دولة، وهو ردّ لم يقنع إسلام أباد.

"طالبان" الأفغانية ترفض السياج الحدودي

لم تكتف الحركة الأفغانية برفض العمل ضد "طالبان" الباكستانية، بل منعت أيضاً القوات الباكستانية من الاستمرار في بناء سياج على طول الحدود بين البلدين (طولها 2700 كيلومتراً)، وهو سياج كانت وافقت عليه حكومة أشرف غني السابقة في كابول، وتواصلت عملية تشييده حتى 90 في المائة منه.  

وزير الدفاع في حكومة "طالبان"، الملا يعقوب، كان من أبرز المعارضين لبناء السياج الحدودي

وكان وزير الدفاع في حكومة "طالبان"، الملا يعقوب، نجل مؤسس الحركة الملا عمر، والذي يعتبر من أقوى الشخصيات وأكثرها نفوذاً داخل الحركة، كما أكثرها ولاء من قبل قبائل الجنوب، من أبرز المعارضين لبناء السياج. وصرّح بأن قوات طالبان منعت القوات الباكستانية من نصب السياج لأن حكومة طالبان لم تقرر بعد في القضية.

وبحكم هذا الموقف، تصدت "طالبان" للقوات الباكستانية، كلّما حاولت الأخيرة استكمال نصب السياج، ما أدى إلى وقوع اشتباكات ومواجهات بين الطرفين طوال الأشهر الماضية في مناطق حدودية مختلفة، ما أوقع أيضاً قتلى وجرحى من الطرفين.
واعتبر الزعيم القبلي في ولاية خوست الجنوبية، مينا غول زدران، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "موقف حركة طالبان يتماشى مع طبيعة هذه المنطقة وطبيعة القبائل القاطنة على طرفي الحدود. إذ لا يمكن نصب السياج بين أبناء عشيرة واحدة، تجمعهم قبيلة واحدة والأعراف والدين والاجتماع".

ولفت الزعيم القبلي، إلى أن "هناك علاقات أسرية بين الطرفين، وبالتالي فإن القبائل لم تكن راضية منذ البداية عن بناء السياج، لكنها عجزت عن فعل أي شيء". وشرح أن "حكومة أشرف غني اتفقت مع باكستان حول السياج إلا أن حركة طالبان تعرف أهمية القبائل بالنسبة إليها، هي التي استمدت كلّ قوتها من هذه القبائل". ورأى أيضاً أنه لا يمكن لحركة "طالبان" الأفغانية، أن تتحرك ضد "طالبان" – باكستان، لأن عناصر الحركتين من خلفية قبلية واحدة، ما سيجعل موقف "طالبان" صعباً وخطيراً.

هكذا، بدا اليأس على الموقف الباكستاني الرسمي، وهو ما عبّر عنه مراراً مستشار الأمن القومي الباكستاني معيد يوسف، كان آخره بعد زيارته كابول في 29 يناير/كانون الثاني الماضي. وقال يوسف حينها: "إننا لا نتوقع الكثير من طالبان في كابول، نحن نطلب منها التعاون في إحلال الأمن على الحدود".

من جهتها، بدت "طالبان" الباكستانية، وكأنها رتبت صفوفها، واستعدت للسير على خطى "طالبان" في كابول. وللمرة الأولى، أعلنت الحركة الباكستانية في مارس/آذار الماضي، إطلاق عمليات الربيع في باكستان، من أجل إقامة الشريعة والقضاء على الحكومة في إسلام أباد، وذلك في استنساخ لما واظبت "طالبان" الأفغانية على إطلاقه خلال السنوات الطويلة الماضية.

ومنذ ذلك التاريخ، كثفت "طالبان" – باكستان من عملياتها في مختلف مناطق شمال غربي باكستان، خصوصاً القبلية، حيث كبدت القوات الباكستانية خسائر كبيرة في الأرواح، ما جعل الجيش الباكستاني يتحرك ضدها داخل الأراضي الأفغانية من خلال استهداف مواقع المسلحين بالهجمات الصاروخية، أو محاولة التوغل الحدودي. إلا أن مشكلته الأساسية بقيت في طريقة التعامل مع حكومة "طالبان".

وتجد باكستان نفسها اليوم في موقف معقد، فإما أن تقبل هجمات "طالبان" الباكستانية المتزايدة والممتدة إلى مختلف مناطق شمال غربي البلاد، وإما أن تتحرك إلى داخل العمق الأفغاني للقضاء على قوة الحركة الباكستانية هناك، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع "طالبان" الأفغانية والقبائل بأسرها. ولا يرغب صنّاع القرار، كما يبدو، بالوصول إلى هذه النقطة، خصوصاً أن تاريخ "طالبان" الأفغانية يدل على أن أي حرب معها ستكون صعبة، لاسيما وأنها تحظى بدعم كبير من قبل القبائل البشتونية على طرفي الحدود.

أما "طالبان" الأفغانية، فهي من دون شكّ تحتاج إلى دعم إسلام أباد السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي في الوقت الراهن، وبالتالي فإن أي صدام مع الجيش الأفغاني لن يصب في مصلحتها أو مصلحة الشعب الأفغاني، خصوصاً أن ملايين اللاجئين الأفغان موجودون في باكستان حالياً. هذا بالإضافة إلى أن عائلات عدد كبير من مقاتلي الحركة الأفغانية لا يزالون يعيشون في باكستان. لكن قد لا تضع الحركة هذا الأمر في الحسبان، لا سيما أن القوة داخلها لا تزال في يد العسكريين، وهم من يتخذون القرارات المصيرية.

المساهمون