تهديدات إثيوبيا تنذر بإشعال الصراع في موانئ القرن الأفريقي

تهديدات إثيوبيا تنذر بإشعال الصراع في موانئ القرن الأفريقي

02 اغسطس 2023
أحد مرافئ جيبوتي التي تعتمد إثيوبيا عليها في الاستيراد والتصدير (إريك كابانيس/ فرانس برس)
+ الخط -

جدّدت تصريحات أطلقها الرئيس الإثيوبي أبي أحمد، خلال كلمة له أمام حشد من رجال الأعمال والمستثمرين في أديس أبابا، في 20 يوليو/تموز الماضي، وتتعلق بتأمين ميناء للبلاد، سلمياً عبر التفاوض أو اعتماد ما سماه سياسة "الأخذ والعطاء" أو بالقوة، المخاوف من اشتعال صراع جديد في المنطقة وتجديد التنافس الدولي والإقليمي على موانئ دولها.

وقال أبي أحمد، في كلمته، إن إثيوبيا، وهي دولة حبيسة (أي غير مشاطئة)، "لم تدخر جهداً في سعيها لتأمين ميناء للبلاد"، مضيفاً: "نريد الحصول على ميناء من خلال الوسائل السلمية، ولكن إذا فشل ذلك، فسنستخدم القوة".

فاتورة اقتصادية باهظة

ولا تخفي الحكومة الإثيوبية نواياها بتقليل التكلفة الباهظة والفاتورة الاقتصادية الكبيرة التي تدفعها أديس أبابا لدول المنطقة لتأمين حركة التصدير والاستيراد، خصوصاً مع جارتها جيبوتي، وذلك بكلفة تناهز ملياري دولار أميركي سنوياً لتحقيق عوائد مالية ضخمة (13 مليار دولار واردات ونحو 3 مليارات من الصادرات).

واعتمدت أديس أبابا منذ عام 2015 سياسة تنويع الموانئ التي تستخدمها، ولجأت إلى ميناء مويالي في كينيا وبربرة في أرض الصومال (صوماليلاند) وتاجورة في جيبوتي، وهو ما خفّض نسبة اعتمادها على ميناء جيبوتي إلى 14.62 في المائة، وذلك طبقاً لتصريحات سابقة صدرت عن مدير الاتصالات في وزارة النقل والخدمات اللوجستية الإثيوبية، أتيك نيجاش.

وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن السفير الإثيوبي في جيبوتي، برهانو صغاي، عن وصول الأسطول البحري الإثيوبي العاشر، "إم سي أباي الثاني" إلى جيبوتي، وغرّد السفير الإثيوبي عبر حسابه على "تويتر"، قائلاً: "إنه (الأسطول) يغيّر قواعد اللعبة بالنسبة لقطاع الشحن والخدمات اللوجستية في إثيوبيا". وأكد برهانو على تفاني بلاده في تقديم خدمات الشحن والخدمات اللوجستية التنافسية كخط شحن أفريقي رائد.

وتزامناً مع ذلك، أعلنت البحرية الإثيوبية عن تخريج أعضائها الذين تدربوا في مجالات مهنية مختلفة، بما في ذلك الملاحة والهندسة والكهرباء والاتصالات وإدارة التسلح لمدة عامين.

تريد أديس أبابا تقليل تكلفة حركة التصدير والاستيراد

ويحذر مراقبون من أن نوايا أديس أبابا، وما يصفونه بأطماعها التوسعية نحو دول المنطقة المجاورة لها، خصوصاً الصومال وجيبوتي وإريتريا، من شأنها أن تشعل صراعاً وتوتراً عسكرياً جديداً في المنطقة.

مع العلم أن إثيوبيا خرجت للتو من صراعات دموية استمرت زهاء عامين بعد تفجر الحرب في شمال إثيوبيا بين "جبهة تحرير تيغراي" وبين الجيش الإثيوبي في عام 2020 والتي انتهت باتفاقية وقعت في بريتوريا بجنوب أفريقيا، بين أطراف الصراع وأخمدت المعارك.

وتعتبر إثيوبيا واحدة من 44 دولة في العالم غير ساحلية، وذلك منذ استقلال إريتريا عنها في عام 1993، ولهذا واجهت أديس أبابا صعوبات كبيرة في زيادة حجم اقتصادها وعوائق جمّة في تنمية قطاعاتها الاقتصادية، خصوصاً في الموازنة بين وارداتها وصادراتها وتقليل فجوة التضخم المالية نتيجة طغيان الواردات على الصادرات منذ عقود.

يقول الصحافي والكاتب الصومالي نور محمد جيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن موضع إثيوبيا ونفوذها الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي لا يسمحان لها بالاستمرار كدولة حبيسة في المنطقة، ولهذا تعتمد سياستها حالياً على دبلوماسية الموانئ مع دول المنطقة، ولضمان نمو اقتصادها الصاعد خلال السنوات العشر الأخيرة.

ويرى نور محمد جيدي، أن هناك دوافع استراتيجية وراء تصريحات أبي أحمد الراهنة للوصول إلى أحد موانئ دول المنطقة، ملخصاً تلك الدوافع بأنها تتمثل في تزايد التنافس الدولي على هذه الموانئ، خصوصاً موانئ جيبوتي التي تعتمد عليها أديس أبابا بنسبة 84 في المائة في الاستيراد والتصدير.

وبرأيه، فإنه لهذا السبب تبرز مساعي إثيوبيا لتصبح دولة عضوا في الدول المشاطئة على البحر الأحمر نظراً لقوتها الإقليمية ومكانتها في المنطقة، ولهذا فإن الاستعداد الإثيوبي المبكر منذ عام 2019، لإنشاء أسطول بحري يدل على مساعيها الرامية لإيجاد موطئ قدم لها في موانئ المنطقة.

وحول تداعيات أطماع إثيوبيا التوسعية نحو موانئ القرن الأفريقي، يرى نور محمد جيدي أن مبدأ الأخذ مقابل العطاء واللجوء إلى دبلوماسية التفاوض، يمكن أن يمنحا أديس أبابا موقعاً حيوياً ومدخلاً بحرياً في المياه الإقليمية قبالة باب المندب، لكن خيار اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية لتنفيذ أجندتها غير وارد حالياً، بل إن استخدام دبلوماسية الموانئ ربما يمهد لها الطريق لتنفيذ أجندتها وتوجهاتها الخارجية.

ويلفت إلى أن هذا الأمر ممكن "خصوصاً مع الصومال وكينيا، إذا أحسنت أديس أبابا الاختيار وأبدت تعاوناً مع دول المنطقة، فالدبلوماسية أقرب طريقة لتأمين منفذ بحري لها حالياً".

جيدي: خيار التدخل العسكري في إحدى دول المنطقة ليس ممكناً 

ويوضح نور محمد أن خيار القوة العسكرية ليس مطروحاً حالياً في سياسة وأجندة أبي أحمد، لأن الصراعات الداخلية في إثيوبيا في ازدياد بالوقت الحاضر، وقد فشلت أخيراً اتفاقية الهدنة مع جبهة أورومو بعد إخماد صراع دموي مع تيغراي، ولهذا فإن خيار التدخل العسكري في إحدى دول المنطقة للتموضع في موانئها ليس ممكناً بفعل المخاوف الداخلية من حصول انقلابات وثورات ناشئة في العمق الإثيوبي.

إثيوبيا توتّر علاقاتها بدول الجوار

وفي الإطار ذاته، يرى الباحث في مركز البحوث والدراسات الأفريقية (جامعة أفريقيا العالمية)، عبد الوهاب الطيب البشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تصريحات أبي أحمد الجديدة حول ضرورة الوصول إلى موانئ القرن الأفريقي بالتفاوض أو بالحرب، مثيرة للجدل وتؤدي بلا شك إلى إضعاف ثقة الدول الإقليمية بتعهدات أديس أبابا والالتزام بالمواثيق الدولية والعلاقات مع دول الجوار، بما فيها السودان ومصر، خصوصاً في ما يخص محور سدّ النهضة.

ويأتي ذلك برأيه، إلى جانب أن تصريحات إثيوبيا تهدّد أيضاً علاقاتها مع الدول المحيطة بها، خصوصاً إريتريا والصومال اللتين تشتركان معها في أزمات حدودية منذ عقود.

ويلفت عبد الوهاب إلى أن تصريحات أبي أحمد ربما ستؤدي مستقبلاً إلى تحالف حتمي بين الدول الإقليمية لمواجهة الأطماع الإثيوبية التوسعية في المنطقة نحو موانئها، خصوصاً بين الصومال وجيبوتي.

ويعتبر أن هذه التصريحات، لا شكّ أنها تعبر عن تحول إثيوبي جديد في سياسة البلاد الخارجية تجاه دول المنطقة المشاطئة على المحيط الهندي أو البحر الأحمر، وهو يهدّد بإشعال الصراع الإقليمي والدولي حول موانئ القرن الأفريقي.

ويشدّد عبد الوهاب على أن السياسة الإثيوبية الجديدة نحو ضرورة تأمين ميناء بحري، تجمع في كفة واحدة بين الدول الإقليمية الثلاث (الصومال، جيبوتي وإريتريا)، على الرغم من خصوصية العلاقة بين كل من تلك الدول وأديس أبابا.

ويشرح الباحث أن حكومة أبي أحمد تقيم مع كل حكومة في تلك الدول، علاقة دبلوماسية مختلفة عن علاقتها مع الأخرى، ولذلك فإن إعلانه الصريح المتعلق بسياسة (الأخذ مقابل العطاء) في الوصول إلى موانئ القرن الأفريقي، يشكّل تهديداً صريحاً من شأنه تأزيم العلاقات مع دول الجوار، ما يعني من دون شكّ تأجيج مزيد من الصراعات العسكرية في منطقة القرن الأفريقي.

وحول إمكانية أن تعتبر تصريحات أبي أحمد في سياق مجرد صرف الأنظار عن الأوضاع الداخلية، خصوصاً في ما يتعلق بالصراع الإثني مع المعارضة من قومية أورومو، يرى عبد الوهاب الطيب أن الحكومة الإثيوبية تواجه مأزقاً داخلياً في إخماد الجبهة الداخلية، ولهذا فإن سياسة (الأخذ والعطاء) ربما تكون مفيدة في هذه المرحلة لصرف الأنظار عن الجبهة المشتعلة الداخلية.

لكن الباحث يعتبر رغم ذلك أن هذه التصريحات ربما ستشكّل بكل وضوح تمهيداً لترتيبات دولية وإقليمية مقبلة نحو المنطقة نتيجة التنافس الإسرائيلي والروسي والأميركي والصيني على موانئ دول القرن الأفريقي.

ويعرب عبد الوهاب الطيب عن اعتقاده بأن "تنفيذ سياسة الأخذ مقابل العطاء أو اللجوء إلى القوة من قبل إثيوبيا، تعنيان من دون شك أن أديس أبابا ستكون مستعدة مسبقاً لمواجهة دول إقليمية ودولية من أجل تنفيذ أجنداتها السياسية الجديدة، خصوصاً الصومال وجيبوتي وإريتريا (إقليمياً) وتركيا والولايات المتحدة إلى جانب الصين وروسيا (دولياً)، لما لهذه الدول من مصالح مختلفة في المنطقة".

سياسة "الأخذ مقابل العطاء" أولاً

أما الصحافي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد، فيقول من جهته في حديث مع "العربي الجديد"، إن أولويات إثيوبيا حالياً تتركز على مجال التعاون الدبلوماسي وحسن الجوار مع دول المنطقة بما فيها جيبوتي وأرض الصومال وكينيا لاستخدام الموانئ الإقليمية، والتعاون أيضاً مع السودان، ولهذا فإن دور أديس أبابا حالياً لا يدفعها إلى فتح جبهات توتر أخرى مع دول المنطقة.

ويشرح عبد الصمد أن إثيوبيا تملك حالياً تأثيراً إقليمياً وتريد أن تلعب دوراً إيجابياً يخدم مصالح دول المنطقة في توفير الاستقرار الأمني والسياسي، ولهذا فإن سياسة أبي مبنية على الهدوء في السياسة الداخلية والخارجية، وذلك منذ اتفاقية السلام مع أسمرة في عام 2018.

ولهذا السبب، يعرب عبد الصمد عن اعتقاده بأن سياسة الانجرار إلى الصراعات العسكرية مع دول المنطقة هي سياسة الوقوع في الهاوية وتأزيم أوضاع دول المنطقة، ولهذا لا يمكن أن تصدر تصريحات مثيرة عن رئيس الحكومة الإثيوبية، من شأنها أن تهدد أمن دول المنطقة في هذه المرحلة الإقليمية الحرجة خصوصاً بعد اندلاع الصراع العسكري في السودان في 15 إبريل/نيسان الماضي.

عبد القادر محمد: كلمة أبي قد تكون موجهة إلى أسمرة 

وفي السياق ذاته، يؤكد الباحث الإريتري الدكتور عبد القادر محمد علي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه المخاوف "ماثلة بالطبع دائماً نظراً إلى ما يردده بعض النخب من قوميتي الأمهرة والتيغراي (في إثيوبيا) حول غزو إريتريا والحق التاريخي في البحر الأحمر، لكنه يعتبر أن "ما يعتمد عليه في النهاية، هو موقف الدولة الإثيوبية، وهو أهم مؤشر لتحديد درجة خطورة هذه الأطماع الإثيوبية"، بحسب قوله.

ويلفت عبد القادر محمد إلى أن لا تعليق صدر عن أسمرة أو غيرها من عواصم الإقليم بعد في هذا الخصوص، لافتاً إلى أن أبي أحمد في كلمته لم يحدد الدولة المعنية، معرباً عن اعتقاده بأن كلام الأخير قد يكون رسالة موجهة إلى العاصمة الإريترية أسمرة مرتبطة بعلاقة الأخيرة الوثيقة مع مليشيات "فانو" التي تخوض مواجهات عنيفة مع الجيش الإثيوبي.

ويستبعد الباحث رغم ذلك، أي تحرك إثيوبي في هذا الاتجاه، معتبراً أن ذلك إن حصل، فسيقوض بالطبع الاتفاقيات المبرمة بين البلدين.

ويعتقد عبد القادر أن سياق تصريحات أبي "مرتبط بالمشكلات الداخلية الكبيرة التي يواجهها رئيس الوزراء الإثيوبي، وهي محاولة منه لصرف الأنظار عنها، وكذلك استخدام خطاب يتفوق على متطرفي الأمهرة والتيغراي، ويدغدغ مشاعر بسطاء الإثيوبيين".

لكنه يعتبر أن "المشكلات الداخلية الكثيرة والوضع الأمني الهشّ بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية القلقة في الإقليم، نتيجة الحرب في السودان، كل ذلك يجعل أي قرار في هذا الخصوص بلا دعم إقليمي أو دولي وسيضيّق الخناق على حكومة أبي أحمد التي تعاني من تبعات الحرب على تيغراي وعقوباتها"، مستبعداً "نشوب حرب جديدة للوصول إلى البحر".