عاد التوتر إلى شوارع تشاد بعد فترة من الاستقرار تخللها توافق على تسيير المرحلة الانتقالية، وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية، بعد هجوم مسلح على وكالة المخابرات في العاصمة أنجمينا أدى إلى مقتل عدة أشخاص أمس الأربعاء.
وقُتل المعارض يايا ديلو، المتهم الرئيسي بالوقوف وراء الاعتداء على رئيس المحكمة العليا، والهجوم على مقر جهاز المخابرات.
وأكد متحدث باسم الحكومة في تصريحات صحافية مقتل زعيم المعارضة يايا ديلو في هجوم استهدف مقر "الحزب الاشتراكي بلا حدود" المعارض الذي يتزعمه، مضيفا أن "ديلو تحصّن في مقر حزبه، ولم يكن يريد الاستسلام، وأطلق النار على قوات الأمن".
واتهم المتحدث يايا ديلو "بقيادة هجوم استهدف مكاتب جهاز الأمن الداخلي ليل الثلاثاء -الأربعاء، ومحاولة اغتيال رئيس المحكمة العليا".
وكان ديلو ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة ومنافسة الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي إتنو.
مخاوف من تطور النزاع في تشاد
وسارعت الحكومة إلى التأكيد أن "الوضع تحت السيطرة الكاملة"، في محاولة منها للتخفيف من تداعيات الحادث، وأكدت أنه "جرى إلقاء القبض على مرتكبي الهجوم على مكتب المخابرات وجار البحث عن البقية وستتم محاكمتهم".
وفيما لا تزال الأوضاع الأمنية متوترة وسط العاصمة، قال شهود عيان لـ"العربي الجديد" إن "المدرعات العسكرية تنتشر في محيط القصر الرئاسي وتقوم بدوريات حول المباني الحكومية الرئيسية، كالبرلمان والإذاعة ومقر المخابرات"، مؤكدين أن شبكة الهاتف والإنترنت لم تعد للخدمة بشكل تام في مناطق من البلاد منذ يوم أمس الأربعاء، فيما يخضع المارة والسيارات في الشوارع الرئيسية للتفتيش.
وقال الناشط السياسي عمار ديمبا لـ"العربي الجديد"، إن "الأوضاع في شوارع العاصمة ما زالت غير مستقرة رغم أن قوات الشرطة والجنود يقومون بدوريات في أنجمينا لمنع التجمعات وفض أي اشتباكات"، مضيفا أن "الحكومة الانتقالية تتهم عناصر من الحزب الاشتراكي بهجوم على مكاتب الأمن الوطني وجهاز المخابرات الداخلية، وتقوم حاليا قوات الأمن بحملة مداهمات لاعتقال المشتبه بهم وسط مخاوف من حدوث مواجهات عرقية".
وأكد ديمبا أن "عددا من المتظاهرين الغاضبين وأقارب رئيس المحكمة العليا هددوا بالتصعيد في حال لم ينفذ القانون على المعتدين، وفي الطرف الآخر كان أنصار المعارض يايا ديلو يلوّحون بالسلاح ويوجهون الشتائم لكل رجال الامن الذين حاولوا اعتقاله".
ويأتي هذا التطور بعد يوم من تحديد هيئة الانتخابات ليوم اقتراع الانتخابات الرئاسية الذي كان محل جدل في تشاد، حيث أعلنت الثلاثاء الماضي أن الانتخابات الرئاسية ستجري في 6 مايو/ أيار المقبل، وهي أول انتخابات رئاسية ستجرى في البلاد بعد مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي إتنو 2021، على يد متمردين شمالي البلاد.
ومن المفترض أن تنهي هذه الانتخابات الفترة الانتقالية التي دامت ثلاث سنوات، تولى خلالها الحكم محمد إدريس ديبي إتنو، وهو نجل الرئيس السابق، الذي وعد بداية بإعادة السلطة إلى المدنيين من خلال تنظيم انتخابات بعد ثمانية عشر شهرًا، ثم جرى تمديدها لمدة عامين، ثم ثلاث سنوات.
وحذر عمار ديمبا من تطور الأوضاع المتوترة في وسط العاصمة التشادية، خاصة بعد مقتل المعارض ديلو، داعيا الجميع إلى الهدوء والحكمة والاحتكام إلى القانون والالتزام بأحكامه، مشيرا إلى أن "تشاد لا تزال تعاني من تأثير فترة عدم الاستقرار" بعد مقتل الرئيس السابق ادريس ديبي عام 2021.
وأوضح أن القضية "من الممكن أن تأخذ منحى أكثر عنفاً بعد مقتل زعيم المعارضة ديلو الذي كان سينافس الرئيس الانتقالي محمد ادريس ديبي إتنو في الانتخابات المقبلة"، محذرا من أن "انتماء القتيل للعائلة الحاكمة قد يشكل عاملا إضافيا لتأجيج الأوضاع في البلاد".
والمعارض يايا ديلو هو ابن عم الرئيس الانتقالي محمد ديبي إتنو، وكان يستفيد من دعم جزء من العائلة الحاكمة، وبشكل خاص من دعم صالح ديبي إتنو، شقيق الرئيس السابق الراحل إدريس ديبي إتنو.
وسبق لديلو أن تعرض قبل ثلاث سنوات لمحاولة اعتقال قُتلت خلالها والدته وأحد أبنائه، ونجا هو بصعوبة قبل أن يغادر تشاد، ولم يتمكن من العودة إلا بعد مقتل إدريس ديبي، حيث برز اسمه كمعارض شرس لحكم نجل الرئيس إدريس ديبي.
وكان من المقرر أن يعلن في الأيام المقبلة مشاركته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتخشى قوى المعارضة من استمرار حكم عائلة ديبي التي حكمت البلاد لمدة 33 عاماً، وتأمل بأن تنجح في الفوز على الرئيس الانتقالي الذي أظهرت فترة ولايته أنه لم يحقق الاستقرار والأمن في تشاد بعد مقتل والده.
تعديلات أمنية
أجرى الرئيس الانتقالي محمد ادريس ديبي تعديلات كبيرة داخل الأجهزة الأمنية، أبرزها استبدال مدير الوكالة الوطنية للأمن الوطني، أحمد كوجري، المعروف بقربه من فرنسا، بأحد الأعضاء المخلصين من حاشيته.
وتقوم تشاد، الحليف الأخير لباريس في منطقة غرب أفريقيا، حاليا بتنويع شركائها الأمنيين، وتوقيع اتفاقيات مع الإمارات وتركيا وحتى المجر، كما زار الرئيس الانتقالي روسيا مؤخرًا، حيث التقى برئيسها فلاديمير بوتين.
وأنشأ محمد ديبي فيلقا جديدا في الجيش، وهو عبارة عن قوة تدخل سريع، لضمان أمن السلطة، وعيّن على رأسه الجنرال عثمان آدم ديكي، وهو صديق مقرب له.
ومنذ تولي رئاسة الفترة الانتقالية لم يخفِ محمد ديبي طموحه في إزالة الحرس القديم المكون من جنرالات والده الراحل الذين أوصلوه إلى السلطة، لكنه كان يصطدم دائما بقوة العسكريين والمسؤولين التنفيذيين المكلفين بمهام حساسة، خاصة أنه كان يحاول الحفاظ على التوازنات العرقية والقبلية داخل المؤسسات العسكرية.